سوشى
تنطُّ لتخربشَ الكنبة، وتقطِّعُ البياضاتِ التى تُغطيها.. قربتْ أن تصلَ لقطنِ الشِّلت الداخلىِّ، ثم تنزلُ للأرضِ لتحفرَ فى الكليمِ كأنَّها تسِنُّ أظافِرَهَا فيِهِ.. أصرخُ عليها: لأ.. كخ كده يا سوشى.
لا تلتفتُ لىَ القطةُ ولا كأنَّها سمعتنِى، أتذكَّر كيف كانت تُكلمُها صاحبتُها الأولى.. أحاولُ أن أقلدها: «سوشى.. نو.. نو. تسكت لثوانٍ قليلةٍ.. أظنها سمعت كلامى، لكنَّها تنظرُ لى بعدمِ اقتناعٍ.. وتكملُ عضعضةً فى رجلِ السرير...
منك للـه يا مدام.. هى دى مكافأة نهاية الخدمة؟!
المدام كانت جميلةً جدًا وأنيقةً جدًا جدًا.. بنت ناس بحق.. من عائلةٍ كبيرةٍ من القاهرة.. أبوها مستشارٌ أو ظابطٌ كبير هناك، لكن نصيبَها أن تتزوجَ وتأتىَ مع زوجِها هنا ليُكتبَ لى رزقٌ عندها.. أعملُ لها شغل البيت، وأطبخُ لها وأمسحُ أمام بابِ الشقةِ.. كنت مبسوطة من شغلى معاها.. وكانت أيام حلوة.
- رايحة فين يا أم أحمد؟
- رايحة الشغل...
- أنتى قلتى لى بتشتغلى فين يا أم أحمد؟
- هنا فى الشركة.. شركة سيكلام.
- سيكلام؟!.. مش كنتى قلتى...
- سيكلام آه.. ما هو لما استغنوا عن أبوأحمد قدمت أنا على شغل.. قوم قبلونى عشان كان هو موظف عندهم قبل كده.
«الولية الحشرية» لم تقتنع.. أكمل فى كلامٍ كثيرٍ لأغطىَ على أسئلتها وتسكت.. حتى أولادى لا يعرفون إنى «أشتغل فى البيوت».
أول ما أعطتنى سوشى كانت ستموتُ من الجوع.. هى معتادةٌ على أكل مخصوص.. «دراى».. وأنا ليس عندى أكل مخصوص لعيالى ولا للرجل المريض.. مع الوقت تعودَتْ على بواقى الأكل والسمك الرخيص المسلوق.. ردت صحتها حتى أصبحتْ «عِجلة صغيرة مش قطة».
سيلا بنت المدام.. صاحبة سوشى الأصلية.. كانت هدية من أبيها.. سيلا شعرها كيرلى وجميلة كأمها وتقول لى يا طنط.. طنط أم أحمد.. ميرسى طنط أم أحمد.. بليز طنط أم أحمد..
فى يوم سألتنى: «صحيح.. أنتى اسمك بجد إيه يا طنط أم أحمد.. قبل ما يبقى عندك أحمد؟»
ضحكتُ وقلت لها: «اسمى على اسمك.. اسمى وسيلة».
من ساعة ما استغنوا عنه والراجل قاعد فى البيت.. حمله تقيل وعصبيته وقلة أدبه أتقل.. لكن معذور.. المرض عذره.. أكذب لو قلت إنى كنت «ست بيت متستتة».. لكن على الأقل هو جنبى.. رجل يسندنى بقوته ويأخذنى فى حضنه آخر الليل.
أنظر لنفسى فى المرآة.
أنظر لنفسى فى المرآة الكبيرة فى صالةِ بيت المدام.. أتأملُ جسمى.. لا يزال حلوًا وأتعاجب.. ربنا يبعدنا عن الحرام.
- بتعملى إيه يا ولية؟
صوته يفزعنى.. زوج المدام «جلنف» يتجول فى الشقةِ حافيًا بفانلةٍ داخليةٍ مقرَّحة.. لا أعرفُ كيف غربِلتْ كل الرجالِ لتختارَ هذا زوجًا.
- بتبصى على إيه؟!.. ده أنتى الشيطان لو شافك يتوب.
يضحك مستظرفًا نفسه...
داهية تاخدك إنت واللى عندى فى ساعة واحدة.
- سوشى واللا زفتة.. قطة الهانم دى.. بهدلتنى وبهدلت البيت كله.. هرت العفش خربشة وعضعضة وشخاخ.. شوفى لك صرفة فيها لاحسن عليا الطلاق...
أسبقه قبل أن يكمل:
- خلاص يا أبوأحمد.. حاضر.. حاضر والنبى.
يوم ما أعطتنى سوشى، كنت رايحة بعد يوم الإجازة فلقيت البيت مبهدل جدًا.. والهانم لونها مخطوف وعينيها منفوخة ومحمرة.. صورة الزواج الكبيرة وقعت من مكانها.
- أنا خلاص يا أم أحمد.. حرجع القاهرة عند بابا.
دخلت سوشى ساعتها وحاولت أن تتمسح فيها لكنها أبعدت رجلها...
- خديها يا أم أحمد.. مش عاوزة أشوفها تانى.. كفاية قرف.
أخذتها فى صندوق مخرم.. ركبت بها المشروع لأبعد مكانٍ كيلا تعرفُ الطريق.. فى شارعٍ جانبىٍ أخرجتُها.. «بصت» حواليها ثم نظرتْ لى فى خوفٍ و«نونوت» بصوتٍ خفيضٍ.. لأول مرة «تنونو» لى.. نظرتُ لها ووقفتُ مكانى.. ولم أعرفْ كيفَ أمشى.