هل تتوافر إرادة سياسية لتنمية حقيقية؟
... عزيزى القارئ، عزيزتى القارئة: لم ولن يصيبنى الملل من تكرار أن التنمية الحقيقية تقوم على تنمية قطاع الدولة ثم القطاع التعاونى، يشاركهما القطاع الخاص وفقاً لخطة شاملة للتنمية تضعها الدولة.
لن يصيبنى الملل من تكرار أن تعبئة الموارد من أجل التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية تعتمد بالأساس على نظام ضريبى عادل يتطلب ضرائب تصاعدية كلما زادت شرائح الدخل، كما أسلفت فى الأسبوع الماضى، واستنكرت وقوف الضريبة عند 22.5% وثباتها لمدة عشرة أعوام فى سابقة لم تحدث فى تاريخ مصر وربما العالم عبر الأزمان.
ياسيادة رئيس الوزراء، ياحكام، يامسئولين، لقد تحدثتم كثيراً عن التنمية وعن مكافحة الفقر والفساد، وعن الشفافية، وعن القضاء على البطالة. وهاهى تصريحاتكم الأخيرة عن الاهتمام بالقطاع العام، ولكن تعالوا بنا لنفتح الستار ونرى ماذا تم وما الذى يتم، فالأقوال وحدها لا تكفى.
وها هو قطاع صناعى مهم هو قطاع شركات السكر والصناعات التكاملية. تلك الصناعة التى تعتمد على محصولى قصب السكر والبنجر. وفى مقالى السابق تحت عنوان: «أغيثوا مزارعى قصب السكر» تكلمت عن المعاناة التى يلقاها المزارعون بعد زيادة إيجار الفدان وتكلفته وزيادة سعر السماد وزيادة سعر الوقود فى عام 2014 التى تسببت فى زيادة تكاليف الرى والحرث ونقل المحصول من الحقل للمصنع، مما أدى فى النهاية إلى زيادة تكلفة الفدان عن ثمن توريد المحصول بألف وأربعمائة وثمانية وخمسين جنيهاً. وهذه الخسارة كما قال أهالى الأقصر غير المزارع الذى يعمل طوال السنة دون أجر.
ومازالت شكواهم أيضاً أنهم لم يتسلموا غير نصف ثمن المحصول حتى الآن مما يهدد بعدم جمع بقية المحصول، ويهدد زراعة القصب، وما يقوم عليها من صناعات. وعلى الجانب الآخر، وإمعاناً فى تضييق الخناق على المزارعين وتهديد صناعة السكر، نجد الحكومة التى تتشدق بالحفاظ على القطاع العام وعلى الصناعة وخلق فرص العمل تسمح باستيراد السكر الرخيص من الخارج بلا حدود لعدد محدود من كبار المستوردين وترفض فرض رسوم إغراق على السكر المستورد لكى يجد الإنتاج المحلى مكاناً له فى السوق ويكسب المنتج.
هذا الخبر أنقله لكم من جريدة الوطن الخميس 9 إبريل الحالى فى الصفحة الثانية. تتناول تفاصيل الخبر انتقاد رئيس مجلس إدارة شركة الدلتا للسكر رفض وزارة الصناعة والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة فرض رسوم إغراق على السكر المستورد مؤكداً أن ذلك يهدد صناعة السكر الوطنية بالانهيار خلال 12 شهراً فقط. وأوضح أن شركات السكر تسحب على المكشوف من البنوك لسداد مستحقات المزارعين، وأن البنوك الوطنية ترفض تمويل الشركات. كما أوضح السيد عبد الحميد سلامة رئيس مجلس الإدارة أن المخزون الحالى من السكر فى مخازن الشركات الوطنية يبلغ واحد ونصف مليون طن لم يتم بيع كيلو واحد منها! ولا يزال مزارعو القصب والبنجر مستمرين فى توريد المحصول الذى من المتوقع أن يصل إلى 1.5 مليون طن سكر مما يرفع مخزون السكر فى يوليو المقبل إلى ثلاثة ملايين طن! «زغرطى ياللى مانتيش غرمانة»!
وهذا يعنى أن التصريحات شىء والسياسات شىء آخر. مازالت سياسات ما قبل ثورتى يناير ويونيو يتم تنفيذها وبجدارة فى مؤسسات الدولة. ما زالت السياسات الاحتكارية التى تقدم الامتيازات والتسهيلات لمستوردى السلع الأساسية حتى ما تنتجه مصر تؤدى إلى انهيار الصناعة المصرية وإغلاق المصانع، وانهيار الزراعة التى تورد الخامات إلى تلك الصناعات. ينطبق ذلك أيضا على زراعة القطن والكتان.. وسأعيد عليكم يا من تريدون الاهتمام بالتنمية وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر من أجل توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطلين، وللعائدين من البلدان المشتعلة بالحروب والفوضى وعدم الاستقرار. يامن تتشدقون بأن القطاع العام كان سنداً للدولة أثناء الحروب، وهو الذى يوفر السلع الأساسية، وبأسعار فى متناول الشعب الفقير، والذى يتحول يوماً بعد يوم من تحت حد الفقر إلى فقير، ومن فقير إلى معدم، ومن معدم إلى ميت! إن الشركات المتبقية من القطاع العام، هى 148 شركة تتبع 9 شركات قابضة فى مجالات الغزل والنسيج، والصناعات المعدنية، والكيماوية، والغذائية وغيرها، مازالت مجالس إداراتها تقوم بنفس السياسات التى تتعمد تخسير الشركات التابعة لها تمهيدا لبيعها وتصفيتها.
إن عمال مصر، والذين يريدون العمل والإنتاج والبناء، يطالبون بالآتى:
1 - ضخ الأموال لتشغيل شركات القطاع العام بكل طاقاتها بدلا من الاشتغال بربع الطاقة مثل مصانع الغزل والنسيج بالمحلة والحديد والصلب بحلوان.
2 - توريد المواد الخام اللازمة لهذه الشركات.
3 - صيانة الآلات القديمة وتحديث الآلات والمعدات حتى تتمكن من زيادة الإنتاج والمنافسة.. وقف سياسة الإجبار على الخروج إلى المعاش المبكر، وإلغاء سياسة 4 - وقف التعيينات الجديدة، مع إعادة تأهيل وتدريب العمالة.
5 - تنفيذ الأحكام النهائية التى صدرت بعودة الشركات، ومنها طنطا للغزل والكتان، والتى عادت بحكم نهائى فى أكتوبر 2013، وشركة النصر للمراجل البخارية، والتى عادت فى 17 ديسمبر 2012.. لا تنمية حقيقية بدون القطاع العام والانحياز للفقراء وبدون دعم الدولة للمزارعين والمنتجين، وسن القوانين لحماية الصناعة والمنتجات الوطنية