الدور الضائع للخديو فى سرايا عابدين
استكمالاً لمقالنا بالأمس نؤكد أن الخديو إسماعيل قدم للمرأة المصرية ما لم يقدمه حاكم قبله، ولم يكن رجلا لا يفكر سوى فى جمالها وحسنها كما رأيناه فى المسلسل، مما يعد إجحافا شديدا بحقه، فهو الذى انشأ أول مدرسة لتعليم الفتيات فى وطننا وهى مدرسة السنية، كما ظهرت فى عهده الصحف مثل «الأهرام» و«الوطن» ومجلة «الروضة».
أما من الناحية الفنية فأستطيع أن أقول إن عمرو عرفه قدم صورة متميزة وحرفية تحسب له،وأما يسرا فهى قدمت بعدا جديدا فى ادائها وشخصية جديدة عليها، لكن لا يمنع اننى أفضلها فى الأدوار الاجتماعية التى تعبر عن المجتمع المصرى، ونيللى كريم وغادة عادل ونور، أضاف جمال طلتهن بعدا مطلوبا فى قصر الخديو، ومجموعة كبيرة من الشابات ازدحم بهن المسلسل فى دور الوصيفات يجعلنا نتذكر مسلسل إنجليزى شهير هو «فوق وتحت» وكان يقدم الحياة فى قصر إنجليزى عريق بين الطبقة العليا وطبقة الخدم والوصيفات والطهاة.
إن مسلسل الخديو أيضا نسى أن بعض أحفاد الأسرة المالكة مازالوا على قيد الحياة، وأنهم بإمكانهم الاعتراض على صور الفساد والانحرافات التى تملأ السراى فى المسلسل، وأنا لا أقصد أنه مفروض من المؤلفة أن تظهر الجوانب الإيجابية فقط، أو أن تظهر الأحداث بشكل مثالى وإيجابى وجميل بلا عيوب أو سلبيات للشخصيات.
ومن الاعتراضات التى واجهها المسلسل وله الحق فى ذلك فى رأيى فهو هجوم من أحمد فؤاد الثانى الابن الوحيد للملك فاروق آخر ملوك مصر، حيث حذر من أن للخديو أحفاداً لا يمكن لهم قبول الإهانات والاتهامات المخلة بالشرف، لكنه لم يصرح بأى خطوات ضد المسلسل، وقال أحمد فؤاد الثانى فى بيان نشره على صفحته بموقع «الفيس بوك»، أنه تابع بكل أسف المسلسل ظنا منه انه سيكون منصفا لتاريخ الخديو إسماعيل الذى وصفه بأنه أحد أهم وأعظم حكام مصر فى عصرها الحديث، مضيفاً «لكن للأسف بدلا من إبراز الأعمال والإنجازات التى قام بها الخديو وهى معروفة للجميع، اهتم منتجو المسلسل بجانب لا وجود له إلا فى خيالهم ولا يمت للواقع بصلة»، وقال «المسلسل مهين لذكرى هذا الرجل الوطنى ،وهو ملىء بمغالطات تاريخية وجغرافية وخلط فى الشخصيات، وجهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة والوطن»، وأضاف «إن المسلسل قام بتشويه صورة الجميع، لا لشىء إلا لإنتاج عمل تجارى رخيص لا يهدف إلا للربح المادى على حساب سمعة من رحلوا»،و«إن المسلسل كال الاتهامات للخديو وبعض زوجاته بالقتل والتآمر والفساد وسوء الخلق».
رغم إننى أطالب بالاهتمام بكتابة تاريخ مصر، إلا أننى أعتقد أن تاريخ مصر ينبغى الحرص فى كتابته على الدقة فى السرد، والأمانة فى التعرض للشخصيات، كما أن تاريخ مصر لابد أن يكتبه كتاب مصريون وأن يراجع تاريخيا قبل التعرض له، فهو ليس ملكاً لأحد حتى يقدم بمعلومات مغلوطة، ولابد أن تستعيد الدولة دورها لتقوم بإنتاج أعمال تاريخية راقية ودقيقة تعكس وتناسب هذا التاريخ العريق الدى نعتز به ونفتخر.. وللحديث بقية.