برنارد لويس: صانع خرائط الشرق الأوسط الجديد
يعتبر برنارد لويس أحد أبرز المؤرخين والباحثين فى تاريخ الشرق الأوسط، وله دور محورى فى تشكيل فهم الغرب للعالم الإسلامى والعربى على وجه الخصوص.
وُلد لويس فى عام 1916 وتوفى عام 2018، وقد اشتهر بأبحاثه التى امتدت لعدة عقود، وعُرف بآرائه المثيرة للجدل حول تاريخ المنطقة وتوجهاتها السياسية، مما جعله شخصية مؤثرة فى صياغة السياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط.
من هو برنارد لويس؟
برنارد لويس، مؤرخ ومستشرق بريطانى أمريكى شهير، يُعرف بأنه صاحب إحدى الأفكار المثيرة للجدل المتعلقة بالشرق الأوسط، حيث طرح فكرة تقسيم الدول العربية إلى كيانات صغيرة بناءً على الاختلافات العرقية والمذهبية والدينية. كانت رؤيته تهدف إلى تعزيز السيطرة الغربية فى المنطقة عن طريق تفتيتها إلى دول صغيرة ضعيفة، يمكن التحكم فيها بسهولة.
بدأ برنارد لويس مسيرته الأكاديمية بدراسة التاريخ واللغات الشرقية، حيث برع فى اللغة العربية والعثمانية والفارسية، مما أكسبه قدرة على قراءة وتحليل المصادر الأصلية. عمل أستاذًا فى العديد من الجامعات المرموقة، مثل جامعة برينستون، وألّف العديد من الكتب والمقالات التى تناولت الإسلام، والشرق الأوسط، والعلاقة بين الشرق والغرب..
رؤيته لتقسيم الشرق الأوسط
فى نهاية السبعينيات، طرح برنارد لويس نظرية تنبأت بتقسيم الشرق الأوسط، مُعتقدًا أن الفروقات العرقية والدينية والطائفية فى المنطقة ستقودها إلى التفكك والانقسام. وقد تبنى لويس رؤية تاريخية ترى أن هذه التحديات المتأصلة، إن لم تُعالج، قد تؤدى إلى صراعات داخلية، تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار السياسى، وتزيد من احتمالات التفكك. وقد اعتبرت هذه الرؤية لدى البعض تصورًا واقعيًا، بينما رأى فيها آخرون خطة موجهة تهدف إلى خلق حالة من الفوضى والانقسام.
أهم كتب برنارد لويس
كان برنارد لويس غزير الإنتاج، وقدم العديد من الكتب التى أثرت فى النظرة الغربية للشرق الأوسط. من بين أهم كتبه:
1- «أزمة الإسلام: حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس» «2003».. يتناول فيه لويس العلاقة المعقدة بين الإسلام والعنف، ويقدم تحليلًا لتصاعد الإسلام السياسى وجذور الإرهاب فى المنطقة.
2- «الشرق الأوسط: ألفيتان من التاريخ» «1995».. يُعد هذا الكتاب من أهم مراجع تاريخ الشرق الأوسط، حيث يسلط الضوء على العوامل التى شكلت تاريخ المنطقة وتأثيراتها على واقعها المعاصر.
3- «ما الخطأ؟ الإسلام وأزمات الحداثة فى الشرق الأوسط» «2002».. يناقش فيه أسباب تراجع الحضارة الإسلامية، وفقًا لرؤيته، ويقدم تساؤلات حول طبيعة الإصلاح المطلوب فى الشرق الأوسط.
4- «نشأة تركيا الحديثة» «1961».. يعد هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا لفهم تاريخ تركيا الحديث، حيث يحلل التحولات التى طرأت على الدولة العثمانية وتطورها إلى دولة علمانية.
لماذا أصبحت كتبه ذات أهمية كبيرة؟
تعتبر كتب برنارد لويس مراجع أكاديمية، إلا أن تأثيرها امتد إلى المجال السياسى؛ إذ أصبح يستخدمها صناع القرار فى الولايات المتحدة وأوروبا لفهم الشرق الأوسط. تمكن لويس من تقديم صورة مترابطة للمنطقة، مع التركيز على التحديات الداخلية مثل الطائفية، والانقسامات العرقية، والعلاقة المعقدة بين الدين والسياسة. وقد نُظر إلى تحليلاته على أنها توضح معضلات المنطقة وتفسر بعض الأحداث التى شهدها الشرق الأوسط منذ منتصف القرن العشرين.
هل نجح برنارد لويس فى تحقيق رؤيته؟
على الرغم من أن برنارد لويس لم يكن صانع سياسة، فإن أفكاره أسهمت فى تشكيل توجهات معينة لدى صناع القرار، وخاصة فى الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. يرى البعض أن رؤية لويس للشرق الأوسط كانت متأثرة بالنظرة الاستشراقية، وأنها ساهمت فى تعزيز توجهات التدخل الأمريكى فى المنطقة.
وقد رأى نقاد لويس أن أفكاره كانت عاملًا مساهمًا فى دفع السياسات التى تسببت فى زعزعة استقرار المنطقة، خاصة فيما يتعلق بغزو العراق وتبعاته.
وفى النهاية تجلت أفكار لويس بشكل واضح فى مقاله الشهير فى الثمانينيات، حيث دعا إلى تقسيم بعض الدول الكبرى كالعراق وسوريا ومصر والسودان إلى مناطق أصغر متناحرة بسبب نزاعات طائفية أو عرقية. وقد أثارت أفكاره مخاوف كبيرة فى العالم العربى، حيث رآها البعض مخططًا متكاملًا لزرع الفوضى وتقسيم الدول، ما يؤدى إلى تدهور استقرار المنطقة، وتعزيز هيمنة القوى الغربية وإسرائيل.
ويتجلى خطر «مخطط لويس» فى كونه نموذجًا للتدخل الخارجى بهدف زعزعة الأوضاع السياسية والاجتماعية فى العالم العربى، مستغلًا القضايا الداخلية والتنوع العرقى والدينى لإثارة الفتن. وتعتبر بعض النظريات أن الأحداث اللاحقة فى المنطقة، بما فيها النزاعات الطائفية فى بعض الدول، قد تكون انعكاسًا أو تطبيقًا غير مباشر لهذه الأفكار، مما يبرز الحاجة إلى تعزيز الوحدة الداخلية للدول العربية وتبنى سياسات تدعم التضامن بين الشعوب العربية لمواجهة أى خطط تهدف إلى إضعافها.
برنارد لويس، بصفته مؤرخًا وباحثًا، ترك إرثًا أكاديميًا وسياسيًا كبيرًا، حيث ساعدت كتبه وأبحاثه فى تشكيل فهم الغرب للشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وبالرغم من تأثيره الواسع، يبقى الجدل حول رؤيته وتقسيمه للشرق الأوسط مستمرًا، حيث يرى البعض أنها كانت تنبؤات مبررة، بينما يعتبرها آخرون جزءًا من خطة موجهة أثرت سلبًا على استقرار المنطقة وهذا هو الأقرب للثواب.