سيناء.. قلب مصر «4»
وفى الاتفاقية الثانية لفصل القوات جرى مد الأراضى المصرية المحررة إلى مضايق سيناء وعندما تم توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية فى مارس 1979، بدأ الانسحاب التدريجى للقوات الإسرائيلية من سيناء، ثم بدأ التلكؤ الإسرائيلى فى الانسحاب من طابا، وهو ما أجبر مصر على اللجوء الى التحكيم الدولى، لكى ترجع الأراضى المصرية كاملة.
ومهما كانت درجة الخلاف على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، فالأرجح أنها كانت أحد الأسباب الرئيسية فى عودة كل سيناء إلى مصر، وإذا كان مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلى، قد لجأ إلى كل وسائل الاستفزاز غير المشروعة من أجل تأخير عملية السلام، وعودة سيناء، فإن الرئيس السادات فى المقابل تحلى بقدر كبير من الحنكة والذكاء والصبر، حتى وصل إلى هدفه، وعادت سيناء.
كانت لدى الرئيس السادات أفكار عديدة لتعمير سيناء. منها أنه كان يريد توصيل مياه النيل إليها. ومنها أنه كان يريدها مجمعا لكل الأديان.
وكان يطيب له أن يقيم فيها فترات بعيدا عن السياسة، فيما يعرف بوادى الراحة، وأنشأ فيها مجمعًا للأديان. ثم حاول أن يحث المستثمرين ورجال الأعمال على الاتجاه نحو سيناء لتعميرها.
ولكن القدَر لم يمهل الرئيس السادات ليهنأ بتلك الفرحة.
فى يوم 25 أبريل 1982 تم رفع العلم المصرى على مدينة رفح فى شمال سيناء وشرم الشيخ فى جنوب سيناء، وتم الاحتفال بتحرير سيناء وعودتها إلى مصر كاملة لكن مع الانسحاب اختلقت إسرائيل مشكلة طابا التى استغرقت سبع سنوات من العمل الدبلوماسى حتى عادت هى الأخرى عام 1989، فقد أثبتت الخرائط التاريخية التى قدمتها مصر استقرار الحدود منذ 5 آلاف عام، وهذه الحدود نفسها هى التى أقرتها الدولة العثمانية وبريطانيا عام 1906.
وبعد العديد من الجهود الدبلوماسية، وبعد أن قدمت مصر جميع الوثائق التى أثبتت أن طابا مصرية، ومن بينها وثائق إسرائيلية، أصدر القاضى السويدى «جونار لاجرجين» رئيس هيئة التحكيم الدولى فى جنيف حكمه التاريخى والذى نص على أن طابا مصرية ليتم رفع العلم المصرى فوق طابا فى 19 مارس 1989 وتعود شبه جزيرة سيناء بالكامل إلى مصر.
وفى عام 1974 أصدر السادات قرارا باعتبار سيناء إحدى وحدات الحكم المحلى المصرى، وفى عام 1977 قام الرئيس السادات بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وبمقتضاها عادت سيناء كلها إلى مصر على مراحل زمنية.
غير أن السياسة المصرية تجاه سيناء كانت تفتقر إلى التخطيط الجيد. يعتبر ملف سيناء من الملفات التى أوكلتها القيادة السياسية فى مصر إلى وزارة الداخلية أو جهاز الأمن، وتركتها لوزير الداخلية يتصرف فيها بلغته الأمنية التى ترتاب فى كل شىء!
غير أن وزراء الداخلية فشلوا تباعا فى إدارة هذا الملف فشلا ذريعا، وقد أدى فشل وزارة الداخلية فى إدارة هذا الملف إلى وقوع عدة كوارث، كان ضحيتها أهالى سيناء ثم الاقتصاد المصرى، والآن أصبحت سيناء مصدرا للقلق فى الشارع المصرى.
كان تعامل الحكومة مع سيناء غريبا فمن حيث الحكم المحلى، وضعت القيادة السياسية قاعدة غريبة للتعامل مع سيناء، فلابد أن يكون محافظ سيناء من بين ضباط الجيش الذين خدموا فى سيناء، ولا تفسير لذلك سوى أن هؤلاء لهم خبرة ودراية بطبيعة المنطقة من حيث الطبوغرافيا أو من حيث طريقة التعامل مع السكان.
فقد تم تعيين الفريق فؤاد عزيز غالى محافظا لسيناء، وذلك فى أول عهدها بالإدارة المصرية الجديدة والحكم المحلى . كان فؤاد عزيز غالى قائدا من قوات الجيش المصرى الذى عبر قناة السويس وقام بتحرير القنطرة شرق، وكان تعيينه بمثابة مكافأة له على ما بذله من جهد وتضحية، وكنوع من التكريم لقادة الجيش المصرى، دون الالتفات إلى الطبيعة القبلية لأهالى سيناء، ولا للمقدرة الإدارية المدنية التى قد تختلف عن الإدارة العسكرية للمحافظ الجديد، وهو ما دفع الأمور إلى التصادم وإلى تصيد الأخطاء، وهو الأمر الذى أدى إلى فشل الرجل فى إدارة المحافظة، ولم يحدث أى تقدم فى تطوير سيناء، بل شعر مواطنو سيناء أن الإدارة المصرية تضعهم على الهامش ومنذ أن تولى حسنى مبارك رئاسة البلاد وأوكل ملف سيناء إلى وزارة الداخلية.
■ كاتب