رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البرلمان على الهوا.. وبناء عليه

 كنت قد تابعت فى التاسع من شهر يوليو الماضى جلسة مجلس النواب على الهواء مباشرة والتى تم خلالها عرض برنامج حكومة دكتور مصطفى مدبولى على نواب الشعب، ثم حدث أن تابعت بالمصادفة قبل أيام قليلة على شاشة التليفزيون الوطنى إحدى جلسات مجلس النواب والتى ناقش النواب خلالها قانون الإجراءات الجنائية الجديد. لم يكن هناك تنويه مسبق بنية أو توقيت بث الجلسة، فتابعت مهتمًا ربما كنوع من النوستالجيا وربما لأهمية القانون الذى أعرف أنه استغرق ما يصل إلى العامين من الصياغة والنقاش والتعديل، وأعلم أن تدخل السيد الرئيس كان وراء خروج هذا القانون للنور فى النهاية. 
   فى حقيقة الأمر شاهدت أداء سياسيًا رصينًا وثباتًا لغويًا عند معظم النواب، وإدارة حكيمة للفقيه الدستورى دكتور حنفى الجبالى رئيس المجلس. وخلال متابعتى استدعت ذاكرتى جلسات مجلس الشعب إبان رئاسة دكتور أحمد فتحى سرور، والتى كان يتم بثها سواء على الهواء أو من خلال رسائل يومية مطوّلة، فكنا نطّلع نحن المواطنين على أداء نوابنا، ما يجعل الناخبين على علم بنشاط المجلس عمومًا ونوابهم على وجه التحديد، ليأتى بعد ذلك وقت الحساب أمام صناديق الاقتراع حين يحين موعد الانتخابات من جديد. 
 أكاد أتفهم أسباب عدم الحرص على نقل الجلسات العامة بانتظام منذ نحو ثمانية أعوام مضت، والاكتفاء بنقل مقتطفات من الجلسات. أما اليوم وقد عادت الأمور السياسية والأمنية الداخلية للاستقرار من جديد بفضل الله، ثم نتيجة للجهود المضنية التى بذلتها القيادة السياسية لما يزيد على عقد كامل بعد أن تولى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى سُدة الحكم فى البلاد، فظنى أن الأمور أصبحت مواتية لنقل الجلسات.
  خلال السنوات الأخيرة عادت الأمور إلى نصابها، واستقرت الحياة الحزبية فاختفت أو انزوت أحزاب وتشكلت أحزاب أخرى، وأعادت الممارسة السياسية خريطة القوى داخل البرلمان لنرى وجوهًا شابة تبشر بمستقبل سياسى واعد بجانب ذوى الخبرات من النواب القدامى. ومن ثمَّ فقد صار من الطبيعى أن يتابع الشعب نشاطات نوابه بل وشيوخه أيضًا سواء من حيث التشريعات الجديدة التى يتم سّنها، أو من خلال الدور الرقابى للبرلمان والمتمثل فى مناقشة طلبات الإحاطة أو الاستجوابات وغيرها من الأدوات الرقابية التى كفلها دستور البلاد لنواب الشعب. 
  ورغم ما قد يؤخذ على بعض النواب من استغلال البث المباشر لاستعراض قدراتهم الخطابية أو إطالة أمد المداخلة ليصولوا ويجولوا أمام دوائرهم عبر شاشات التليفزيون، إلا أن منصفًا لا يمكنه أن يغفل دور هذا البث فى إثراء الحياة السياسية عمومًا، وفى كشف بعض النواب الذين لا ينتظمون فى حضور الجلسات أو أولئك الذين تنقضى الدورة البرلمانية كاملة دون أن يطلبوا كلمة أو يستخدموا حقهم الدستورى فى رقابة أو تشريع.
  كانت النائبة أميرة صابر عضو تنسيقية شباب الأحزاب قد تقدمت باقتراح بقرار لرئاسة المجلس تقترح فيه عودة بث الجلسات كاملة على الهواء كحق أصيل للشعب لمتابعة ولا أقول لمراقبة أداء نوابه، فربما يكون فى هذا الأمر تشجيع للمواطنين للتغلب على مشكلة العزوف عن الممارسة السياسية. بالطبع، لا يمكن لعاقل أن يطلب بث الجلسات التى تناقش أمورًا تتعلق بالأمن القومى، ولكن طلب البث المباشر يتمثل فى تلك الجلسات التى تناقش أمورًا حياتية للمواطنين، تمامًا كما حدث مع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
  وربما يكون اقتراح بث الجلسات بصورة مؤجلة هو الخيار الأكثر منطقية إلى أن يعاد انتخاب المجلس الجديد بحيث لا يخرج للمشاهدين إلا ما يفيد وما يعزز الممارسة السياسية وليصل للمواطنين ما يفيدهم بالفعل، ولا يكون البث عبارة عن مجرد مَكْلمة تستهلك وقت المشاهدين دون جدوى حقيقية، وخاصة إذا علمنا أن هذا هو العام الأخير فى عمر مجلس النواب، ومن ثم قد ينتهز البعض الهواء لاستعراض عضلاتهم السياسية فى غير موضعه لتقديم أنفسهم لجمهور الناخبين، لكن فى المقابل تبقى حيثيات البث التى ذكرناها آنفًا أكثر إلحاحًا، وبناء عليه فإن البث المؤجل يكون هو المخرج فى هذه الحالة.