2025.. اطمئنوا| «الثالوث المقدس».. خلطة مصر الوطنية فى مواجهة مخططات أهل الشر
عندما اندلعت موجات الفوضى فى المنطقة العربية عام 2011 وما تلاه على أيدي أهل الشر في الداخل والخارج، بدا المشهد وكأن الدول العربية تتساقط كقطع الدومينو، واحدة تلو الأخرى، نحو مستنقع يخفى هاوية بلا قرار، فهناك تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، ومن قبلها العراق، الذى أُسقط علنًا بقوة أمريكية غاشمة طمعًا فى ثرواته فى عام 2003.
ولما يزيد على عقد كامل، بات كل دول المنطقة مهددًا بالسقوط فى الفوضى، وإن استطاع بعضها الخروج منها بأقل الخسائر، كما حدث فى مصر، التى قرأت أجهزتها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية المشهد ، وأدركت «المصير الأسود» الذى كان- ولا يزال- يُراد بها، كونها العقبة الأكبر والجائزة الكبرى بمخططات أهل الشر، الذين يدركون- كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى- أنها إذا سقطت فقد سادت الفوضى فى العالم كله.
ومنذ ذلك الوقت، ظل كثير من دول المنطقة العربية فى دوائر الفوضى، بعد أن أغرقت فى مستنقع النزاعات المسلحة، إثر انهيار مشروعات ومؤسسات الدول الوطنية، كما حدث فى ليبيا واليمن، ومؤخرًا فى سوريا، حيث برزت تنظيمات متطرفة لتملأ الفراغ الذى تركته أنظمة انهارت تحت وطأة الحروب الأهلية.
فى المقابل، ظلت مصر، رغم العواصف التى أحاطت بها واستهدفتها، ناجحة فى تجنب هذا المصير البائس، بفضل ما يمكن وصفه بأنه «الثالوث المقدس»: الأرض، والشعب، والجيش، الذى يمثل سر الهوية الوطنية المتوارث عبر الجينات المصرية والراسخ والثابت فى العقل والوعى الجمعى لدى الشعب المصرى، منذ تكوين أول دولة عرفتها الإنسانية، قبل 5 آلاف عام، التى حماها المصريون بدمائهم دائمًا وأبدًا على مر الأزمان وتعاقب العصور، واليوم ونحن نبدأ أول أيام عام 2025 فلا زال الارتباط وثيقًا بين تلك العناصر مما يجعلنا نخطو أولى الخطوات فى هذا العام وكلنا ثقة واطمئنان أن الأشهر المقبلة لا تحمل سوى الخير لهذا الشعب العظيم وتلك الأمة العريقة.
الأرض: «قدس الأقداس».. «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»
أول أضلاع «الثالوث المصرى المقدس» هو الأرض، فخريطة مصر التى نعرفها منذ آلاف السنين ظلت هى القاعدة الصلبة لاستقرار الدولة، فهى الأرض التى أسبغ الله- سبحانه وتعالى- فى القرآن الكريم صفة الأمن والأمان عليها.
والأرض، فى المعادلة المصرية، ليست مجرد جغرافيا فقط، بل هى هوية وكيان متجذر فى عمق التاريخ، وفى كل مرة تعرضت فيها مصر لخطر يهدف إلى الاستيلاء على أرضها واحتلالها، كان المصريون ينتفضون لإفشال هذا المخطط.
وعلى مر الزمان، ظلت حدود الدولة المصرية فى وجدانهم ووجدان كل شخص صادق جاء ليتولى حكمها، حتى وإن لم يكن مصرى المولد، وكأن سحر ترابها القادر على أن يسبغ سماته على من يتصدى لمهمة الدفاع عن أرضها المقدسة، ما تجلى فى العصر الحديث فى أبلغ صوره فى محمد على باشا، ومن بعده ابنه القائد الفذ إبراهيم باشا، الذى قاد جيش مصر من نصر إلى نصر.
وحاليًا، ومنذ عام 2013، كان الحفاظ على وحدة الأراضى المصرية واستقلالها هدفًا استراتيجيًا فى معركة البلاد ضد الإرهاب، الذى ظهر وأفصح عن نفسه بوضوح بعد فشل مخطط الفوضى، حين قام الشعب بثورته الكبرى فى 30 يونيو 2013، بدعم وحماية المؤسسة العسكرية المصرية، التى هى جزء أصيل من شعب مصر.
وبناء على عقيدتها الوطنية، صممت المؤسسة العسكرية وكل مؤسسات الدولة المصرية، على عدم ترك أى شبر من سيناء أو المناطق الحدودية فى يد الجماعات المتطرفة، مؤكدة أن الحفاظ على مصر، بحدودها المعروفة- التى يمكن أن تزيد ولكن لم ولن تنقص أبدًا- ليس اختيارًا، بل هو جزء من الهوية المصرية، وقدس من أقداسها، لا يجرؤ أحد أن يقترب منه أو أن يحاول تدنيسه وإلا نال عقابه الموجع والمذل، سواء كان إمبراطورية أو دولة أو جماعة أو ميليشيا، ومهما لبس أصحاب مخططاته من أقنعة المبادئ المطاطة أو الذرائع المختلقة أو التدين الزائف.
وفى السنوات التى تلت ثورة 30 يونيو، تصاعدت العمليات الإرهابية فى سيناء، وتزايدت محاولات التنظيمات الإرهابية لفرض سيطرتها على بعض المناطق، إلا أن الجيش المصرى العظيم نفذ عمليات ضخمة طوال 10 سنوات، لضمان ألا يجرؤ أى من هذه التنظيمات الإرهابية، التى تمثل «خوارج العصر» و«كلاب أهل النار»، على تهديد أرض مصر وترابها، إلى أن نجحت فى تطهيرها من البؤر الإرهابية، وضمان أن كل شبر من أرض مصر لا توجد به جماعة أو فصيل يعمل لحساب «أهل الشر»، داخليًا أو إقليميًا أو عالميًا، يمكنه أن يشكل خطرًا على ذرة من تراب مصر الوطنى.
اقرأ أيضا- لا تهاون ولا مغامرات.. كيف تخوض مصر معركة «تجنب المعركة»؟
الشعب: «حامى الحمى».. «مبارك شعبى مصر»
شعب مصر وأهلها هما الحصن الأول للهوية الوطنية المصرية، وعلى مر التاريخ والعصور لم يكن الجيش المصرى وحده المتصدى لمجابهة خطر الفوضى والاحتلال والطمع فى أرض مصر وثرواتها، بل إن الشعب المصرى لعب دورًا محوريًا فى إفشال مخططات الفوضى والجماعات الإرهابية من 2011 حتى الآن.
وطوال العصور والأزمان، كان وعى المواطن المصرى حجر الزاوية فى هذه المواجهة، حيث رفض المصريون محاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة أو زرع بذور الفتنة بين أطياف المجتمع.
وحتى فى أشد اللحظات حرجًا، احتفظ المصريون بإيمانهم بضرورة الحفاظ على كيان الدولة واستقرارها، ولم يقبلوا- مهما ظن البعض أنه قادر على تطويع قناعاتهم أو تغيير هويتهم- أن يحكمهم مَن يدينون بالولاء لغير شعبهم، أو جماعات تُظهر تدينًا غير حقيقى وتستند على ميليشيات تشاركها أفكارها لصالح احتلال من نوع جديد.
ولذلك، خرج الشعب المصرى فى مظاهرات هى الأكبر والأضخم فى العالم فى 30 يونيو 2013، ليعلنوا رفضهم حكم جماعة إرهابية، قفزت على الحكم فى فترة استغلت فيها اضطرابًا طارئًا ساد المجتمع المصرى، كفترة من فترات المرض، أفقدت الشعب شيئًا من توازنه لبرهة، لكنه لم يلبث وخلال أقل من عام واحد، أن أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، فى فترة قياسية وظاهرة ملفتة فى عمر الشعوب والمجتمعات والدول.
بعدها، أظهرت مظاهرات التفويض فى يوليو 2013، التى خرج فيها ملايين المصريين إلى الشوارع لتأييد الدولة المصرية، أن الشعب المصرى هو سيد هذا الوطن، وهو الشريك الأساسى فى معركة استعادة الدولة، والقاعدة التى لا يمكن لأى نظام سياسى أن يستمر دونها.
ولعل أهم ما ميز دور الشعب المصرى فى تلك المرحلة، هو التفافه حول المؤسسات الوطنية، ورفضه أى دعوات للانقسام، مع إدراكه أن الإرهاب لا يمكنه أن ينمو فى بيئة مجتمعية متماسكة، وكانت هذه الأداة هى السلاح الأقوى فى يد المصريين لمواجهة أى محاولات لبث الفوضى فى الماضى، والآن فى الحاضر، وستظل أيضًا فى المستقبل.
اقرأ أيضا - عبر الضفة والرصيف البحرى.. "الدستور" تكشف "المخطط الشيطاني" للاحتلال لتكرار "سيناريو 48"
الجيش: «الدرع والسيف».. «خير أجناد الأرض»
منذ فجر التاريخ، ظل جيش أبناء مصر دائمًا هو الركيزة الثالثة فى «الثالوث المصرى المقدس»، فمنذ القدم أدركت القوات المسلحة المصرية أن مهمتها لا تتوقف عند الدفاع عن الحدود، بل تمتد إلى الدفاع عن كيان الدولة من الداخل، ومن هنا جاءت رؤية القوات المسلحة المصرية لدورها، باعتبارها صمام الأمان الذى يحفظ الأمن والاستقرار، ويحمى مؤسسات الدولة وإرادة شعبها.
وفى عام 2011، حمى جيش أبناء مصر الأرض والشعب من مخططات الفوضى، وصمد أمام الاستفزازات والفتن التى حاول العملاء إشاعتها بينه وبين أهله طوال فترة حكم المجلس العسكرى، فى فترة انتقالية تحمل فيها الجيش المصرى ورجاله الكثير، واستجاب لحكم صناديق الانتخابات فى 2012، عندما جاء بالمعزول محمد مرسى رئيسًا للجمهورية، وتحمل مع الشعب، وطوال عام كامل، كل محاولات الاختراق وتغيير العقيدة و«الأخونة».
وبعدها، كان جيش مصر هو الحامى والضامن عندما أوشكت الأوضاع على الانفجار، مع عدم تلبية الجماعة الإرهابية ومندوبها فى قصر الرئاسة مطالب الشعب، وأطلقت القوات المسلحة المصرية إنذارين، الأول لمدة أسبوع قبل 30 يونيو، والثانى كان مهلة لمدة 48 ساعة، وعندما لم تجد ردًا على مطالب الشعب كان خطاب 3 يوليو، الذى أعلن فيه وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، عن إعادة مصر إلى أهلها وشعبها، وتخلصها من حكم الإخوان بلا رجعة.
وطوال تلك السنوات، لم يكن الطريق سهلًا، ففى سبيل حماية الدولة من خطر الفوضى فقدت مصر المئات من جنودها وضباطها شهداء فى معارك ضارية ضد الإرهاب فى سيناء، وغيرها خلال العمليات التى حاولها خلالها «خوارج العصر»، إلا أن الجيش المصرى مع الشرطة المدنية واصلا تقديم التضحيات من أجل استقرار البلاد، ولا أحد يستطيع نسيان العقيد رامى حسنين، أو أبطال كمين البرث مع العقيد أحمد منسى، أو النقيب أحمد شبراوى، أو النقيب خالد مغربى «دبابة»، أو الجندى على على، أو العقيد محمد مبروك، أو النقيب محمد أبوشقرة، الشهداء عند ربهم يرزقون.
ولعل أكثر ما ميز الدور البطولى للجيش المصرى طوال سنوات محاربة الإرهاب، هو توازنه فى استخدام القوة، حيث اعتمدت الدولة على العمليات العسكرية، بداية من العملية «نسر»، مرورًا بعملية «حق الشهيد»، ووصولًا إلى «العملية الشاملة» فى سيناء، دون أن تغفل معركة التنمية فى المناطق المختلفة بسيناء.
وإلى جانب الدور العسكرى، كان الجيش المصرى حاضرًا فى المشروعات القومية الكبرى، ما أسهم فى تعزيز دوره كشريك فى التنمية الاقتصادية، دون أن يكتفى بأن يكون مجرد قوة عسكرية فقط.
وكان هذا التكامل بين الأدوار ما عزز من مكانة الجيش المصرى فى وجدان المصريين عبر التاريخ، لأنه لم يكن يومًا مجرد مؤسسة أمنية، بل ظل دائمًا عمادًا رئيسيًا لاستقرار الدولة وضمان أمنها واستمراريتها، بأجهزتها ومؤسساتها الوطنية، يحمى أرضها وشعبها من أى تهديد أو خطر خارجى، أو عميل داخلى يعمل بالوكالة من أجل آخرين يجدّون لنشر الفوضى فى العالم.
اقرأ أيضا- "برميل بارود".. "الدستور" تحقق: هل تشتعل الحرب الإقليمية فى المنطقة؟
سوريا ليست الأولى أو الأخيرة.. الدول تسقط بتدمير وعي شعبها ووطنية جيشها ووحدة أراضيها
مخططات الفوضى في المنطقة العربية، لم تتوقف ولكنها تشهد حالة من الاستهداف المتصل المنفصل، ومنذ عام 2011 وحتى الآن سقطت دول كثيرة في الفوضى والخراب ولم تعد إلى ما كانت عليه، مثل ليبيا واليمن، والسودان الذي دخل في حالة حرب أهلية منذ أبريل 2023.
وكان آخر فصول الفوضى والتدمير هو ما حدث مؤخرا في سوريا، فمنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، تحولت أرض الشام تدريجيًا إلى ساحة حرب بين الدولة والتنظيمات الإرهابية، حتى أسقطت البلاد تمامًا في 8 ديسمبر 2024، عندما سيطرت ميليشيات تابعة لأمير "جبهة النصرة" السابق، أحمد الشرع، الذي كان معروفا باسم "أبو محمد الجولاني"، على دمشق، وأعلنت نهاية سلطة الدولة المركزية، لتبدأ القوى المختلفة في نهش حدود وجسد الدولة السورية.
اقرأ أيضا- الاستنزاف للجميع.. إدارة بايدن تفرض سياستها على العالم قبل الخروج من البيت الأبيض
ما حدث في سوريا، ومن قبلها عدة دول عربية، هو مثال حي على غياب "الثالوث المقدس المصري"، فالأرض السورية تحولت إلى مسرح تمتلكه الميليشيات المتنافسة، وفقد الشعب السوري الثقة في المؤسسات الرسمية، وقبل بأي بديل لها، دون أن يدرك إلى أين سيقوده هذا البديل، وهل ستكون أيام وقواعد حكمه أفضل مما مر عليه خلال 5 عقود مضت.
وبينما انهار الجيش السوري تدريجيًا- بسبب حرب طويلة لم يعد عدته لها بشكل جيد ولم يكن الاعتماد فيها على قوة الجيش الوطني وحده- تدخلت العديد من القوى الخارجية، سواء كانت نظامية أو فرق أو فصائل أو ميليشيات، بعضها كان يدعم الدولة السورية، والأكثر كان يحارب ضده.
ومثلت آخر أحداث هذه الحرب مهازل عسكرية، بسبب قيادات لم تحسب حساب اليوم التالي، كما حدث في 7 و8 ديسمبر 2024، حين انسحب الجيش بصفوفه من المدينة تلو الأخرى، حتى اختفى تماما عند حدود دمشق، وكأنه لم يكن هناك يوما جيشا يدعى الجيش السوري.
سقوط سوريا في يد ميليشيات- يقودها "الشرع" أو "الجولاني"، أمير الحرب في تنظيمات "داعش"، و"النصرة"، أو "هيئة تحرير الشام"، أو أيا كان اسمه أو اسم تنظيمه- لم يكن سوى نتيجة طبيعية لسنوات من الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية والسياسية التي مزقت النسيج الاجتماعي للبلاد.
ومع هذا الانهيار، لم يعد للدولة المركزية أي وجود فعلي ولم يعد لأرضها وحدودها معنى، بل أصبح الشعب السوري في حالة تيه، يخضع لإرادة ميليشيات تجمعت من كل مكان، حتى أن معظم أفرادها ليس سوريا من الأصل، ويأتمر بأمر حكومة أمر واقع، وإدارة جديدة أعلنت عن عزمها منح الغرباء جنسية أهل البلد، بل وتكليفهم بحمايتها بعد دمجهم وتوليتهم مناصب في وزارة الدفاع السورية.
المدهش في الحالة السورية ليس رضوخ الشعب والجيش لكل الضغوط واختيارهم سقوط الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها، ولكن المدهش إلى حد الذهول والمضحك إلى حتى البكاء هو أن تصبح إدارة الدولة في قبضة ميليشيات قتلت واستهدفت الشعب السوري نفسه وخربت البلاد خلال 13 عاما، ويظن البعض أنها قد تعمل يوما لصالحه وتضمن أمنه وحمايته.
الميليشيات، التي تحكم اليوم في سوريا، هي فصائل لم تعرف يوما إلا الهدم والقتل، ولم تدر أمورها إلا بالحصول على الغنائم من دولة الأمس وتمويل "أهل الشر" اليوم، للقفز على مقدرات دولة انهار فيها كل شيء، حتى بلغ الدرك الأسفل على كافة المستويات، إلى أن تحقق هدفها بالوصول إلى الحكم على تلال من الجماجم وأنهار من الدماء.
في سوريا المنهارة، سلّم الناس أمورهم إلى كل من كان اسمه يوما "كنية"، تبدأ بـ"أبو فلان وعلان"، فمن "الجولاني" إلى "التركماني" و"الأنصاري" و"الحلبي" و"الحمصي"، ليحكمهم أشخاص ذوي هوية وتاريخ مجهولين، في انتظار أن يقدم لهم هؤلاء ما يعتقدون أنه غد أفضل، دون أن يدري أحد من هؤلاء أو كيف سيديرون السلطة التي نصبوا أنفسهم عليها، ودون أن يسألهم أحد ما مؤهلاتهم لمباشرة شئون دولة وتدبير أمور شعب، في أرض أعلنوا أنهم لا يعنيهم أن يحافظوا على سيادتها منذ يومهم الأول في الحكم.
اقرأ أيضا- رغم الفرح والتهليل.. لماذا يعد سقوط سوريا كارثة جديدة على الأمن القومى العربى؟
والغريب أن الجواب على كل تلك الأسئلة جاء من العدو الواضح الجلي الذي لا لبس فيه- وليس الأعداء الذين يتخفون تحت أوشحة الصداقة وشعارات التحرير ونشر الديموقراطية-، ليعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي خروجه من حدود الجولان السوري المحتل، لإقامة منطقة عازلة، ظلت تتوسع ساعة بعد ساعة، حتى أصبحت المسافة بين المحتل والعاصمة دمشق أقل من 30 كيلو متر.
العدو لم يخف عدوانيته أبدا، بل شرع فورا في تنفيذ موجة من الهجمات الجوية والغارات المتتالية، دمرت خلال أيام قليلة كامل قوة الجيش السوري، وما بقي لديه من مطارات وطائرات وقواعد عسكرية ومصانع صواريخ وأسطول بحري وموانئ وأنظمة الدفاع الجوي وحرب الإلكترونية ومنظومات رادار، وكل ما لم تطلع يد الميليشيات المخربة طوال 13 عاما، بشكل يجعل عودة الجيش السوري غير ممكنة أو شبه مستحيلة لسنوات طويلة.
ورغم العدوان السافر، أدارات الميليشيات والفصائل في الحكومة الجديدة بسوريا وجهها بعيدا عن الاعتداء والاستهداف، معتبرة أن كل طلقة أو خسارة يمنى بها الجيش السوري ومقدراته بمثابة انتصار لهم، وأنه لا ضرر في أن يتقدم العدو الإسرائيلي قليلا لـ "تأمين نفسه" وزيادة حدود احتلاله ومستوطناته.
الميليشيات، التي نصبها "أهل الشر" حاكمة في سوريا، تدرك جيدا أن كل ذلك لن ينقص من سلطاتها الجديدة شيئا، فعناصرها لا يدينون بأي شيء للأرض أو الشعب، بل ربما ظنوا أن التخلي عن الأرض والناس يجلب لهم مزيدا من القوة والدعم الخارجي، وهو ما حدث فعلا حين قررت أمريكا إلغاء مكافاة الإدلاء بمعلومات عن "الجولاني"، الذي ظل لسنوات مصنفا على قوائم العالم بصفة "الإرهابي الخطير"، في بداية تبشر بما هو قادم في مستقبل الأيام، لوطن لم يعد وطنا، وشعب يلتمس الرحمة تحت سيوف جلاديه.
ولعل كل ما جري ويجري مؤخرا، في المشهد السوري خاصة وفي المنطقة العربية عربيا، يؤكد على ضرورة تمسك المصريين بأضلاع «ثالوثهم المقدس»، ويوضح أن الحالة المصرية تقدم درسًا بالغ الأهمية للمنطقة العربية، مفاده أن استقرار الدول لا يقوم إلا على أساس ثلاثي متين، هو وحدة الأرض، ووعي الشعب، وقوة الجيش، وهذا الثالوث هو ما مكن مصر من تجاوز محاولات نشر الفوضى، وتحويلها إلى نموذج للدولة التي تموج بالفتن والأزمات والاحتراب الداخلي، من أجل نهب ثرواتها وتقسيم أراضيها على خطوط طائفية أو عرقية أو طبقية أو مناطقية.
ورغم أن التحديات ما زالت قائمة، نعرفها ونراها يوميا في الداخل والخارج، فإن استمرار هذا "الثالوث المقدس" في أداء دوره يجعل مصر عصية على السقوط في مستنقع الفوضى الذي ابتلع دولًا كثيرة من حولها.
وبينما تستمر مصر في مسار التنمية والاستقرار، تبقى في الخلفية صورة كل دولة سقطت في براثن الفوضى والدمار بفعل "أهل الشر" ومخططاتهم، ومن العراق إلى ليبيا واليمن والسودان ولبنان، وانتهاء بسوريا، نرى تحذيرًا دائمًا من خطورة التخلي عن ركائز الدولة الممثلة في "الثالوث المصري المقدس"، الذي أثبت في كل العصور أنه الضمانة الوحيدة لبقاء مصر قوية ومستقرة- بإذن الله-، في منطقة لا تعرف سوى الصراعات، وتموج بالمخططات الدائمة لبث الفوضى وتدمير الدول، لنهب خيراتها واستغلال شعوبها.
ولهذا نقول "حمى الله مصر وحفظ أرضها، بحصن شعبها، وقوة جيشها، من كل من يريد بها شرا أو مكرا أو سوءا".