في ذكرى وفاته.. كيف عاش ميلاد حنا تبّعات أحداث ثورة 1919 ؟
تحل اليوم ذكرى ميلاد الدكتور ميلاد حنا (24 يونيو 1924 - 26 نوفمبر 2012)؛ صاحب كتاب" الأعمدة السبعة للشخصية المصرية"؛ والعديد من المؤلفات ذات الطابع الفكري السياسي التي أثرت المكتبة العربية.
كيف عاش ميلاد حنا تبّعات أحداث ثورة 1919 ؟
عندما اندلعت ثورة 1919 كان ميلاد حنا لم يولد بعد؛ تلك الثورة التي شكلت الحياة السياسية والحزبية المصرية وأثرتها على نحو كبير في ظل احتلال إنجليزي غاشم، وسطوة القصر العلوي؛ ولكن ما استمع إليه عنها من والده كان له بالغ الأثر في تكوينه الفكري والعلمي..وهو المهندس وأستاذ الهندسة الإنشائية، والذي بدأ حنا مشواره السياسي في خمسينيات القرن الماضي حين إنضم للتنظيم الطليعي، ثم أعتقل في فترة الرئيس الراحل أنور السادات، وفي فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك أصبح عضو لمجلس الشعب.
ويتابع الدكتور ميلاد حنا:" كل منا ابن تاريخه وارتباطاته وانتماءاته، وفي هذه المرحلة من العمر أسترجع كيف نشأت في مناخ الحركة الوطنية المصرية واستمعت من والدي ما جرى له أثناء قطع السكك الحديدية بين سنورس والفيوم عندما اندلعت الثورة المصرية في مارس عام ۱۹۱۹".. بهذه الكلمات استرجع الدكتور ميلاد حنا في مقاله المنشور بمجلة"إبداع" عام 1994 تحت عنوان "الثقافة المصرية لها ساقان" ذكري الثورة التي كان لها بالغ الأثر علي تكوينه فيما بعد، وكنقطة إنطلاق لسنوات نشاته وطفولته.
واستطرد ميلاد حنا؛ قائلًا:"وترعرعت في بيت جدى لوالدتي الخواجا جرجس مترى وكان تاجرًا في حي الحمزاوي بالسكة الجديدة.وفي إجازة الصيف كنت أحمل مفاتيح المحل ليقوم العمال بالنظافة ويأتي من يحمل المبخرة وتتصاعد منها رائحة المسك والجاوى ليطوف المحل ويصلى على الرسول ثم أعطيه نصف قرش لكى يدور بالمبخرة عدة مرات طالبًا أن يفتح الله في وجهنا ليوفر عددًا أكبر من الزبائن للمحل التجارى، وعلى بعد خطوات كان جامع الحسين والأزهر، وخلف المحل توجد الصاغة وخان الخليلي وفي الجهة الأخرى من شارع الأزهر توجد الغورية، وكانت عربة السوارس» التي يجرها حصانان تتمهل أمام الناصية لكى يركب كعب عالى، والنساء يتمخطرون في الملاية اللف وأستشف ملامح الوجه الجميل من خلف البرقع المثير لخيال المراهق.
وأضاف ميلاد حنا، وفي الوقت ذاته كان الخواجا جرجس من أصول تعود إلى قرية شترى مركز الفشن في بطن الجبل في الغربة حيث كان الحاج الشيخ عبد العظيم الرفاعي يحضر في المواسم حاملًا ما لذ وطاب من لحم الماعز أو الضأن، وكان يقدمه عادة مع عائدات المشاركة في الزراعة فيعم الخير الجميع، وينفحنى جدى ريالًا كاملًا وكان أكبر عملة من الفضة، ولم أكن أحصل على هذا الكنز إلا بعد أن أقبل يده، وأدعو له بطول العمر، أجرى مسرعًا إلى جدتى أجية لكي أخفى عندها هذا الريال، وكأنها البنك، ثم أسحب من هذه «الوديعة قرشًا قرشًا.
هكذا نشأت في جو يحمل كل عادات مجتمع هذا العصر ورغم أن كلا منا كان يمارس شعائره فلم نكن تفرق بين قبطى ومسلم، بل كان التمييز على أساس الدين أو حتى الانتباه إلى اختلاف الدين عيبًا، وإن تم ذلك فلابد أن يكون همسًا، فمن غير اللائق أن تسأل سؤال صريح عن ديانة الفرد أو الأسرة أو الجماعة ولكنها تستشف برقة وفى نعومة غرستها فينا مفاهيم وشعارات ثورة ۱۹۱۹ ان الدين لله والوطن للجميع وصار الشعار جزءًا من الوجدان الوطني المعاش."