رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"جون شتاينبيك" عمل أجيرًا وعاملًا وبحارًا.. أيام فى حياة صاحب "عناقيد الغضب"

جون شتاينبيك
جون شتاينبيك

بالرغم من أن والده كان يعمل بالمحاسبة في ولاية كاليفورنيا لكن الولد الصغير "جون شتاينبيك" لم يتوان عن العمل في مهام شتى، منها أنه عمل أجيرًا ومزارعًا وبحارًا وبائعًا وغيرها الكثير من المهن بحسب تقرير مترجم نشر في مجلة العربي عام 1961.

كاليفورنيا

ولد جون شتاينبيك في السابع والعشرين من شهر فبراير عام ۱۹۰۲ في ساليناس في كاليفورنيا، من أب ألماني الأصل يعمل محاسبًا في إدارة الولاية، وأم أيرلندية جاء أجدادها يستعمرون البلاد بعدما خبا لهيب الجشع إلى الذهب، بيد أن كل شيء فيه يثبت أنه لم يتأثر بأجداده مطلقًا، فهو أمريكي خالص، غير مبالٍ بالتقاليد المستوردة من أوروبا، يحب مسقط راسه حبًا عظيمًا يتراءى في مختلف مؤلفاته التي تدور حوادثها جميعًا في كاليفورنيا بصورة عامة، وفي وادي ساليناس بصورة خاصة، هذا الوادي الذي سيقيم فيه فيما بعد، عندما يحس بالحاجة الى الاستقرار، بعيدًا عن ضوضاء المدن الكبرى، وعن ضجيج حملات التأييد والمعارضة التي ستثيرها.

عناقيد الغضب

خرج شتاينبيك الى العالم، فتى كبيرًا رياضيًا يريد أن يكسب حياته بعمل يده، غير آبه بماهية هذا العمل وما قد يتطلبه منه من جهد وعناء، فتنقل بين أعمال شتى في مدن مختلفة، فهو أجير في مزرعة تارة، وعامل بناء تارة أخرى، أو بحار، أو بائع، أو محرر في جريدة، أو مساعد صيدلي، أو رسام، ثم طالب من جديد عندما تمكنه الأحوال المادية من ذلك ويجد في نفسه ميلًا إليه، ولقد سمحت له هذه الحياة التائهة أن يعرف مسقط رأسه بصورة رائعة، يعرف مدن كاليفورنيا وشواطئها وجبالها ووديانها، وفوق ذلك كله، وقبل ذلك كله، عرف الأوساط الاجتماعية المختلفة فيها، وعناصرها المنحدرة من أجناس متنوعة، ولقد أحب هذا الوطن الصغير من صميم قلبه، لكن شيطان المغامرة لم يدع له فرصة للراحة فجره بعيدًا عن مسقط رأسه، أراد أن يعرف نيويورك فركب إليها مركبًا محملًا بالفواكه، انطلق من سان فرانسيسكو، مر بقناة بنما، ثم إلى نيويورك، وقصد إلى المكسيك فيما بعد ذلك، وعرفها زاوية زاوية، ويقال إنه فر إلى المكسيك هربًا من الضجيج القائم حول اسمه، ولكنه كان يعود في كل مرة إلى كاليفورنيا، إلى بيته المنعزل.

جون شتاينبيك

تزوج جون شتاينبيك من کارول هينينج عام ۱۹۳۰، فقضيا الفترة الأولى من حياتهما المشتركة على ظهر زورق بخاري في مونتري، مسرح قصته «تورتلا فلات»، يتنزهان ويصطادان ليسدا عجز ميزانيتهما الضئيلة التي لم تكن تزيد يومذاك عن خمسة وعشرين دولارًا في الشهر، وافترقا عام ١٩٤٣، ولم يرزقا أولادًا.

شرع شتاينبيك بالكتابة في سن مبكرة، فألف الروايات وهو مراهق بعد، لكنه وجد في نفسه الجرأة، فأحرق أخطاء شبابه هذه، ولم يكتب شيئًا بعدئذ حتى بلغ السابعة والعشرين، ولكن اسمه لم يعرف إلا فى عام ١٩٣٥، بعد إصدار روايته "تورتلا فلات"، وحين صدرت روايته "فئران ورجال" عام ۱۹۳۷ اقتنعت النخبة في أمريكا أن كاتبًا عظيمًا قد ولد، ثم كانت روايته "عناقيد الغضب" بعد سنتين.

و"عناقيد الغضب" هي ملحمة بروليتارية حققت له شهرة عالمية لكن المجد لم يفسده ولم يحمله على تغيير نمط حياته، كل ما صنعه له أنه حرره من الفقر، وإننا لنجده اليوم مثلما كان قبل عشرين أو ثلاثين عامه فتى ممشوقًا، أشقر الطلعة، أزرق العينين، ذا صوت ملىء خافت بطىء النبرات، خجولًا، هاويًا للموسيقى والحياة في الهواء الطلق، محبًا للحيوانات، متعلقًا بالبحر، متواضعًا حتى ليقول إنه لم يصبح كاتبًا بعد، ومع ذلك فإن هذا المؤلف الذي "لم يصبح كاتبًا بعد" قد أصدر الآن أكثر من عشرين مجلدًا.