تجمع بريكس.. ونظام اقتصادى عالمى متوازن
فى كلمته التى ألقاها فى افتتاح قمة بريكس السادسة عشرة، الشهر الماضى، قال رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين «يعتبر توسيع العضوية معلمًا مهمًا فى مسيرة تطور بريكس، وحدثًا مفصليًا فى هذه القمة، فى ظل تغيرات الأوضاع الدولية، ولقد قررنا دعوة عديد من البلدان لتصبح شريكة لبريكس»، وأضاف بوتين «دخل العالم مرحلة جديدة من الاضطراب، والتحول ونواجه خيارين محوريين، ألا وهما ترك العالم فى حالة الاضطراب، أو إعادته إلى الطريق المستقيم من أجل السلام والتنمية».
وفى نفس القمة قال الرئيس الصينى شى جين بينج «كلما زادت شدة الرياح والأمواج، زادت ضرورة الوقوف فى الصف الأول، لبناء مجموعة بريكس، لأن تصبح القناة الرئيسية، لتعزيز التعاون والتضامن بين دول «الجنوب العالمى»، والقوة الرائدة للدفع بإصلاح الحوكمة العالمية التزامًا بعزيمة لا تتزعزع، والجرأة على الريادة والحكمة لمعرفة التغيرات والتكيف معها، وعلينا أن نبنى «مجموعة بريكس المسالمة، التى تحافظ على الأمن المشترك».
وأضاف رئيس جمهورية الصين الشعبية «علينا التركيز على بناء (مجموعة البريكس المبتكرة) التى تتقدم فى التنمية عالية الجودة، وذلك فى ظل التطور السريع المذهل فى الثورة التكنولوجية، والذكاء الاصطناعى».
فى الوقت الذى تزداد فيه الصراعات والحروب والأزمات العالمية، اتجهت أنظار العالم ودول الجنوب، إلى قمة تجمع بريكس السادسة عشرة، المنعقدة فى الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر 2024 فى مدينة قازان بروسيا، بحضور الدول التى انضمت لعضويتها العام الماضى ومنها جمهورية مصر العربية.
ولقد شهد تعاون بريكس الذى تحركه محركات ثلاثة وهى المحركات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، بجانب التبادلات الثقافية والشعبية، شهد تقدمًا أكثر جوهرية ودعمًا شعبيًا متناميًا، ويعتبر تجمع بريكس قوة مهمة فى تشكيل المشهد العالمى للدفع باتجاه نظام دولى أكثر عدلًا وإنصافًا. ولقد شهدت القمة الخامسة عشرة والتى عُقدت فى أغسطس 2023، فى جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، تجمعًا لأكثر من 60 دولة، وفى هذه القمة تم تنفيذ قرار توسيع بريكس، حيث انضمت ست دول إلى تجمع بريكس، وبخلاف هذه الدول التى أصبحت كاملة العضوية فى أول يناير 2024، تقدم أكثر من 30 دولة رسميًا للانضمام إلى بريكس، منها جمهورية فنزويلا البوليفارية، بينما يسعى العديد من الدول النامية الأخرى، إلى إجراء تعاون أكبر وأعمق مع المجموعة.
ويجدر الإشارة إلى أنه بعد ثلاثة أشهر من قرار توسيع بريكس، عقدت المجموعة، قمة مشتركة غير عادية حول الوضع فى غزة، مع القادة من الأعضاء المدعوين، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ومثَّل هذا الاجتماع بداية جيدة لتعاون بريكس.
إن أحد القرارات الهامة لتجمع بريكس هو التعامل بين دول المجموعة بالعملات المحلية، من أجل إزاحة سيطرة الدولار الأمريكى عن السوق العالمية، حيث إن المجموعة لديها القدرة على التأثير بشكل كبير، على النظام الاقتصادى والجيوسياسى العالمى، خاصة من خلال تغيير توازن القوى، وخلق المزيد من الفرص للدول النامية.
وهذا التأثير ينبع من أن مجموعة بريكس بعد توسعها تضم 3،3 مليار نسمة بنسبة 45% من إجمالى عدد سكان العالم، كما تضم 30% من إجمالى مساحة العالم، وبالنسبة للتجارة تمثل هذه الدول مجتمعة 18% من الصادرات العالمية، ولقد عززت دول بريكس تعاونها الاقتصادى وعلاقاتها التجارية، عبر مسارات متعددة، منها اتفاقيات التجارة الحرة، والاستراتيجيات الموجهة نحو التصدير، بما فى ذلك الإعفاءات الجمركية، وخفض التعريفة الجمركية، وتيسير التجارة عبر مختلف قطاعات السلع والخدمات.
ولقد أبدى دونالد ترامب «الرئيس الأمريكى القادم»، قبل أسابيع من عقد قمة بريكس، تخوفه من الدول التى تتجه إلى استخدام عملاتها المحلية كبديل للدولار، فى إشارة ضمنية لدول مجموعة بريكس، محذرًا من أن قوة أمريكا الاقتصادية مهددة، وأنه لا بد من إجراءات عاجلة لحمايتها، وإننى أؤكد أن مخاوف ترامب ليست اقتصادية فقط، فالقوة الاقتصادية تعنى بالتبعية قوة سياسية، وبالتالى تهديد لعرش أمريكا كأكبر قوة مهيمنة فى العالم.
وقبل أن أنهى مقالى هذا، أود أن أشير إلى ما قاله الرئيس الصينى شى جين بينج وأكد عليه، خلال اجتماعه مع الرئيس المصرى، أثناء قمة «بريكس»، إن الصين تدعم مصر بقوة فى حماية أمنها، وسيادتها الوطنية، ومصالحها التنموية، إن الصين على استعداد لتعزيز التنسيق مع مصر، لتدعيم التنمية المطردة وطويلة الأجل، كما وجه الرئيس المصرى الشكر للصين، على مساعدتها القيمة لمصر، وأوضح أن مصر تلتزم بمبدأ صين واحدة، وتتفهم تمامًا الأهمية القصوى لمسألة تايوان.
إننى أتمنى تحقيق ما قاله الرئيس الصينى بشأن القضية الفلسطينية «علينا العمل معًا من أجل إنهاء مبكر للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وتخفيف حدة الوضع الإقليمى»، وأتمنى تأثيرًا أكبر لمجموعة بريكس، من أجل خير وسلام شعوب العالم.