الروايات الكاذبة.. شائعات السوشيال ميديا.. خطر يهدد استقرار المجتمع
«طالبة تنتحر بسبب التنمر».. «أم تقتل ابنها وتطبخه».. «وباء جديد ينتشر».. «الدولة على وشك الإفلاس».. «مظاهرات تجوب الشوارع».. وغيرها الآلاف من الأخبار الكاذبة، التى أصبحت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى يوميًا كانتشار النار فى الهشيم، فى استهداف واضح لاستقرار المجتمع، وبحث دائم ومستمر عن إثارة البلبة والتأثير على العقول. خلق آلاف الروايات المكذوبة والمنسوجة بعناية لتوجيه الرأى العام، والترويج لها عبر مواقع «السوشيال ميديا»، أصبح يمثل ظاهرة يومية، يتعامل معها الصغار والكبار، ومن النادر أن ينجو أحد من تأثيرها الذى يطول كل شىء، الأمر الذى يستدعى سؤال المختصين حول آليات التصدى لتلك الظاهرة الخبيثة، والعمل على إحداث تضافر بين جهود الإعلام وقوى المجتمع والجهات الرسمية؛ للتصدى للحرب الإعلامية الدائرة، ودفع خطرها الذى يستهدف أمن الوطن وسلامة المجتمع ووعى المواطن.
سامية خضر: مسئولية مشتركة بين الإعلام والمواطن
قالت الدكتور سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، إن مصر تعرضت لحملة شائعات ضخمة خلال حربها مع إسرائيل، وآنذاك كان هناك إعلام قوى استطاع التصدى لكل الأكاذيب، برؤية متزنة، ونجح بذلك فى كسب ثقة المواطنين.
وأضافت «خضر»، لـ«الدستور»، أن مواجهة الشائعات لا تقع على عاتق الإعلام فقط، بل على المواطن أيضًا؛ فبدوره لا بد من أن يبحث عن المعلومات من المصادر الموثوقة، مثل التليفزيون والصحف، ولا يصدق كل ما يراه على وسائل التواصل الاجتماعى.
وتابعت: «الهدف من الشائعات والأكاذيب، هو بث الخوف والرعب فى المجتمع، أو نشر ثقافات غريبة ضد الدين والتقاليد، لذلك لا بد من أن يكون هناك دور رقابى من العائلة، إذا كان هناك أطفال أو مراهقون يتعاملون مع السوشيال ميديا دون ضوابط أو رقابة، مع التوعية بخطورة تلك الأخبار من خلال برامج التليفزيون أو الراديو، ووجود منصات لتصحيح تلك المعلومات الكاذبة؛ حتى لا يكون هناك تقليد أعمى، وحتى لا يتأثر بها أحد».
ليلى عبدالمجيد: التربية الإعلامية وسرعة الرد أهم وسائل حماية العقول
أوضحت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، أن مصر، مثل غيرها من الدول، تواجه حاليًا مشكلة كبرى فى تداول الأخبار الكاذبة وانتشارها على وسائل التواصل الاجتماعى، التى تعد بيئة خصبة لنمو الشائعات.
وأشارت إلى أن مواقع التواصل تتسم بقدرتها على جذب العديد من الأفراد، الذين يتعرضون من وراء الشاشات إلى سيل من الأكاذيب، دون وقت كافٍ أو فرصة لإعمال عقولهم والتدقيق فى المنشورات المتتالية والشائعة، وفحصها لبيان الحقيقة من الشائعة.
وقالت: «كثير من المستخدمين لمواقع التواصل، يقوم، ودون تفكير، بمشاركة الأخبار والتعليق عليها، وهنا يلعب المواطن دورًا فى نشر الأكاذيب والشائعات، سواء دون قصد أو بتعمد، فتنتشر تلك الأكاذيب كالنار فى الهشيم».
وأضافت: «ما يزيد من سرعة انتشار المعلومة أو الخبر الكاذب، هو عدم رد الجهات المسئولة على الشائعة وقت ظهورها، أو غياب المعلومات ونقصانها أو حجبها حول القضية التى تهم الرأى العام، مع عدم إتاحة المصادر للتأكد من المعلومات، كما أن تلك الأخبار الكاذبة تكون عادة مصاغة بطريقة جذابة وشيقة وأكثر سهولة من المعلومات الحقيقية، فيصدقها الناس بسهولة، ما يؤدى لانتشارها».
وأشارت الدكتورة ليلى عبدالمجيد إلى أن هناك جهات متخصصة تقف وراء إطلاق الشائعات وفبركة الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعى، مع اختراع طرق لخلق الشائعات والترويج لها، من بينها تزييف شعارات بعض القنوات الإخبارية المهمة أو الصحف الرسمية، حتى يصدق الناس ما يتم تداوله، كما أن برامج الذكاء الاصطناعى تساعد أيضًا فى التزييف العميق، مع صعوبة كشف التزوير الذى يتم عبر الفيديوهات والصور والأخبار والمعلومات».
وتابعت: «الإعلام الحقيقى هو الذى يساعد المواطنين فى كشف الأخبار الكاذبة، كما أنه لا بد ألا يصدق الناس أو يسلموا بأى معلومة يتلقونها عبر السوشيال ميديا دون تفكير، وعليهم التحرى من دقة الأمر، وهو ما يمكن أولًا عبر التأكد من اللينكات المصاحبة للأخبار، لأن معظم لينكات الشائعات لا يفتح من الأساس، أو لا يوجد له أصل على الموقع الرسمى أو القنوات الإخبارية، ما يدل على عدم جديته».
وأكدت أستاذة الإعلام وجوب التصدى لانتشار الأخبار الكاذبة، من خلال التربية الإعلامية للطلاب فى مراحل التعليم المختلفة، مع بث برامج التربية الإعلامية الرقمية لجميع أفراد الأسرة، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعى، حتى يتعلم الناس كشف التزوير والتفريق بين الحقيقى والمزيف، والصحيح والخطأ، وهناك أيضًا برامج إلكترونية تساعد فى التحقق من الأخبار والصور والفيديوهات».
أحمد فخرى: ضرورة تحرى الدقة وعدم الانسياق وراء نهم المعلومات
أوضح الدكتور أحمد فخرى، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن هناك عدة أنماط من الشخصيات التى تقف عادة وراء ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة على شبكات التواصل الاجتماعى، أولها الشخصيات التى لديها غرض من ترويج الأكاذيب، الذين يتسمون بالاعتماد على الإيحاء فى تناول القضايا العامة، الأمر الذى يمكن أن يؤثر على بعض الأفراد، عبر صناعة سوء فهم يؤدى لنشر معلومات مغلوطة.
وقال: «عادة ما يتميز هذا النوع من الشخصيات بالفراغ الوقتى والفكرى، مع السعى لنشر الأخبار لملء وقتهم، مع البحث عن نيل الشهرة وتحقيق المشاهدات والربح السريع، عبر نشر كل ما يتلهف الناس على سماعه أو رؤيته، دون أى تحرٍ أو تأكد». وأضاف: «النوع الثانى من مروجى الشائعات عادة ما يكون من المنتمين للتنظيمات والجماعات التى لديها أغراض أخرى، والهادفة لبث الخوف والرعب فى نفوس الآخرين، ودائمًا ما يكون توجهه سياسيًا، ويهدف لزعزعة الاستقرار وهدم مؤسسات الدولة». واستطرد: «تلك الجماعات توظف عادة ما أصبح يسمى بـ(اللجان الإلكترونية)، وتنفق عليها أموالًا باهظة من أجل الترويج للشائعات، بهدف استقطاب نوعية معينة من الناس ممن ليست لديهم مرجعية علمية، أو من يتسمون بالثقافة المحدودة، لأن هؤلاء يكونون أسهل فى تصديق الأخبار الكاذبة، فمن لديهم ثقافة واسعة عادة ما يبحثون فى المنطق وراء الأخبار، ويسألون عن مصادر المعلومات ويحاولون تحليلها». وعن تأثير الأخبار الكاذبة على الرأى العام وسلوك الجمهور، قال أستاذ علم النفس: «أصبح لدى الناس حاليًا ما يسمى بـ(نهم المعلومات)، وكثير من الجمهور يستقى معلوماته من السوشيال ميديا، وهذه المواقع تستهدف بالأساس الطبقات بسيطة التفكير، أو الفئات الأكثر تأثرًا بالأخبار والشائعات، وتشير الدراسات المختلفة إلى أن تلك المواقع تركز على صغار السن والشباب والنساء وذوى التعليم المنخفض، وغيرهم ممن لا يميلون للتحرى وراء الأخبار والمعلومات، ويميلون لتصديقها، بل تناقلها». وأكد ضرورة التحلى بالوعى وتحرى الدقة وراء الخبر، مع البحث عن مصدره، والتأكد من مصادر المعلومات قبل تصديقها، مع التأكد منها عبر متابعة المصادر الرسمية والمواقع الإعلامية الموثوقة.
سلوى صلاح: الحبس سنة وغرامة 20 ألف جنيه على المتورطين فى تكدير السلم العام
أكدت الدكتورة سلوى صلاح، خبيرة قانونية، أن الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية تتصدى للشائعات، عبر فحص المنشورات والبلاغات ونشر بيان توضيح بخصوص حقيقة الأمر، وكذلك النيابة العامة التى دائمًا ما تفحص ما يُكتب ويُنشر حول قضايا الرأى العام لتصحيحه، وتهيب بالرأى العام عدم الانسياق وراء تلك الأخبار المغلوطة، وتتوعد بملاحقة مَن ينشر تلك المعلومات. وأضافت «صلاح»: «هذا ما حدث فى قضية الطالبة نيرة صلاح، عندما رصدت النيابة العامة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعى تنشر بعض الأخبار المغلوطة عن الأمر، فتم القبض على ١١ شخصًا وتقديمهم للمحاكمة، وكذلك واقعة سيدة الشرقية التى كان يُنشر أنها قتلت ابنها وطبخته وأكلته، فأصدرت النيابة العامة نفيًا لتلك التفاصيل فى القضية».
وأكدت: «التحقيقات لها دور كبير فى مواجهة الشائعات والأخبار الزائفة التى يجرى تداولها على السوشيال ميديا، والتى تضلل الرأى العام، وتمنع المواطنين من الوصول للحقيقة».
وعن العقوبات القانونية، أوضحت: «مروج الشائعات يواجه تهمة نشر أخبار كاذبة وتكدير صفو المجتمع، ويعاقب عليها وفقًا للمادة ١٨٨ من قانون العقوبات بالحبس مدة لا تتجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك لكل من نشر بسوء قصد، بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».