رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليالينا.. كوميديا بسيطة وديكور معبّر وأداء طبيعى يجمع الجمهور

ليالينا
ليالينا

تعودنا معظم الوقت فى الإبداع بكل أنواعه على فكرة أو نهج أساسى تدور حوله فلسفة المبدع، سواء كان كاتبًا أو شاعرًا أو فنانًا تشكيليًا أو مخرجًا، إلخ، ومن خلال ذلك المفهوم لمعت أسماء كثيرة على مدار التاريخ الفنى البعيد والقريب.

لكن أن يلمع اسم فنان مسرحى فى مجالين مختلفين إلى حد كبير ويقدم نفسه بأسلوب فنى مغاير تمامًا عما طرح به ذاته فى المرة الأولى، فذلك أمر يحتاج لجهد مغاير وفنان واع متعدد المواهب مدرك لطبيعة الأنواع ومصمم على خوض التجربة بكل ما فيها من صعوبات.

ذلك بالضبط ما فعله المخرج الشاب محمد الحضرى، والذى قدم نفسه كمخرج جاد منحاز للقضايا الاجتماعية الكبيرة مثل الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، وما يقابل المغلوبين على أمرهم من مشاكل جسيمة فى الحياة الشخصية أو العمل وما يتعرضون له من تحييد وضغط رهيب.

والحقيقة أن «الحضرى» كمخرج كان واعيًا بتلك القضايا ويعرف كيف يطرحها من خلال منهجية جمالية مناسبة فى عرض «الرجل الذى أكله الورق»، وهو العرض المأخوذ عن مسرحية شكسبير الشهيرة «تاجر البندقية»، 

فى هذه المرة تصدى «الحضرى» مع فريق «جروتسك» لمسرحية كلاسيكية للكاتب الكبير نعمان عاشور باسم «الناس اللى تحت»، وهى مسرحية تتناول سكان أحد البدرومات بدرجاتهم الاجتماعية المختلفة وما يعانونه مع صاحبة العقار كبيرة السن التى تطمح للزواج بأحدهم.

من ضمن سكان البدروم، الثرى الذى جار عليه الزمن واضطر للإقامة فى البدروم، والفنان التشكيلى الذى يقع فى حب بنت جاره الكادح لكنه لا يستطيع التقدم لها لقلة ذات اليد، وما يحيط هؤلاء من مجموعة بشر على هامش المجتمع.

وقدمت المسرحية على مسرح نجيب الريحانى بوسط البلد، ومن خلال برنامج «سوكسيه» الذى أنشأه الممثل الكوميدى الكبير أشرف عبدالباقى، الذى يدعم تجارب شباب المسرحيين ويقدم لهم فرصًا مهمة من خلال فريق عمل متكامل يهتم بالخدمات الفنية واللوجستية، وذلك أمر عظيم كان منتظرًا وبقوة من خلال فرق وأجهزة وزارة الثقافة، وأرجو أن يتم تدارك ذلك الأمر فى المستقبل القريب بالمنطق الذى يتيح الفرص لتقديم عروض الفرق المستقلة والجامعات والهواة على مسارح البيت الفنى للمسرح وقت فراغها بشروط ميسرة للطاقات والفرق الجادة التى تمتلك مشروعًا حقيقيًا.

وقدم «الحضرى» عرض «ليالينا» بأسلوب كوميدى مناسب لاختلاف العصر وطريقة التناول، وما يمكن أن يقبله الجمهور الحالى من طرق تدوير الحدث الكوميدى، والحقيقة أنه كمخرج قد حافظ على الهيكل العام الذى تدور من خلاله أحداث المسرحية القديمة، وفى الوقت ذاته كان مشغولًا برهان التناول الكوميدى الذى يعتمد على الدمج بين كوميديا الموقف وكوميديا الشخصية، وكان ذكيًا فى اختيار الممثلين، خاصة الممثل الذى لعب الدور الرئيسى فى الحدث الدرامى «أحمد نادى»، الذى يتمتع بحضور مميز على خشبة المسرح وكذلك بقية الممثلين، فقد قدموا جهدًا فائقًا يعكس شغفهم وقدراتهم الطيبة للغاية، وهو الأمر الذى أسعد الجمهور الكبير الذى حضر التجربة التى بدت ديكوراتها متوافقة مع الموضوع الرئيسى للمسرحية، من خلال منظر مسرحى يبدو فيه فقر المكان وكونه محاطًا بسلالم مؤدية إليه، وقد بدت الملابس مناسبة لطبيعة الشخصيات والفروق الاجتماعية بينهم.

ومنذ بداية الحدث نلاحظ الإيقاع السريع والجمل المختصرة والحرص الشديد على إشاعة البهجة، وكذلك نلحظ ذكاء رسم الحركة ومحاولات فريق العمل بذل أقصى جهد كى تصل الرسالة العامة للعمل للجمهور بطرق شيقة ومتعددة.