حرب الشائعات.. استعراض تشريعى وتحليل قانونى
تُعَدُّ الشائعات فى المجتمع المصرى إحدى الآفات الاجتماعية المستشرية التى تتسلل إلى نسيج الأمن والاستقرار، فتُحدِث ارتباكًا وإثارةً للرأى العام، وتقوض أركان الثقة فى المؤسسات الرسمية، وتمتد آثارها إلى زعزعة الاقتصاد الوطني، ولذا، لم يقف المشرع المصرى مكتوف اليدين، بل استنفر نصوص التشريع الجنائى ليعالج هذه الآفة وفق أسس قانونية صارمة ورادعة.
وتنص المادة 102 مكرر من قانون العقوبات على أن تعمُّد نشر أخبار كاذبة أو بيانات أو شائعات تضرب فى المصلحة العامة يُعَدّ جريمة تستوجب العقاب. وتُفرَض على من يروِّج لمثل هذه الأكاذيب عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة مالية تُراوح بين خمسمائة جنيه وعشرين ألف جنيه، إذ يسعى القانون بهذا الإطار إلى تجفيف منابع الفتنة وكبح تداعيات الشائعات التى تنال من استقرار المجتمع.
وعلى نحوٍ أكثر دقة، استند المشرع إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، حيث أورد فى المادة 25 ضرورة التصدى بحزم لاستخدام الوسائط الرقمية لنشر الشائعات التى تمسّ الأمن العام وسمعة الأفراد والهيئات، وتتراوح العقوبات المقررة فى هذا الشأن بين الحبس لمدد تصل إلى خمس سنوات وغرامات مالية مشددة، تأكيدًا على أن التشريعات الحديثة باتت أكثر صرامة فى معاقبة مستخدمى التكنولوجيا للتلاعب بمعلومات الجمهور.
ومن ثمّ، يتضح أن التشريع المصرى بحزمة نصوصه القانونية قد أولى عناية خاصة لمسألة التصدى للشائعات بوصفها تهديدًا جوهريًا لاستقرار الأمة، ويهدف هذا التأطير القانونى الرادع إلى ترسيخ مفهوم المسئولية الاجتماعية، وتحقيق الردع العام، وتعزيز اليقين القانوني، بما يسهم فى الحفاظ على استقرار الدولة وحماية مصالحها العليا، إلا أننا لا يمكننا القول بكفاية ذلك أو قدرته على تحقيق الردع العام، ذلك أن التطور التقنى فى وسائل بث ونشر الشائعات يتسارع بوتيرة تجعل من الضرورى جدًا على المشرع أن يرصد هذا التسارع فى التطور التقنى ليواكبه بتسارع موازٍ فى التطور التشريعى.
المستشار الدكتور هشام الرفاعى
رئيس محكمة الاستئناف الأسبق
أستاذ القانون بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
المحامى بالنقض والدستورية العليا