رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من وعد بلفور إلى طوفان الأقصى.. المقاومة مستمرة

يحبس العالم أنفاسه، وتتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فى انتظار ما ستفسر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية، رغم أننا نعلم أن هذه الدولة الاستعمارية «التى تتحكم كقطب واحد مهيمن وناهب لثروات بلدان الجنوب بجانب حمايته للكيان الصهيونى فى وطننا العربى» يحكمها المجمع الصناعى العسكرى، لتحقيق مصالحها فى الاستمرار كقطب واحد فى العالم، ورغم أننا نعلم أن الرئيس القادم يحقق نفس الأهداف والمصالح، ولكن تختلف أساليب وتكتيكات الحكم من شخص لشخص آخر.
ونحن نعى تمامًا أن أمريكا قد أصابها السعار والتوحش خوفًا على مصالحها واهتزاز عرشها منذ قيام المقاومة الفلسطينية الباسلة، فى السابع من أكتوبر 2023، بعملية «طوفان الأقصى» التى زلزلت الكيان الصهيونى المحتل وكشفت كذبه وزيف مقولته أنه الأقوى عسكريًا واستخباراتيًا وإعلاميًا وكبدته خسائر كبرى.
كما حققت المقاومة الصامدة هدفًا كبيرًا وهو عودة القضية الفلسطينية إلى الاهتمام فى كل أنحاء العالم، وكشفت لشعوب العالم حقيقة الكيان الصهيونى الغاصب المحتل الاستيطانى العنصرى، الذى قام بدعم من الاستعمار البريطانى فى الثانى من نوفمبر عام 1917، عندما أصدرت بريطانيا وعدًا ليهود العالم بإقامة وطن قومى لهم، على أرض فلسطين العربية، هذا الوعد المشئوم المعروف بـ«وعد بلفور». وبالطبع من المعروف أن بريطانيا أرادت زرع هذا الكيان ليقوم بحراسة مصالحها ومستعمراتها فى الشرق، وذلك بعد اتفاقية «سايكس- بيكو 1916» التى تم من خلالها تقسيم وطننا العربى بين الإمبراطوريتين الاستعماريتين إنجلترا وفرنسا.
جاء هذا الوعد ليحقق مصالح المجموعة اليهودية الصهيونية المتطرفة التى بشرت اليهود بوطنهم الموعود على أرض فلسطين العربية، وهى المجموعة التى كان على رأسها «تيودور هرتزل» الذى أقام مؤتمرًا فى عام ١٨٩٨ ليطرح فكرته لجلب يهود العالم إلى فلسطين.
وبعد الانتداب البريطانى على فلسطين عام 1917، بدأت العصابات الصهيونية فى تحقيق أغراضها وقامت منذ ذلك الوقت بمجازرها ومذابحها لأصحاب الأرض الفلسطينيين، لطردهم من بيوتهم وأراضيهم ليحلِّوا محلهم، واستمرت الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى تحت مرأى أنظار العالم حتى يومنا هذا على مدى 107 أعوام.
ومن المعروف أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام «الأمم المتحدة» «التى تحكمت فيها أمريكا وبقية الدول الاستعمارية المنتصرة فى تلك الحرب»، أصبح للولايات المتحدة الأمريكية اليد الطولى فى حماية الكيان الصهيونى ومده بالعتاد والأموال والأسلحة المتقدمة، ليستمر فى أداء وظيفته حتى هذه اللحظة، التى نعيش فيها أسوأ عصور التوحش الاستعمارى الجديد والتوحش العنصرى الصهيونى. 
وبعد انطلاق طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية بأساطيلها وبوارجها وحاملات طائراتها لحماية كيانها حتى لا يزول أو يسقط مما تكون نتيجته انتصارًا لأمة عربية تقف شعوبها فى وجه هذا الاستعمار.
جاء طوفان الأقصى ليزيد من متاعب أمريكا التى تحاول الحفاظ على وجودها كقطب واحد مهيمن على العالم، يعانى منذ العقد الثانى من القرن الحالى الواحد والعشرين، من صعود قطبين يهددان عرشها وهما «الصين وروسيا» اللتان تصعدان على المستوى الاقتصادى والسياسى والتكنولوجى والمستوى الاستراتيجى العسكرى.
ولقد نتج عن صعود القطبين مصالح بين الدول على مستوى العالم وأصبحت هناك مصالح مشتركة بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وكوبا وإيران، يقف معها عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية التى عانت هيمنة القطب الإمبريالى الأمريكى، ومن العقوبات الاقتصادية التى يفرضها على تلك الدول ومنها دول فنزويلا والبرازيل وبوليفيا وكوبا.
ويستمر فى نفس الوقت عربدة وبلطجة الولايات المتحدة الأمريكية بإشعال الصراعات على مستوى العالم، من أجل تثبيت مصالحها، ومن هذه الصراعات مواجهة الصين عن طريق تأليب تايوان ضدها، ومواجهة روسيا عن طريق أوكرانيا وحلف الناتو، ومواجهة المقاومة الفلسطينية والشعوب الثائرة فى بلداننا العربية، عن طريق محاولة خلق حلف ناتو صهيونى عربى، يكون فيه الكيان الصهيونى هو المهيمن، وعن طريق خلق شرق أوسط جديد يضع البلدان العربية تحت امرة وهيمنة الاستعمار الأمريكى الصهيونى.
الصراع مستمر واتضحت معالمه للحفاظ على الوجود وتحقيق الأمن القومى العربى بالنسبة لوطننا العربى، فى مواجهة الإمبريالية الأمريكية المتوحشة، والدول الاستعمارية الأوروبية «فرنسا وبريطانيا وألمانيا»، والفاشية العنصرية الصهيونية، والأنظمة الرسمية الرجعية العربية التابعة للسياسات الأمريكية.
فشل العدو فى تحقيق أهداف عدوانه على غزة وهى القضاء على المقاومة الفلسطينية واسترجاع الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، والتهجير القسرى للفلسطينيين إلى مصر والأردن وإقامة دولته اليهودية القومية.
لم يكتف الكيان الصهيونى بإبادة الشعب الفلسطينى فى غزة والقتل والتدمير، واعتقال أكثر من عشرة آلاف فلسطينى وفلسطينية فى الضفة الغربية، ولكنه بدأ وبضوء أخضر من أمريكا فى تنفيذ مخطط خلق الشرق الأوسط الجديد، فدخل على دولة لبنان العربية الحبيبة، ليمارس عدوانه للقضاء على المقاومة، بل وامتد عدوانه مباشرة على إيران وسوريا، وذلك لتوسيع الحرب إقليميًا أو حتى عالميًا، فما يهمه هو دولة إسرائيل الكبرى وهذه خريطتها «فلسطين وسوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر وجزء من السعودية».
إن الشعوب العربية وشعوب العالم الحر، تقف بجوار الحق الفلسطينى ضد العدوان الصهيونى وتطالب بوقف العدوان فورًا، ووقف الإبادة الجماعية، والتطهير العرقى، والتهجير القسرى، كما تطالب بتحرير فلسطين، ومحاكمة مجرمى الحرب من الحكومة اليمينية الصهيونية المتطرفة، على جرائمهم فى حق الإنسانية، كما رفعت الشعوب سلاح المقاطعة الناجع، مقاطعة الكيان الصهيونى ومن يدعمه، اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وفنيًا ورياضيًا وعلى المستوى الأكاديمى. ومهما طال العدوان والظلم ستنتصر المقاومة، فالتاريخ علمنا أن المقاومة هى الحل وأن خروج المستعمر ببذل التضحيات الكبرى، ومنها ما يقدمه على مدى الدهر، الشعب الفلسطينى الصامد فى ملحمة المقاومة ضد المحتل الصهيونى.
أخطأ من يعتقد أن المقاومة وخيار المقاومة مجرد أشخاص يمكن اغتيالهم، أو أفكار يمكن احتواؤها، متجاهلين أن المقاومة وليدة الاحتلال والظلم والقهر والاستبداد، وأينما يوجد المحتل لا بد أن توجد المقاومة، إن مايقوم به الكيان الصهيونى من إبادة جماعية بتجويع الشعب الفلسطينى وتعطيشه ومنع الدواء عنه إبادة جماعية، وما يقوم به من تطهير عرقى وتهجير قسرى وما يرتكبه العدو من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى فلسطين ولبنان يؤكد أن المقاومة هى الحل وأن خيار المقاومة حياة وعزة وكرامة وشرف.
وأخطأ العدو الصهيونى حين تخيل أن اغتيال قادة المقاومة، سيضعف المقاومة، ويقضى عليها ويكسر عزيمة وإرادة الحاضنة الشعبية، لها، لقد تأججت نار المقاومة وزاد اشتعالها بعد الاغتيالات «الشيخ أحمد ياسين، أبو على مصطفى، فتحى الشقاقى، عماد مغنية، ياسر عرفات، صلاح العرورى، إسماعيل هنية، سماحة الشيخ حسن نصر الله ورفاقه، يحيى السنوار»، لن تستسلم المقاومة ولن تنكسر إرادة الشعوب.