أزمة النشر فى الوطن العربى: الواقع والتحديات والحلول
تشير تقارير اليونسكو والمعايير العالمية للنشر إلى أزمة حقيقية فى قطاع النشر فى الوطن العربى مقارنة بالمستويات العالمية. تبرز هذه الأزمة فى عدة جوانب، من حيث كمية الإنتاج الثقافى، وتوافر الكتب، ونسبة القراءة، إلى جانب تراجع معدلات الإنفاق على الأبحاث والنشر.
واقع النشر فى الوطن العربى وفق معايير اليونسكو
تحدد اليونسكو معايير واضحة لتقييم حالة النشر حول العالم، تتضمن نسب الكتب المنشورة سنويًا مقارنة بعدد السكان، ومستويات الإنفاق على الثقافة والنشر، وعدد المكتبات العامة. وللأسف، تظهر الأرقام فجوة كبيرة بين الدول العربية وبقية دول العالم:
1. نسب النشر السنوى: بينما تنشر أوروبا والولايات المتحدة ما يزيد عن مليون كتاب سنويًا، تقدر الإحصاءات العربية أن مجموع ما يتم نشره فى الدول العربية لا يتجاوز 60 ألف كتاب. هذا الرقم، وفقًا لمعايير اليونسكو، يعد متدنيًا بالنسبة لحجم سكان المنطقة العربية الذين يتجاوز عددهم 400 مليون نسمة.
2. معدل قراءة الكتب: أظهرت دراسات مختلفة أن متوسط قراءة الفرد العربى سنويًا يتراوح بين 0.5 و2 كتاب، مقارنة بمتوسط عالمى يتجاوز 10 كتب للفرد سنويًا. ويعكس هذا التفاوت أزمة القراءة والاستهلاك الثقافى فى المجتمعات العربية.
3. عدد المكتبات العامة: حسب اليونسكو، تعانى الدول العربية من نقص حاد فى عدد المكتبات العامة، مما يؤثر سلبًا على إتاحة الوصول للكتب والمحتوى المعرفى. على سبيل المثال، تمتلك الدول الأوروبية مكتبة لكل 6٫000 مواطن، فى حين تشير التقارير إلى أن بعض الدول العربية تمتلك مكتبة واحدة فقط لكل 100 ألف مواطن أو أكثر.
أسباب الأزمة
تعود أزمة النشر فى الوطن العربى إلى عدة عوامل، من أهمها:
• ضعف التمويل: يعتبر الإنفاق على البحث العلمى والنشر فى العالم العربى ضئيلًا مقارنة بالعديد من الدول المتقدمة، مما يحد من فرص النشر والتطوير.
• الرقابة والتضييق: تتعرض الكتب والمطبوعات للرقابة الصارمة فى عدة دول عربية، مما يحد من حرية التعبير ويعوق الإنتاج الثقافى.
• ضعف الوعى بأهمية القراءة: يعانى المجتمع العربى من تدنى الوعى بأهمية القراءة، وارتباط الثقافة بالترفيه التقليدى أكثر من المعرفة والتعلم.
حلول مقترحة
1. إنشاء وتعميم فكرة المكتبات العامة: يعد إنشاء مكتبات عامة فى جميع المدن والمناطق العربية خطوة ضرورية لتقريب الكتب من الناس وتشجيعهم على القراءة. يمكن تخصيص ميزانية من الدول لدعم هذه المكتبات، وضمان وجود كتب منوعة تناسب كل الفئات العمرية والمستويات التعليمية.
2. دعم النشر الإلكترونى: يعد النشر الإلكترونى حلًا فعالًا لتخطى تحديات التكاليف العالية، حيث يمكن نشر الكتب إلكترونيًا بتكلفة منخفضة. تشجيع المنصات الإلكترونية العربية للنشر وتسهيل الوصول إليها سيكون له أثر إيجابى على زيادة عدد القراء.
3. إطلاق مبادرات وطنية لتشجيع القراءة: من خلال فعاليات شهرية ومسابقات وجوائز للقراءة، يمكن تشجيع الشباب على القراءة واكتساب المعرفة.
4. دعم الكتّاب ودور النشر: يجب أن تقدم الحكومات العربية حوافز للكتاب ودور النشر، مثل تخفيض الضرائب أو توفير إعانات مادية، لتحفيز الإنتاج الأدبى والثقافى.
وفى النهاية
إن أزمة النشر فى الوطن العربى تتطلب استراتيجيات فعّالة ومبادرات قومية لتعزيز الإنتاج الثقافى وتوفير مصادر المعرفة. من خلال تطوير المكتبات العامة، ودعم النشر الإلكترونى، وتعزيز ثقافة القراءة، يمكن للمجتمعات العربية أن تتجاوز هذه الأزمة وتبنى مستقبلًا أكثر إشراقًا يرتكز على المعرفة.