رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة قانون.. وقانون الأزمة

قانون الإيجارات القديمة بشكله الحالى هو أزمة كبيرة، وبعد خلخلة هذا القانون الجائر بحكم الدستورية العليا بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية، تحول الأمر إلى أزمة أكبر لا يمكن حلها إلا بصدور قانون جديد يوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.

يُشكل قانون الإيجارات القديم فى مصر قضية جدلية تراكمت تداعياتها على مدار عقود، حيث نشأ هذا القانون فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر كجزء من حزمة قوانين تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين الطبقة الوسطى والفقراء من السكن. كان الهدف الرئيسى للقانون تثبيت القيمة الإيجارية عند مستوى معين، بحيث يتمكن المستأجرون من التمتع بالإقامة لفترات طويلة دون زيادة فى الأعباء المالية. ومع ذلك، فإن ثبات القيمة الإيجارية أدى إلى أزمة كبيرة مع مرور الوقت، حيث أصبح يُنظر إلى العقود القديمة باعتبارها غير منصفة لأصحاب العقارات، خاصة فى ظل تضخم الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه.

منذ أيام قضت المحكمة الدستورية فى مصر بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية للعقارات القديمة، معتبرةً أن هذا الأمر لا يتوافق مع مبادئ العدالة، حيث أدى إلى حرمان المُلاك من الاستفادة العادلة من عقاراتهم. وقد أثار هذا الحكم موجة من الجدل، نظرًا لتعقيدات العلاقة بين المالك والمستأجر تحت مظلة هذا القانون.

تأسس قانون الإيجارات القديم فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى بهدف حماية المستأجرين، وكان يُلزم المالكين بتثبيت قيمة الإيجار ومنع طرد المستأجرين طالما كانوا ملتزمين بدفع الإيجار المتفق عليه. ومنذ ذلك الحين، تطورت العقود لتشمل بنودًا كإيجار مدى الحياة مع وراثة العقود للأبناء، مما أدى إلى بقاء كثير من العائلات في وحدات سكنية بدفع مبالغ زهيدة لا تغطى نفقات صيانة العقار.

كما أن بعض المستأجرين دفعوا فى حينه مبالغ إضافية غير موثقة كـ«خلو رجل» أو مقدمات لضمان استئجار الوحدة السكنية، وهو ما يعتبر التزامًا ماليًا إضافيًا يجب أخذه في الاعتبار عند دراسة وضع هذه الفئة من المستأجرين. وقد أدى «خلو الرجل» إلى تعقيد العلاقة بين المُلاك والمستأجرين، حيث يعتبر المستأجر أن دفعه لهذا المبلغ يمنحه حقًا إضافيًا في استقرار الإقامة.

خلق حكم المحكمة الدستورية بضرورة تحرير عقود الإيجار القديمة حالة من القلق وعدم اليقين. فالكثير من المستأجرين، خاصة من الفئات الأقل دخلًا وكبار السن، يجدون أنفسهم فى خطر فقدان مساكنهم فى ظل عدم قدرتهم على دفع الزيادات المتوقعة فى الإيجار. ومن جهة أخرى، يرى أصحاب العقارات أن هذا الحكم يعد خطوة نحو تحقيق العدالة التى تأخرت كثيرًا، إذ لم يعودوا قادرين على تحقيق عائد مناسب من ممتلكاتهم، التى ارتفعت قيمتها السوقية دون أن يعكس الإيجار هذه الزيادة.

أدى الحكم إلى ظهور مقترحات بضرورة تصنيف المستأجرين، وإعادة تقييم الأوضاع بناءً على ظروف كل فئة. مثلًا، هناك اقتراحات بمعاملة المستأجرين الذين دفعوا «خلو رجل» أو مقدمات بطريقة مختلفة عن غيرهم، خاصة إذا كانوا يعيشون فى العقار لفترة طويلة، مما يمكن أن يسهم فى الحد من آثار التحرير الكامل للعقود.

ويرى بعض المحللين أن الحل الأمثل يكمن فى وضع آلية لتدرج رفع القيمة الإيجارية، بحيث تتمكن العائلات المتضررة من التأقلم مع الزيادات تدريجيًا، أو يتم تقديم دعم لها إذا كانت غير قادرة على تحمل الأعباء المالية الجديدة.

ومع حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية فى عقود الإيجارات القديمة، أصبحت الكرة فى ملعب البرلمان المصرى، لإعداد قانون جديد ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر بطريقة توازن بين حقوق الطرفين.

وهناك العديد من الاقتراحات منها:

1. تصنيف المستأجرين حسب الفئات الاجتماعية والاقتصادية

يقترح بعض الخبراء تصنيف المستأجرين إلى فئات بناءً على وضعهم المالى والاجتماعى، بما يشمل الدخل، والوضع الوظيفى، والقدرة على توفير سكن بديل. قد يساعد هذا فى تقديم تسهيلات أو استثناءات خاصة لبعض الفئات، مثل الأسر ذات الدخل المحدود وكبار السن غير القادرين على تحمل زيادات كبيرة فى الإيجار.


2. وضع نظام تدريجى لزيادة الإيجارات

يتضمن هذا المقترح وضع آلية لتطبيق الزيادة الإيجارية بشكل تدريجى، حيث يتم رفع القيمة الإيجارية على مراحل بمرور السنوات، مما يتيح للمستأجرين وقتًا كافيًا للتكيف مع الأعباء المالية الجديدة. هذه الزيادة يمكن أن تكون نسبة ثابتة يتم الاتفاق عليها، وتُراجع دوريًا بناءً على معدل التضخم ومستوى الأسعار.


3. إعفاء المستأجرين القدامى من بعض الرسوم أو تقديم دعم مالى

يمكن أن يشتمل القانون الجديد على إعفاء المستأجرين القدامى، الذين يدفعون إيجارات منخفضة للغاية، من بعض الرسوم أو تقديم دعم مالى جزئى لهم للتخفيف من آثار الزيادات. قد يكون هذا الدعم مباشرًا من الحكومة أو من خلال برنامج دعم إسكان خاص يُمول جزئيًا من موارد الدولة أو من تبرعات أو صناديق إسكانية.


4. تقنين «خلو الرجل» والمقدمات

بالنسبة للمستأجرين الذين دفعوا «خلو رجل» أو مقدمات عند استئجارهم، يمكن إدخال نصوص قانونية تضمن لهم تخفيضًا فى الزيادة الإيجارية أو تمديدًا لمدة العقد، كنوع من الاعتراف بتلك المبالغ غير الرسمية التي دفعوها فى الماضى.


5. وضع حد أقصى للزيادة السنوية للإيجار

لضمان عدم استغلال المُلاك للقرار بشكل مفرط، قد يتضمن القانون حدًا أقصى للزيادة السنوية فى الإيجار، بحيث لا تزيد النسبة عن حد معين لضمان التوازن والاستقرار للمستأجرين، خاصة فى ظل تقلبات الأوضاع الاقتصادية.


6. إقرار شروط جديدة لتجديد العقد وتوريثه

قد يتناول القانون الجديد شروط توريث عقود الإيجار القديمة، بحيث يسمح للأبناء أو الزوجات بالبقاء فى العقار بعد وفاة المستأجر الأصلى لفترة محدودة، أو ضمن شروط خاصة، لتقليل العبء على المُلاك وضمان حقوقهم فى استخدام عقاراتهم مستقبلًا.


7. إعادة تنظيم العلاقة التعاقدية فى العقود القديمة

يمكن أن يتضمن القانون الجديد بنودًا تعيد تنظيم العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، مثل إعادة التفاوض على الإيجار إذا تغيرت الظروف الاقتصادية بشكل جذرى. وقد يتم إنشاء لجنة مختصة تقوم بتحديد الإيجارات بشكل عادل بناءً على معايير محددة، لضمان أن يكون هناك توازن بين قدرة المستأجر والحقوق المالية للمالك.


8. إدخال نظام الوساطة والتحكيم لحل النزاعات

لضمان حل النزاعات بسرعة وفعالية، يمكن للنظام القانوني الجديد إنشاء لجان تحكيم ووساطة مختصة بالنظر في النزاعات بين المُلاك والمستأجرين. ستكون هذه اللجان مسئولة عن إصدار قرارات عادلة بشأن أي نزاع حول الزيادة في الإيجار أو إنهاء العقد، مما يوفر الوقت والتكلفة للطرفين.


9. إنشاء صندوق لدعم صيانة العقارات القديمة

أحد التحديات التي تواجه المُلاك والمستأجرين هو تدهور حالة العقارات القديمة نتيجة لتدنى مستوى الإيرادات من الإيجار. لذا، يمكن إنشاء صندوق خاص لدعم صيانة وتجديد هذه العقارات، بحيث تُمول من خلال الرسوم أو التبرعات، بما يسهم فى تحسين البيئة السكنية ويزيد من العمر الافتراضى للعقار.

يواجه البرلمان المصرى تحديًا كبيرًا فى وضع قانون جديد يعالج القضايا الشائكة المتعلقة بالإيجارات القديمة، ويتطلب الوصول إلى حلول تحقق التوازن بين مصالح المالكين واحتياجات المستأجرين، فى ظل مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية، وهى مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، ويجب إنجازها في الدورة البرلمانية الحالية والأخيرة لمجلس النواب.