أنقذوا الصناعة المصرية .. شركة مصر للألبان «4»
أنشئت شركة مصر للألبان عام 1956، تلك الشركة التى تعتبر من أهم الصروح الصناعية فى ذلك الوقت، وكان هدفها الأساسى هو كوب لبن لكل طفل. استطاعت الشركة توفير منتجات الألبان فى ذلك الوقت بخامات طبيعية وبأسعار فى متناول الأسر المصرية لأنها كانت مدعمة من الدولة، وحققت تغطية السوق المحلية بمنتجاتها، بل والتصدير إلى الدول العربية والأفريقية. وكانت مصر للألبان فخراً للصناعة وللثقة بمنتجاتها.
تمر الأيام والشهور والسنون، وتبدأ الخطة الجهنمية لتصفية الشركات الصناعية المصرية كما قلنا فى المقالات السابقة. ويأتى قطار الخصخصة السريع وفقاً لقانون قطاع الأعمال العام 203 لعام 1991، حيث تحولت الهيئة العامة للصناعات الغذائية إلى الشركة القابضة للصناعات الغذائية، كما تحول القطاع العام إلى قطاع الأعمال العام الذى تعمل شركاته القابضة على تخسير الشركات وتصفيتها عمداً مع سبق الإصرار والترصد. وبدأت خطة تصفية «مصر للألبان» لصالح عدد من كبار رجال الأعمال المسيطرين على سوق صناعة الألبان.
شركة «مصر للألبان» صرح تتبعه عدة مصانع فى محافظات القاهرة، والإسكندرية، ودمياط، والدقهلية، وكفر الشيخ، والغربية، وأسوان، والإسماعيلية. وتبدأ الحلقة الأولى عام 1998 فى تصفية وبيع مصنع «سيكلام» بالرأس السوداء بمدينة الإسكندرية بالبخس. المصنع الذى كانت قيمته الفعلية فى هذا الوقت لا تقل عن 400 مليون جنيه، تم بيعه بعشرين مليون جنيه! يا بلاش! مصنع بكامل أراضيه ومبانيه مقام على مساحة حوالى 32 ألف متر مربع، وما يحتويه من عنابر إنتاج ومعدات ووسائل نقل وقطع غيار، واستراحة كبيرة ملحقة به، ومراكز تجميع الألبان، وعددها سبعة فى الإسكندرية والبحيرة. لصالح من هذه الصفقة الفاسدة؟! وتم بيع محل آخر ببورسعيد تابع للشركة ثمنه الفعلى 16 مليون جنيه، تم بيعه باثنين مليون جنيه.
تتسارع خطوات التصفية بعد سنة 2000، وتحت حجة مديونية الشركة يباع أحد مصانعها عام 2002 بـ10% من قيمته الحقيقية. وتباع قطعة أرض للشركة بـ8000 جنيه للمتر رغم أن قيمته السوقية تبلغ 25000 جنيه. وبدلاً من أن يذهب عائد البيع لسداد مديونية الشركة تذهب لسداد مديونية الشركة القابضة للصناعات الغذائية. وتجىء الكارثة الكبرى عام 2008 لتضرب الشركة فى مقتل بعد توسعها فى بيع منتجات الألبان على مستوى مصر والشرق الأوسط وتمتعها برخص أسعارها، وتعاقدها مع دول عربية ومنها المملكة العربية السعودية والكويت والسودان على تصدير المنتجات لهم، وبالذات الجبنة المطبوخة رغم أنها أغلى من نظيرتها فى القطاع الخاص، فقد كان سعر كرتونة الجبنة المطبوخة فى ذلك الوقت 11.5 دولار، بينما يبيعها القطاع الخاص بـ10 دولارات. لكن الدول المستوردة تعاقدت مع شركة مصر للألبان بعد إرسال عينات من إنتاج الشركة والقطاع الخاص وتفضيل إنتاج الشركة المصرية للألبان لمطابقتها للمواصفات القياسية العالمية واستنادها إلى خامات طبيعية.وفى الوقت نفسه كان زبادى مصر للألبان تباع العلبة «170 جراماً» بثمانين قرشا، وفى القطاع الخاص العلبة 80 جراماً بجنيهين. وكيلو الجبن البيضاء فى مصر للألبان 9 جنيهات. لابد هنا يا سادة أن يتدخل أصحاب المصلحة فى إيقاف العمل بالشركة، أى الشركات الخاصة المنافسة فى مجال صناعة الألبان، خاصة أن البعض منهم ومن أقربائهم أعضاء فى مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية.
وفجأة، وبعد 15 يوماً من انطلاق قطار التصدير للخارج، كان القرار رقم 894 لسنة 2008 فى 3 مارس بإغلاق الشركة بناء على ما قيل إنه مخالفات صحية من سقوط بعض بلاط الحوائط وتسريب من بعض الحنفيات دون القيام بأى تحليل طبى للمنتجات، التى كانت مطابقة للمواصفات فى معامل الخارج التى استشارها المستوردون. وتم إعطاء مهلة شهر للشركة لإصلاح العيوب. وبدلاً من الإصلاح الذى يتطلب كما يقول العمال بضعة أيام، لم يتم الإصلاح واستمر إغلاق الشركة.
ومع نضالات العمال ومطالبة نقابتهم المستمرة بفتح الشركة صدر قرار محافظ القاهرة بإلغاء الغلق الإدارى وإعادة فتح الشركة بقرار رقم 4093 لسنة 2010 بعد موافقة الشئون الصحية بمحافظة القاهرة. وللآن لم يتم فتح الشركة وعودة العمل بها. خمس سنوات يتم فيها تصفية المصانع، وتسريح العمال والكفاءات، ومنهم الخبرات التى ذهبت لمصانع الألبان الخاصة. ويتم تفكيك الماكينات وبيعها على أنه خردة. وعندما اشتكى العمال وذهبت لجنة من الرقابة الإدارية، وجدت أن الخردة تحتوى على ماكينات جديدة ومنها ماكينة الجبنة «الروكفور» التى لا يوجد مثلها فى أى شركة فى الشرق الأوسط كله.السياسات نفسها التى تتعمد تخسير شركاتنا المصرية ووقف إنتاجها وتصفيتها. وتبقى كلمة أخيرة، وهى نداء للمسئولين، رئيس الوزراء ووزير التموين ورئيس الشركة القابضة، والذين وعدوا بتشغيلها عند زيارة رئيس الوزارة للشركة فى مارس 2014. هذا النداء صادر من العاملين بالشركة، خاصة حسن يوسف رئيس نقابة العاملين بشركة مصر للألبان. هل نحلم بكوب لبن لكل طفل فى مستهل العام الجديد؟