السبعينيات بعيون أمريكية «2-2»
تعتبر مارى آن ويفر أهم مراسلة صحفية أمريكية متخصصة فى منطقة الشرق الأوسط، منذ سنوات السبعينيات وربما حتى مطلع القرن الحادى والعشرين؛ إذ وصلت إلى القاهرة فى النصف الثانى من السبعينيات، للعمل والدراسة العليا فى الجامعة الأمريكية، حيث عاشت سنوات السبعينيات، ثم تكررت زيارتها لمصر فى الثمانينيات والتسعينيات. وترجع أهمية أى مراسل أجنبى إلى نوعية مصادر المعلومات لديه، وقربه من دوائر الحكم، وأيضًا دوائر المعارضة. وبالنسبة لمارى آن ويفر خدمتها دراستها فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى التعرف على النجم الصاعد آنذاك فى المجال الأكاديمى والإسلام السياسى «سعد الدين إبراهيم» الأستاذ بالجامعة الأمريكية، الذى بدوره عرّفها على زميلتها فى الدراسة بالجامعة الأمريكية «سوزان مبارك»، حرم نائب رئيس الجمهورية آنذاك حسنى مبارك، والذى أجرت معه لقاءات، سواء وهو نائب، أو بعد توليه الرئاسة. كما تعرفت مارى آن ويفر على أغلب زعامات الحركة الإسلامية آنذاك وعلى رأسهم الشيخ عمر عبدالرحمن، هذا فضلًا عن صِلاتها بأعضاء السفارات الأجنبية، لا سيما السفارة الأمريكية بالقاهرة.
هكذا توفرت لها مصادر معلومات على أعلى درجة، فضلًا عن دراستها فى قسم الدراسات العربية فى الجامعة الأمريكية. من هنا تأتى أهمية المعلومات والرؤى التى تطرحها ويفر فى كتابها. وبدايةً ترى ويفر أن ما حدث فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ كان أمرًا طبيعيًا، نتيجة تبعات التطبيق السيئ لسياسة الانفتاح الاقتصادى: «كنت دائمًا أجد الجبن المستورد والكافيار فى السوق المصرية، ولكن لا أجد الدقيق أو الصابون المحلى! كان من المستحيل غالبًا أن تجرى مكالمة تليفونية مع من يقطن أسفل شقتك لسوء شبكة الخطوط التليفونية، فى الحقيقة تنفرد القاهرة حقًا كعاصمة يختلط فيها الحابل بالنابل!». وتذكر ويفر أن أحد مستشارى السادات قال لها إن السادات استمر يشعر بعد أحداث يناير ٧٧، بأن ما حدث يمثل شرخًا فى جدار شرعيته.
كما تشير ويفر إلى صعود التيار الإسلامى فى المجتمع المصرى تحت عين وسمع نظام السادات، بل وترى أن ذلك- على الأقل- فى البدايات كان بتشجيع من السادات نفسه. وفى إشارة ذات دلالة تذكر أنه أثناء سفر السادات لتوقيع معاهدة السلام، كان الإسلاميون قد أحكموا سيطرتهم على اتحادات الطلاب، ليس فقط فى جامعات الصعيد، بل وفى القاهرة والإسكندرية. وتم تحريم كل الأعياد غير الدينية، حتى تم وصف عيد الأم بأنه عيد وثنى!
كما تتحدث ويفر عن صعود الشيخ عمر عبدالرحمن الذى كان فى جامعة الأزهر فرع أسيوط: «لم يعد الشيخ يظهر بمظهر المرن سلس القيادة، ولا لين العريكة.. بل ظهر على أنه قائد الجماعة فى صعيد مصر». والمثير أن ويفر تنظر لعمر عبدالرحمن على أنه «رجل سياسى وليس داعية إسلاميًا. فقد كانت كتابته الدينية وخطبه ضحلة». وهى ترى أن ميزته أنه «شعبوى». وتشير أيضًا إلى مسألة مريبة وهى هروب عمر عبدالرحمن من سجنه، الذى وضعه فيه السادات، قبيل اغتياله عام ١٩٨١ بقليل، وهى تضع علامات استفهام كثيرة حول نشاط عمر عبدالرحمن فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر.
الأمر الأكثر إثارة هو ما تذكره مارى آن ويفر بشأن الغموض حول حادثة اغتيال السادات، وتذكر أنها سألت مبارك بعد ذلك عندما أصبح رئيسًا عن ذلك الأمر: «سألت الرئيس مبارك عن رأيه فيما حدث، وكيف حدث، فرد بسرعة قائلًا: (إن مسألة اغتيال السادات من الأشياء التى أرفض مناقشتها، ولا يجب الخوض فيها)».