الأهلى والزمالك.. والأحزاب الجديدة
قبل أقل من عام على موعد إجراء انتخابات برلمانية فى مصر.. بدأت الحركة تدب فى بعض مقرات الأحزاب.. صحيح أنها حركة خفيفة لم تستطع أن تستقطب الجمهور العام فى بلد تجاوز عدد سكانه المائة مليون.. لكنها حركة على أى حال.. الناس فى قرانا والأحياء الشعبية وربما فى العاصمة أيضًا لا يعرفون مقرات هذه الأحزاب.. الأمر ليس جديدًا على أى حال.. فمنذ بدأت تجربة العمل الحزبى فى مصر منتصف سبعينيات القرن الماضى.. وأغلبنا لا يحب ولا يحبذ الاقتراب من هذا العالم.. ويقتصر اهتمام الجماهير بالعمل السياسى فى الانتخابات بأشكالها المختلفة وأقربها إلى الشارع انتخابات البرلمان.. ربما لوجود علاقة مباشرة بين المرشحين والناخبين.. وفى غالب الأحيان يعود ذلك لأسباب قبلية.. هذا ما تعودنا عليه.. ورغم وصول عدد الأحزاب فى مصر لرقم غير مسبوق.. فإن هذه الأحزاب جميعها بلا استثناء لم تستطع أن تجذب الناس إلى فعالياتها.. ولا يمكننا اتهام الناس بالكسل أو عدم الرغبة فى المشاركة.. معظم هذه الأحزاب تطرح خطابًا متعاليًا ونخبويًا إلى أقصى درجة.. وبعضها تتشابه برامجه وفعالياته.. وهو ما دعا الكثيرين لمطالبة هذه الأحزاب المتشابهة للاندماج.. وهذا ما لم يحدث ولن يحدث قطعًا لاهتمام غالبية هذه الأحزاب بتحقيق مكاسب بسيطة وضيقة.
سنوات طويلة والحزبان الأقرب للجماهير فى مصر هما الأهلى والزمالك.. الكرة رغم كل ما فيها.. فيها تنافس شريف.. فيها مساحات للجماهير.. فيها متعة أيضًا.. كما أنها لا تكلف المشاركين فيها أثمانًا باهظة.. فضل الكثيرون الانتماء لأندية الكرة وألتراس المطربين على العمل العام.
ورغم ما تمر به ساحة الرياضة فى الشهور الأخيرة.. الذى وصل إلى درجة الحنق على اللاعبين.. وإعلان السخط على بعضهم فى المدرجات وصفحات التواصل الاجتماعى.. فإنه غضب مؤقت سرعان ما يزول.. ربما لإدراك الفرق الرياضية واللاعبين أنهم لا حياة لهم أو وجود دون هذه الجماهير.. وهذا ما لا يدركه أصحاب بعض الدكاكين الحزبية للأسف.
الأوضاع التى تشتعل من حولنا.. الظروف التى يمر بها العالم.. الخرائط التى يجرى تجديدها..كل ذلك يجعل من ممارسة العمل العام فى هذه اللحظة ضرورة.. عودة الناس إلى الاشتباك مع القوانين القديمة.. المستقبل الذى ينتظرنا.. اللحظة التى نعيشها.. كلها تفرض علينا وعلى الجيل الجديد من شباب مصر ترك الكنبة والنزول إلى ساحة العمل العام.
فى ظل ذلك الإدراك جاء خبر تدشين كيان حزبى جديد يتجاوز حدود الاختلافات الأيديولوجية.. ليلقى حجرًا فى المياه الراكده.. حتى وإن كان الهدف غير المعلن هو خوض الاستحقاقات البرلمانية المقبلة.
بعض الأحزاب الموجودة ترى الأمر بشكل مختلف.. وتظنه خصمًا من رصيد فى عدد نوابها المحتملين.. بالبلدى تراه انتقاصًا من نصيبها فى التورتة.
ما يعنينى فى الأمر أن البلد الذى يحتاج لكل أبنائه حاليًا يحتاج منّا إلى طريقة مختلفة فى التفكير وخطط العمل.. حتى وإن كانت تلك الأحزاب تسعى لنصيب ما فى مقاعد برلمانية محتملة.. ربما تكون الانتخابات والاستعداد لها فرصة لجذب الخاملين والمتعففين والمحبطين مرة أخرى إلى ساحة اصطفاف وطنى نحن فى أمس الحاجة إليه الآن.. وفى كل وقت.
التجربة وحدها قادرة على الفرز.. والجيل الجديد على عكس ما يرى بعضنا يملك من الوعى ما يجعله قادرًا على التمييز.. الأهم أنه يجد المناخ المناسب لاستقبال رؤاه وأطروحاته وأحلامه فى الخريطة السياسية المنتظرة.
أحزاب اليسار أو المعارضة أو تلك التى تتخذ مواقف مستقلة بعيدًا عن الحكومة.. أعتقد أن أمامها فرصة طيبة للعمل والخروج من حالة السبات التى تلازمها منذ سنوات بعيدة.. والحوار الذى يجب أن يجمعها فى الشهور المقبلة ربما يشكل إضافة تزيد من حيوية العمل العام.
الأحزاب وحدها ليست المعنية بخلق مساحات جديدة للحوار والمشاركة أيضًا.. النقابات أيضًا معنية بالأمر.. ولا يعنى اهتمام بعضها بمشكلات أعضائها أن تنصرف عن المشهد.. وما حدث خلال الفترة الأخيرة من اختلافات حول تعديلات قوانين خاصة بالأطباء والمحامين دليل واضح على أننا افتقدنا البوصلة عندما تراخينا وابتعدنا واكتفينا بالكتابة على صفحات مواقع التواصل.
ظنى أن المقبل أفضل.. ما ألاحظه من تحركات شباب صغير السن داخل أمانات الأحزاب التى جددت عضويتها وإمكاناتها وأماناتها خلال العام الأخير.. يشى برغبة حقيقية عند هؤلاء الشباب فى المشاركة.
ربما تكون التعديلات المحتملة فى بعض القوانين ذات الصلة.. وأعتقد أن الكثيرين فى انتظارها.. ربما تكون فرصة أخرى إضافية لمنح الحياة السياسية فى بلادنا زخمًا إضافيًا تستحقه.