"أجنة وشاكوش" في أحجار خوفو.. تفاصيل مشروع إنارة الهرم الأكبر
أثارت مشاهد مصورة لهرم خوفو الكبير، جدلا لا يقل إثارة عن جدل لغز البناء قبل آلاف السنوات، وجرى تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع انتقاد لما عرّف بأنه أعمال تكسير في أحجاره باستخدام “أجنة وشاكوش”، وهي الرواية التي غزاها غياب لتوضيح الرسمي.
بعد انتشار الفيديو وتوجيه اللوم إلى جهات مسؤولة عن إدارة منطقة أهرامات الجيزة، خرج توضيح رسمي من وزارة الأثار، أكدت فيه حقيقة المشاهد، لكن مضمونها لا يمس من قريب أو بعيد أحجار هرم خوفو، إنما الأم متعلق بتحديث شبكة كهرباء بمتطلبات إنارة حديثة، وللتكسير كان في “خرسانة” وضعت على “كابل قديم” لتثبيته.
أحد مهندسي تطوير "الأهرامات": كل الأعمال تتم تحت إشراف الأثريين
بعد هذا الجدل، توصلنا مع عدد من المتخصصين لتفنيد سر هذا الفيديو، والبداية كانت مع المهندس محمد عامر، مدير التركيبات في شركة PTS، إحدى الشركات المشاركة في مشروع تطوير المنطقة الأثرية بالأهرامات، الذي أكد أن جميع أعمال تطوير شبكة الكهرباء داخل هرم خوفو تتم وفق معايير صارمة تضمن الحفاظ على الطابع الأثري للمكان، موضحًا أن الشبكة القديمة كانت بحاجة إلى تجديد شامل لتحمل مشروع الإضاءة الجديد، نظرًا لتهالك الكابلات القديمة وضعفها.
وقال "عامر"، في حديثه مع "الدستور": "العمل يجري بسحب الكابلات الجديدة في نفس المسارات القديمة بين أحجار الهرم، التي تكون مغطاة بطبقة ترميمية غير أثرية، ونقوم بإزالة هذه الطبقة بعناية، وتنظيف المسار، ثم تركيب الكابلات الجديدة وإعادة طبقة ترميم مشابهة تمامًا للأصلية في اللون والشكل، بحيث لا يظهر أي تغيير قد يخل بالطابع الأثري".
أشار إلى أن الأعمال تتم يدويًا بالكامل، وذلك وفقًا لتعليمات مفتشي الآثار، حيث يُحظر استخدام المعدات الثقيلة أو إجراء أي حفر أو تثبيت في أحجار الهرم نفسها، مضيفًا: "نستخدم مواد ترميمية لاصقة يسهل إزالتها لاحقًا إذا استدعت الحاجة، وكل شيء يجري تحت إشراف مفتشي الآثار وبالاتفاق مع الإدارة الهندسية وإدارة تفتيش الآثار بالهرم".
وعن الشائعات المتداولة حول "تخريب الآثار"، قال: "كل ما يُقال عن وجود أعمال تخريب داخل الهرم هو محض افتراء، فلا أحد يجرؤ على المساس بالآثار، وأي خرق لهذه القواعد يُعد جريمة كبرى، يمكن أن تصل إلى السجن بتهمة تخريب الآثار"، مؤكدًا أن الدكتور أشرف محيي الدين، مدير منطقة الهرم الأثرية موجود يوميًا هناك ومستعد لتوضيح كل الحقائق.
تعاقب المادة 45 من من قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 وتعديلاته، من يقوم بتشويه المقتنيات الأثرية بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 جنيهات، ولا تزيد عن 500 ألف جنيه، ولكل من وضع على الأثر إعلانات أو لوحات للدعاية، كما تصل للحبس لمدة لا تقل عن عام وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه عقوبة التدوين والكتابة على الأثر، كما تصل الغرامات إلى 10 آلاف جنيه مع الحبس لمدة عام، عن جريمة إتلاف الأثر وقطعة عن طريق الخطأ.
خبير هندسي: الحفاظ على التراث الأثري يتطلب رقابة صارمة
وانتقلنا بعدها للحديث مع المهندس علاء نبيل، الخبير الهندسي، الذي أوضح أن العمل في المناطق الأثرية يختلف تمامًا عن المشروعات الهندسية العادية، لأن الحفاظ على التراث يتطلب وجود فرق عمل متخصصة تتابع جميع التفاصيل، سواء من وزارة الآثار أو من الجهات الهندسية، مع الالتزام بشروط التعاقد الصارمة لضمان عدم وقوع أي تجاوزات.
وقال: "في المشروعات العادية قد يعتمد المقاول على الرسومات والتوجيهات العامة، ولكن في المناطق الأثرية، يجب أن يكون الاستشاري (المكلف من وزارة الآثار) حاضرًا بشكل دائم مع فريق العمل لضمان الالتزام الكامل بالمعايير، لضمان الالتزام بمواد الترميم المستخدمة مسبقًا للحفاظ على سلامة الموقع".
وأضاف: "حتى إذا كانت المواد المستخدمة في الترميم قديمة أو غير أصلية، فهي موجودة لحماية الموقع، ولا يجب تكسيرها إلا بعد دراسة متأنية، فأحيانًا يتم التكسير للوصول إلى مواقع معينة للإضاءة أو لأغراض تقنية، ولكن هذا العمل يجب أن يتم تحت إشراف كامل من متخصصين لضمان عدم إحداث فراغات أو أضرار غير متوقع".
كبير الأثريين: كيف يمكن هدم حجر وزنه 15 طنًا في 15 ثانية!
فيما تعجب الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، من الضجة التي حدثت بسبب الفيديو المتداول عن الأهرامات، قائلًا: "عدد أحجار الهرم يصل إلى مليونين وثلاثمائة ألف قطعة، ولم يُصب أي حجر بخدش واحد، والحجر الواحد يزن حوالي 15 طنًا، مما يجعل أي تأثير على الهيكل الأثري شبه مستحيل، والهرم يغطي مساحة 13 فدانًا، مما يؤكد أن مثل هذه الأعمال لا تُحدث أي تأثير ملموس على بنيته".
وأشار إلى أن الفيديو لم تتجاوز مدته 15 ثانية، لكنه أثار ضجة بسبب عدم التزام الشركة المنفذة بالإجراءات المطلوبة أثناء العمل، مضيفًا: "للأسف، هذا التقصير يعكس غياب التخطيط المسبق، خاصة في مواقع أثرية عالمية مثل الهرم، الذي يخضع لإشراف اليونسكو منذ عام 1979، وأي خطأ في مثل هذه المواقع قد يؤدي إلى مشاكل قانونية دولية تؤثر على سمعة مصر الأثرية".
الإجراءات المتخذة ضد المتسبب في الحادث
وعبّر كبير الأثريين بالوزارة عن استيائه بسبب تأثُر الصورة الذهنية عن الأهرامات بسبب هذا الفيديو، قائلًا: "المشكلة ليست في الأثر نفسه، فهو لم يتضرر، ولكن في انطباع المشاهدين، خصوصًا من خارج مصر، الذين قد لا يدركون التفاصيل الكاملة".
وفيما يخص الإجراءات المتخذة ضد الشركة المنفذة، أوضح أن العقود المبرمة مع الجهات المنفذة تضمن عقوبات في حالة الإخلال بالشروط، مثل الحرمان من العمل مع الوزارة أو الجهات الحكومية مستقبلًا، مؤكدًا أن هناك جهات مختصة، مثل إدارة المشروعات، تتولى الإشراف على تنفيذ هذه الإجراءات.
واختتم بأن وزارة الآثار ليست الجهة المنفذة لهذه الأعمال، بل يقتصر دورها على الإشراف واستلام وتسليم المشروعات، مضيفًا: "كان من المفترض أن يكون هناك مفتش أثرى ومشرف على العمل لضمان الالتزام بالإجراءات، لكن غياب الإشراف تسبب في هذه الأزمة، إلا أنه لن يتكرر مع تشديد الرقابة على الأعمال المستقبلية".
مفتش أثري: أعمال التغيير تمت في توقيت غير مناسب
وبالحديث مع أحد مفتشي الآثار الفرعونية، قال إن أعمال تغيير كابل الكهرباء التي أُثير الجدل حولها في الفيديو المتداول مؤخرًا بمنطقة الأهرامات تمت وفق الإجراءات الفنية الصحيحة، حيث تم تغيير كابل كهرباء قديم كان مستخدمًا منذ أكثر من 10 سنوات، موضحًا أن هذه الكابلات تخضع لعمليات استبدال دورية ولم يكن لها أي تأثير على الأحجار الأثرية أو بنية الهرم، وأن المادة المستخدمة في تثبيت الكابل تُعد من المواد الحديثة المصممة لحماية الكابلات البلاستيكية، التي قد تتعرض للجفاف بفعل درجات الحرارة المرتفعة، مما قد يشكل خطرًا على الزوار.
وأضاف المفتش، في حديثه مع "الدستور"، أن الكابل القديم كان مثبتًا باستخدام هذه المادة لضمان حمايته وتقوية الغلاف المحيط به، وهو إجراء ضروري للحفاظ على سلامة الزوار في المنطقة، مضيفًا: "الأعمال التي نُفذت ليست لها علاقة بالأثر نفسه، والمادة المستخدمة تهدف فقط إلى حماية الكابل وضمان ثباته".
وأوضح أن الخطأ الوحيد الذي وقع فيه الفريق المنفذ للعمل هو اختيار التوقيت غير المناسب، ما أدى إلى ظهور الفيديو بشكل أثار استياء المتابعين، وقال: "التوقيت كان غير موفق، وكان من الضروري اتخاذ إجراءات مثل وضع إشارات تحذيرية أو لافتات تنبيهية تُعلم الزوار بأن هناك أعمالًا جارية في الموقع"، داعيًا إلى اتخاذ خطوات تنظيمية أفضل في المستقبل لضمان عدم حدوث مثل هذه الالتباسات.
رئيس قطاع الآثار: أخطأنا في عدم وجود مفتش أثري للإشراف على العمل
وختامًا، أكد الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، أن العاملين في الفيديو ليسوا متخصصين في الآثار بل تابعين لشركات خارجية، مضيفًا أنه تم محاسبة المسؤول عن هذه الصورة غير اللائقة، مؤكدًا أن الوزارة تأسف لما حدث، وأنه كان يجب وجود مفتش أثري للإشراف على العمل.
وكانت الدولة قد بدأت -فعليًا- في تطبيق عملية التطوير عام 2022، وتشمل تشغيل حافلات وسيارات كهربائية صديقة للبيئة، ويتضمن المشروع 7 محطات زيارة تبدأ من مركز الزوار وتضم محطات مثل هرم منكاورع، خفرع، خوفو، وأبو الهول، كما توفر المحطات خدمات مثل الإنترنت، أجهزة شحن، مقاعد مظللة، منافذ بيع، مناطق للأطفال، وماكينات صرف آلي.
شائعات بالجملة
ولم تكن شائعة تكسير الهرم الأكبر هي الوحيدة التي طالت منطقة الأهرامات، لكن كان هناك حرص دائم على الرد على كل شائعة منها:
التاريخ | الشائعة | الرد |
ديسمبر 2018 | أثيرت شائعات حول بيع وزارة الآثار المصرية لمنطقة الأهرامات السياحية لدولة عربية مقابل مبالغ مالية ضخمة، مما أثار جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي. | نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ووزارة الآثار هذه الشائعة بشكل قاطع، مؤكدين أن الأهرامات تراث حضاري لا يمكن التفريط فيه. وشددت الوزارة على أن هذه الادعاءات تهدف لإثارة البلبلة والنيل من جهودها، خاصة مع سلسلة الاكتشافات الأثرية الأخيرة.
|
يناير 2018 | تداولت تقارير تفيد بإسناد إدارة منطقة الأهرامات لشركة إماراتية لمدة عشرين عامًا، ما أثار قلقًا شعبيًا بشأن مستقبل الآثار المصرية. | أكد الدكتور محمد إسماعيل، المشرف العام على مشروع تطوير الأهرامات، أن هذه المزاعم غير صحيحة، موضحًا أن الوزارة تلقت طلبًا من شركة إماراتية لتطوير عرض الصوت والضوء، ولكن لم يتم اتخاذ أي قرار بالموافقة أو التنفيذ. |
فبراير 2016 | انتشر فيديو "مزيف" يدّعي تكسير وبيع أحجار الهرم للأجانب، وهو ما أثار انتقادات شديدة ضد وزارة الآثار. | نفت الوزارة صحة الفيديو، مؤكدة أن الأحجار يجري توثيقها وترميمها ضمن مشروع مدعوم من بعثة يابانية، موضحة أن المشروع يهدف للحفاظ على أحجار الهرم، بما في ذلك دراسة المداميك الجرانيتية وإعادتها لمكانها الطبيعي.
|
11 نوفمبر الجاري | تداولت صور على مواقع التواصل تُظهر خطوطًا بيضاء على جدران مقبرة ميروكا بمنطقة سقارة، مع مزاعم بتخريب المقبرة. | أكدت وزارة السياحة والآثار، أن الخطوط ناتجة عن كتابة أحد الزوار على الجدران، وتمت إزالة الأثر وترميم الجدار بالكامل، مشيرة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لمعاقبة الفاعل وفقًا لقانون حماية الآثار. |