يعيد إنتاج نفسه في الولاية الجديدة..
العالم تغير.. وترامب أيضًا
يستطيع أى باحث مدقق استمع إلى خطاب النصر الذى ألقاه الرئيس الأمريكى المنتخب لولاية جديدة دونالد ترامب أن يلحظ تغيرًا كبيرًا فى الخطاب الذى بدا فيه ترامب بعيدًا عن تلك الخطابات الشعبوية أو الشخصية التصادمية.. يدرك ترامب أن العالم الًان ليس هو نفس العالم الذى حكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية قبل ٤ سنوات.
إذا كيف سيكون شكل العالم وكيف ستكون سياسة ترامب خاصة مع فوز الحزب الجمهورى الذى يمثله بغالبية مجلسى النواب والشيوخ أيضًا مما يتيح لترامب مرونة أكثر بعيدًا عن الأزمات والمعوقات التى وضعها الديمقراطيون له فى ولايته الأولى.
فى ولايته الجديدة، بدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يظهر بعض التغيرات الملحوظة فى شخصيته وسياساته، خاصة تجاه الشرق الأوسط، وإيران، وإسرائيل، والحكام العرب. هذا التحول يمكن أن يُفسر فى سياق توجهه لبناء إرث سياسى مختلف بعد سنوات من التجربة فى السلطة ومعرفة جديدة بالديناميات الدولية.
مع إعلان الفوز والعودة إلى البيت الأبيض، بدأ ترامب يظهر نوعًا من النضج فى خطابه السياسى. فقد خفف من حدة بعض تصريحاته الشعبوية واتجه إلى تبنى لغة دبلوماسية أكثر اتزانًا فى محاولة لتعزيز صورته كرئيس مسئول وقائد عالمى. ويبدو أنه يتطلع إلى تشكيل سياسات أكثر عمقًا واحترافية، ربما لرغبة فى كسب تأييد أوسع فى الداخل والخارج، بعد فوزه بفترة رئاسية جديدة كانت محل جدل واسع.
خلال فترته الرئاسية السابقة اعتمد ترامب أسلوبًا مفاجئًا ومبنيًا على قرارات صادمة. أما الًان، فيبدو أنه أكثر انفتاحًا على الاستشارة مع كبار مستشاريه ووزارة الخارجية، ما يشير إلى فهم أكبر لتعقيد القضايا الدولية.
خلال حملته الانتخابية قلل ترامب من استخدام وسائل التواصل الاجتماعى كمصدر رئيسى لتصريحاته، ويركز بدلًا من ذلك على بيانات رسمية ومؤتمرات صحفية منضبطة، فى محاولة واضحة لتحسين صورته وسوف ينتهج نفس النهج خلال فترته الرئاسية الجديدة.
وكشف خطاب النصر الذى ألقاه أنه يسعى إلى تحقيق توازن أكبر فى التعامل مع القضايا العالمية، مثل ملف العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، ما يشير إلى إعادة تقييم للسياسة.
فيما يخص إيران، لا يزال ترامب يعبر عن موقفه المتشدد إزاء البرنامج النووى الإيرانى، لكن يبدو أن ولايته الجديدة قد تدفعه إلى تبنى استراتيجية أقل تصعيدًا وأكثر اعتمادًا على الدبلوماسية. قد يسعى إلى إبرام صفقة جديدة، ولكنه سيصر على شروط مشددة تحقق توازنًا بين الضغط الاقتصادى عبر العقوبات ومحاولة فتح قنوات دبلوماسية لضمان عدم تقدم إيران نحو تطوير سلاح نووى.
لا يتوقع أن يتغير دعم ترامب لإسرائيل بشكل كبير؛ فقد كان داعمًا قويًا للحكومة الإسرائيلية، خصوصًا فى قضايا القدس والجولان وصفقة القرن. لكن يبدو أن ترامب سيستثمر فى تحسين علاقات إسرائيل مع الدول العربية بشكل أكبر فى هذه الولاية، حيث يسعى لاستكمال مشروع تطبيع العلاقات الذى بدأ فى فترته الأولى، محاولًا دمج إسرائيل فى منظومة الشرق الأوسط كحليف رئيسى لأيمركا وحلفائها العرب.
ترامب سيسعى، على الأرجح، إلى دعم استقرار الحكام العرب الذين يعتبرهم حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة. وقد يظهر مزيدًا من المرونة تجاه قضايا حقوق الإنسان فى تلك الدول، حرصًا على إبقاء العلاقات متينة لضمان مصالح واشنطن فى المنطقة، خاصة فى ظل التوترات المستمرة مع إيران. كذلك، قد يركز فى هذه الفترة على تشجيع الإصلاحات الاقتصادية والتعاون الأمنى بدلًا من التدخل المباشر فى السياسات الداخلية.
ترامب يبدو الآن أكثر حرصًا على ترك إرث سياسى يعزز موقعه كرئيس بارع فى إدارة الملفات المعقدة، ويوازن بين الدعم الداخلى والسياسات الخارجية.
فى ولايته الجديدة، من المرجح أن يتبع ترامب نهجًا مختلفًا بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا وعلاقته بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وذلك بناءً على تصريحاته السابقة ومواقفه المعروفة من الصراع، ومن روسيا عمومًا.
قد يسعى ترامب إلى التقليل من الدعم الأمريكى العسكرى المباشر لأوكرانيا، محاولًا إنهاء الصراع أو تخفيف حدته من خلال حلول دبلوماسية بدلًا من الاستمرار فى إرسال الدعم العسكرى غير المحدود. فى خطاباته السابقة، أكد مرارًا أنه كان سيوقف الحرب بشكل سريع لو كان فى السلطة، مما قد يشير إلى نيته إجراء تفاوض مباشر بين الأطراف لإيجاد تسوية.
من المحتمل أن يسعى ترامب إلى عقد اتفاق يُنهى الصراع أو يُجمده على الأقل، حتى لو لم يتوافق ذلك بالكامل مع المطالب الأوكرانية، فى محاولة لتجنب مزيد من الاستنزاف الأمريكى فى الحرب. وقد يعيد التفكير فى العقوبات الاقتصادية التى فرضتها إدارة بايدن على روسيا، خاصة إذا اعتبر أن هذه العقوبات تؤثر على الاقتصاد الأمريكى والعالمى.
ترامب معروف بعلاقته الخاصة مع بوتين؛ إذ لطالما تحدث عن بوتين بإعجاب خلال رئاسته الأولى، كما حاول تحسين العلاقات الأمريكية الروسية حينها. من المتوقع أن يسعى ترامب فى ولايته الجديدة إلى تقوية التواصل مع بوتين واستئناف الحوارات الدبلوماسية، فى محاولة لإعادة توجيه العلاقات الأمريكية الروسية، بعيدًا عن حالة العداء القائمة حاليًا.
ورغم الانتقادات التى قد تثار حول تقاربه مع بوتين، فإن ترامب قد يستند إلى هذا التقارب كجزء من استراتيجيته لتخفيف التوترات فى أوروبا وتحقيق «السلام عبر القوة» من خلال فتح قنوات دبلوماسية. وقد يحاول أيضًا استخدام العلاقة مع بوتين كورقة ضغط على الصين فى ملفات أخرى، مثل النزاع فى بحر الصين الجنوبى والتجارة العالمية.
وبناءً على سياساته السابقة وتصريحاته، يبدو أن ترامب قد يتخذ نهجًا أكثر براجماتية مع روسيا، مسلطًا الضوء على الدبلوماسية وتجنب التصعيد مع موسكو. قد يطمح إلى استثمار علاقته مع بوتين لوقف الحرب فى أوكرانيا وتقليل الخسائر، وهو ما يمكن أن يواجه بانتقادات داخلية وخارجية، إلا أن ترامب قد يراه خطوة تحقق الاستقرار الاقتصادى والسياسى للولايات المتحدة.
ادعاء ترامب بقدرته على إنهاء الحروب، خاصة فى أوكرانيا أو مناطق أخرى من العالم، يعكس رؤيته التى قدمها مرارًا خلال حملاته الانتخابية. لكنه أمرٌ معقد، وهناك عدة عوامل تجعل تحقيق هذا الوعد صعبًا للغاية، رغم امتلاكه بعض الأدوات التى يمكن أن تساعد فى تقليل التوترات أو الضغط نحو الحلول السياسية.
ترامب يرى نفسه مفاوضًا بارعًا، ويعتقد أنه قادر على إقناع روسيا بوقف الحرب عبر فتح حوار مباشر مع بوتين، معتقدًا أن علاقته الجيدة معه قد تساعد فى تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فالمسألة أكثر تعقيدًا؛ إذ إن إنهاء الحرب لا يعتمد فقط على العلاقة بين القادة، بل يرتبط أيضًا بمصالح روسيا وأهدافها الاستراتيجية، وكذلك بموقف أوكرانيا وداعميها الأوروبيين.
قد يسعى ترامب إلى تخفيف الدعم العسكرى الأمريكى لأوكرانيا كوسيلة للضغط عليها للقبول بحل دبلوماسى، وربما يُشجع أوكرانيا على تقديم تنازلات معينة، مثل الاعتراف بسيطرة روسيا على مناطق فى الشرق. ولكن هذا الموقف قد يواجه معارضة شديدة، سواء من داخل الولايات المتحدة أو من حلفاء الناتو، الذين يرون ضرورة دعم أوكرانيا حتى تحقيق انتصار حاسم.
قد يلجأ ترامب إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا كجزء من اتفاق محتمل. لكن مثل هذه الخطوة يمكن أن تواجه معارضة كبيرة داخل الكونجرس، خاصةً أن العقوبات تحظى بتأييد واسع.
وحتى وإن رغب ترامب فى إنهاء الحروب أو تقليل التدخلات العسكرية، فإن القرارات الكبرى تتطلب أحيانًا موافقة الكونجرس أو دعم من المؤسسات العسكرية والأمنية، التى قد ترى أن التنازل فى بعض الملفات يشكل خطرًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة.
الانسحاب من الحروب أو تقليل التدخلات قد يهدد التحالفات الأمريكية فى أوروبا والشرق الأوسط. قرار إنهاء الدعم العسكرى قد يُضعف الثقة الأمريكية بين الحلفاء، ويزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسى.
إنهاء الحرب فى أوكرانيا أو حتى تخفيف العقوبات قد يتعارض مع مواقف الحلفاء الأوروبيين الذين يرون فى روسيا تهديدًا مباشرًا لأمنهم القومى، وقد يُعتبر تراجعًا فى القيادة الأمريكية العالمية.
نجاح ترامب فى إنهاء الحروب يتوقف على عدة عوامل، منها مدى استعداده لتقديم تنازلات أو اتخاذ خطوات جريئة، مثل الانسحاب من دعم أوكرانيا أو تخفيف العقوبات على روسيا. ومع ذلك، يبقى هذا النجاح مرهونًا بمدى تجاوب الأطراف الأخرى، مثل روسيا وأوكرانيا، وكذلك بمدى تجاوب المؤسسات السياسية والأمنية الأمريكية.
ترامب قد يكون قادرًا على اتخاذ خطوات تقلل من التوترات أو تشجع على الحلول الدبلوماسية، لكنه سيواجه تحديات معقدة داخلية ودولية قد تعرقل قدرته على «إنهاء الحروب» بشكل فعلى..ولكن فى النهاية سنرى ترامب جديدًا يعيد إنتاج نفسه ويقدم للعالم نموذجًا مختلفًا عما كان عليه فى ولايته السابقة.