(الحرب).. المؤامرة الجيوسياسية فى الشرق الأوسط
قبل خمسين عامًا، نجح الكاتب الأمريكى، بوب وودوورد، فى كشف فضيحة «ووترجيت» وسقوط الرئيس الأمريكى الراحل، ريتشارد نيكسون.. والآن تقف الولايات المتحدة عند نقطة تحول مرة أخرى.. فالشرق الأوسط وأوكرانيا مشتعلان، والولايات المتحدة غارقة فى الاضطرابات.. يختفى رئيس ثمانينىـ جو بايدنـ عن الأنظار، ويلوح التهديد فى الأفق، بفوز ترامب بولاية ثانية، مثل سيف ديموقليس، وهو مثل يُضرب للتهديد بالخطر.. وفى هذه الأجواء، يظهر كتاب جديد «الحرب»، وهو الرابع لوودوورد عن دونالد ترامب، ولو جزئيًا على الأقل، تصفه جريدة «الجارديان» البريطانية بأنه «كتاب رصين ولكنه مثير للقلق»، مع أن وودوورد يصف ترامب بأنه، «أسوأ بكثير من نيكسون.. والرئيس الأكثر تهورًا واندفاعًا فى تاريخ الولايات المتحدة».
وقبل أقل من شهر على انتخابات الرئاسة الأمريكية، فجّر الكاتب الصحفى الأمريكى الشهير، بوب وودوورد فى كتاب تحت عنوان «الحرب»، مفاجآت ظلت طى الكتمان لسنوات، تضمنت كواليس المشهد السياسى فى الولايات المتحدة، فيما يُزيح الستار عن محادثات صريحة وأوصاف بذيئة، جرت بين الرئيس، جو بايدن، ونظيره السابق، دونالد ترامب، والرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، وتفاصيل أخرى مثيرة بشأن العلاقة المتوترة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، منذ بدء الحرب فى غزة.. كما تطرق- بشكل وجيز- إلى دور كامالا هاريس، المؤثر فى تحديد السياسة الخارجية الأمريكية.. وأخيرًا موقف الدول العربية من الحرب فى غزة.
سرد تقرير مطول لشبكة «سى. إن. إن» الإخبارية، تفاصيل الكتاب الجديد، الذى يعد الرابع منذ فوز ترامب بالرئاسة فى 2016، بعد أن أسهم وودوورد فى كشف فضيحة «ووترجيت» الشهيرة فى سبعينيات القرن الماضى، التى أسهمت فى الإطاحة بالرئيس الجمهورى حينها، ريتشارد نيكسون، من منصبه، بعد اكتشاف فضيحة علمه بمخطط لاقتحام مكاتب الحزب الديمقراطى فى مبنى «ووترجيت»، وزرع أجهزة تنصت.
ورغم الدعم العلنى الأمريكى لإسرائيل، أظهر الكتاب إحباط الرئيس الأمريكى، جو بايدن، الشديد من رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو.. وبحسب مقتطفات نقلتها صحيفة «نيويورك تايمز» عن الكتاب، سأل بايدن فى إحدى المحادثات فى أبريل الماضى نتنياهو بشكل مباشر: «ما هى استراتيجيتك، يا رجل؟».. وعندما أصر نتنياهو على التوغل فى جنوب غزة، رد بايدن بحزم، «بيبى، ليست لديك استراتيجية».. ولاحقًا فى مايو، بعد إصرار نتنياهو على غزو رفح الفلسطينية، رغم التحذيرات الأمريكية، وصف بايدن نتنياهو لمستشاريه بألفاظ بذيئة، واصفًا إياه بالكاذب، مضيفًا أن معظم فريقه أيضًا كذابون، «18 من 19 كلهم كذابون».. كما ذكر الكتاب أن بايدن عبَّر عن شكوكه فى دوافع نتنياهو، قائلًا إنه «لا يهتم بحماس، بل فقط بنفسه»، مستخدمًا تعبيرات أكثر حدة.
وبلغ التوتر ذروته فى يوليو، عندما صرخ بايدن فى وجه نتنياهو، بعد غارات إسرائيلية أدت إلى مقتل القائد العسكرى البارز فى حزب الله، فؤاد شكر، والعديد من المدنيين فى غارة جوية بالقرب من بيروت، بعد أن قتلت إسرائيل إسماعيل هنية، الزعيم السياسى لحركة حماس، فى زيارة لإيران. قائلًا: «بيبى، ما هذا بحق الجحيم؟».. وحذر بايدن نتنياهو: «أنت تعلم أن تصور إسرائيل حول العالم يتزايد على أنها دولة مارقة، فاعل مارق».. وتضمن الكتاب الجديد أيضًا تصريحات مثيرة لبايدن مليئة بالألفاظ النابية وتفاعلاته مع قادة العالم، بدءًا من نتنياهو، الذى وصفه بـ«الرجل السيئ»، حتى نظيره الروسى الذى وصفه بـ«بوتين اللعين» و«مثال الشر»، وذلك بعد وقت قصير من الغزو الروسى لأوكرانيا.. كما انتقد بايدن طريقة تعامل الرئيس السابق، باراك أوباما، مع غزو بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، وخلص إلى أن «باراك لم يأخذ بوتين على محمل الجد قط».
كما كشف أيضًا عن محادثات خاصة أجراها ترامب مع بوتين، قد تصل إلى سبع مرات على الأقل، منذ مغادرته المكتب البيضاوى فى يناير 2021.. ونقل وودوورد، عن مساعد ترامب، قوله، إن الرئيس السابق أمره بالخروج من مكتبه فى منتجع «مارالاجو» بولاية فلوريدا، فى حادثة وقعت مطلع 2024، لكى يجرى مكالمة مع بوتين.. وعادة ما يتحدث رؤساء أمريكيون سابقون مع قادة دول بعد مغادرتهم مناصبهم، ولكن تحدثهم مع خصوم للولايات المتحدة دون التنسيق أولًا مع وزارة الخارجية أو البيت الأبيض، ليس أمرًا معتادًا.
وذكر الكتاب أن ترامب، حين كان فى المكتب البيضاوى فى 2020، أرسل معدات لاختبارات فيروس «كوفيد 19»، التى كانت نادرة حينها، إلى بوتين فى الأيام الأولى للوباء، لاستخدام بوتين الشخصى، فى حين كانت الولايات المتحدة ودول أخرى تواجه نقصًا حادًا فى هذه الأجهزة.. وعُرِف عن بوتين خلال فترة وباء كورونا، أنه كان قلقًا ومتوترًا إزاء احتمال الإصابة بالفيروس، وحينها حض بوتين ترامب على ألا يعلن عن البادرة، وقال له، «لا أريدك أن تخبر أحدًا، لأن الناس سيغضبون منك، وليس منى».. وخلص وودوورد فى كتابه الجديد، إلى أن تواصل ترامب مع بوتين، فى وقت يخوض فيه حربًا ضد دولة حليفة للولايات المتحدة، يجعله غير أهل للرئاسة بدرجة أكبر مما كان عليها نيكسون.. ووصف الكاتب ترامب بأنه أكثر الرؤساء تهوّرًا واندفاعًا فى التاريخ الأمريكى، وهو يُظهر الشخصية نفسها كمرشح رئاسى هذا العام.
كما قدم الكتاب وصفًا صريحًا للحظات مهمة، بينما يتنقل بايدن وفريق الأمن القومى التابع له فى الأزمات الدولية، من الانسحاب الكارثى من أفغانستان، إلى مواجهة بوتين قبل أن يتولى رئاسة البلاد.. وكتب وودوورد أن فريق الأمن القومى التابع لبايدن اعتقد فى وقت ما أن هناك تهديدًا حقيقيًا، وهو احتمال بنسبة 50%، بأن يستخدم بوتين الأسلحة النووية فى أوكرانيا.. وأظهر وودوورد أنه فى الفترة التى سبقت الغزو الروسى، حصلت الإدارة الأمريكية على كنز من المعلومات الاستخباراتية، التى أظهرت «بشكل قاطع» فى أكتوبر 2021، أن بوتين كان لديه خطط لغزو أوكرانيا بـ175 ألف جندى.. وحينها واجه بايدن بوتين بالمعلومات الاستخباراتية مرتين فى ديسمبر 2021، أولًا فى مؤتمر عبر الفيديو، فيما وصفه وودوورد بأنه «مكالمة ساخنة مدتها خمسون دقيقة»، لدرجة أن بوتين أثار فى مرحلة ما، خطر نشوب حرب نووية فى وقت لاحق، بينما رد بايدن بتذكير بوتين، بأنه من المستحيل الفوز فى حرب نووية.. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة، رفض الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، فكرة أن بوتين سوف يغزو أوكرانيا بالفعل، حتى بعد أن أخبرته نائبة الرئيس، كامالا هاريس، خلال اجتماع فبراير 2022 فى مؤتمر ميونيخ الأمنى، أن الغزو وشيك.
واستنادًا إلى مئات الساعات من المقابلات مع مشاركين مباشرين، أزاح كتاب «الحرب»، تفاصيل عن قرار بايدن التنحى عن حملة 2024 ومحادثات حول المشاكل القانونية التى يواجهها نجله هانتر بايدن.. فسرد لحظات ناقش فيها وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، وبايدن، الخطر السياسى المُحدق بالرئيس، وفق موقع «أكسيوس».. وأفاد وودوورد، بأنه أثناء غداء فى 4 يوليو بالبيت الأبيض، طرح بلينكن سلسلة من الأسئلة حول إيجابيات وسلبيات استمرار بايدن فى السباق الانتخابى.. وأوضح بلينكن أن الخروج من السباق، كان قرارًا لا يمكن إلا لبايدن اتخاذه، وليس أن يكون مُجبرًا عليه.
وتوالت ردود الفعل على كتاب «الحرب»، حيث نفى ترامب بشدة ما ورد فى الكتاب.. وفى مقابلة مع جوناثان كارل، من شبكة «إيه بى سى نيوز»، وصف الرئيس السابق وودوورد، بأنه «مجرد راوٍ، راوٍ سيئ فى الواقع.. لقد فقد صوابه تمامًا».. وشنت حملة ترامب هجومًا حادًا على كتاب وودوورد، ووصفته بأنه شخص «وضيع تمامًا.. وبطىء الفهم، وكسول، وغير كفء.. وبشكل عام، شخص ممل بدون شخصية».. ورأت أن الكتاب «يصلح لاستخدامه كورق للمرحاض».. ولم ترد الحملة مباشرة على ادعاءات محددة، من تلك الواردة فى الكتاب.. وقال المتحدث باسم الحملة، ستيفن تشيونج، فى بيان، «ولا واحدة من تلك القصص التى اختلقها بوب وودوورد، حقيقية.. هى نتاج عمل شخص خَرِف مُختل، يعانى متلازمة الهوس بترامب».. وأضاف، أن ترامب لم يلتق وودوورد، ولم يمنحه وصولًا إلى أى معلومات، وأشار إلى أن ترامب يُقاضى الكاتب بسبب كتابه السابق «غضب»، الصادر عام 2021، لكن البيان، الذى أصدره تشيونج، لم يذكر إذا ما كان ترامب قد تحدث إلى بوتين منذ مغادرته البيت الأبيض.. وكان ترامب قد تعاون سابقًا مع وودوورد فى كتابه السابق، لكنه عاد لاحقًا ورفع دعوى قضائية، زاعمًا أن وودوورد لم يحصل على إذن لنشر تسجيلات مقابلاتهما علنًا.. ونفى كل من الناشر والكاتب هذه الادعاءات.
وردًا على سؤال حول التفاصيل التى ذكرها وودوورد حول بايدن ونيتانياهو، قالت نائبة السكرتير الصحفى للبيت الأبيض، إميلى سيمونز، «لديهم علاقة طويلة الأمد.. لديهم علاقة صادقة ومباشرة للغاية، وليس لدى تعليق على تلك الحكايات المحددة».. وردًا على سؤال بشأن الكتاب، قالت هاريس، للإعلامى الأمريكى، هاورد ستيرن، إن ترامب مارس التلاعب خلال كارثة صحية شهدت وفاة مئات الأمريكيين يوميًا.. وقالت هاريس لبرنامج «60 دقيقة» على شبكة «سى بى إس»: «ترامب، لو كان رئيسًا، لكان بوتين جالسًا فى كييف الآن».
من جهة أخرى، أثارت تصريحات لترامب جدلًا واسعًا تداولته وسائل الإعلام المختلفة، بعد أن زعم أنه زار غزة، على الرغم من عدم وجود دليل على قيامه بزيارة الأراضى الفلسطينية التى مزقتها الحرب.. وقال ترامب، فى مقابلة مع الإذاعى المحافظ، هيو هيويت، بعد مرور عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، إن غزة يمكن إعادة بنائها بشكل أفضل من موناكو، ملاذ الأثرياء فى البحر المتوسط، فى حالة إعادة بنائها بالطريقة الصحيحة، وفق ما أوردته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية.. وعندما سُئل لاحقًا عما كان يشير إليه ترامب، ردت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم حملة ترامب، فى بيان عبر البريد الإلكترونى، بأن الرئيس السابق «زار غزة سابقًا»، على الرغم من أنها لم تذكر متى.. وكان ترامب قد زار إسرائيل كرئيس عام 2017، عندما سافر أيضًا إلى بيت لحم فى الضفة الغربية المحتلة للقاء محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية.
●●●
وبحسب وودوورد، يشير لويد جرين، فى الجارديان البريطانية، إلى أن رئيس الوزراء البريطانى آنذاك، بوريس جونسون، قال لبوتين فى أكتوبر 2021: «ليس لديك سبب لغزو أوكرانيا»، وإن جونسون وصف بوتين بأنه «شخص حقير صغير»، ونظرت إدارة بايدن إلى أبعد من ذلك.. قالت كامالا هاريس، للرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، فى نوفمبر 2021: «نحن واثقون للغاية من أن روسيا ستفعل هذا».. أجاب الرئيس الفرنسى: «فرنسا مستعدة لفرض التكاليف.. أنا على استعداد لذلك».. ومع اندلاع الحرب، أعلنت ألمانيا أن مشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» مع روسيا لن يمضى قدمًا.. ويقتبس وودوورد أيضًا من بايدن انتقادًا حادًا لباراك أوباما، بسبب رده الفاتر على العدوان الروسى السابق.. ويقتبس وودوورد من الرئيس قوله لصديق له، عن عام ضم شبه جزيرة القرم: «لقد ارتكبوا خطأً فادحًا عام 2014.. ولهذا السبب نحن هنا.. لم يأخذ باراك بوتين على محمل الجد أبدًا.. لقد أعطينا بوتين ترخيصًا للاستمرار!.. حسنًا، سألغى ترخيصه اللعين!».
وكما كان متوقعًا، فإن ترامب وأتباعه لديهم وجهة نظر مختلفة عن بوتين.. فقد قال الرئيس السابق والمحتمل أن يصبح رئيسًا فى المستقبل، بعد أن أعلن بوتين استقلال مناطق فى أوكرانيا، بالإضافة إلى غزوها، (هذا عبقرى.. هذا رجل ذكى للغاية. أنا أعرفه جيدًا جدًا).. ويُذكِّر وودوورد القراء أيضًا، بأنه بعد أن هاجمت حماس إسرائيل فى السابع من أكتوبر، أشاد ترامب بجماعة إرهابية أخرى، واصفًا حزب الله بأنه «ذكى للغاية»، ويؤاف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلى، بأنه «أحمق».. وفى خطاب ألقاه مؤخرًا فى ديترويت، وجه ترامب تحية إلى مسعد بولس، والد زوجة تيفانى ترامب، ابنة الرئيس السابق من زواجه الثانى.. ويقال إن بولس، وهو مسيحى لبنانى، متحالف مع حزب الله.. وبعد أن ترشح دون جدوى للحصول على مقعد فى البرلمان اللبنانى، يلعب دورًا فى التواصل العربى الأمريكى لترامب.
ولنعد إلى نص وودوورد. ففيما يتصل بغزو روسيا أوكرانيا، انصاع «ماجا» للخط الأحمر.. وقال ستيف بانون، رئيس حملة ترامب السابق واستراتيجى البيت الأبيض، والذى يقترب الآن من إنهاء عقوبة بالسجن لمدة أربعة أشهر بتهمة ازدراء الكونجرس، «ستكون هذه عملية عصابات أصلية من الطراز القديم».. أما المذيع السابق فى قناة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون، فقد قلل من أهمية الغزو باعتباره «مجرد نزاع حدودى».. وعن الشرق الأوسط، يكتب وودوورد عن حالة من الغضب الشديد، والعلاقات المتوترة بين واشنطن وتل أبيب، حتى مع قيام الولايات المتحدة بتزويد الأمم المتحدة بالذخيرة والمساعدات والدعم.. ويكتب وودوورد أن بايدن وصف بنيامين نتنياهو فى وقت مبكر بأنه «رجل شرير»، وهى القصة التى نفاها البيت الأبيض فى البداية.
ويصور وودوورد بايدن ومستشاريه على أنهم أكثر قصر نظر، عندما يتعلق الأمر بالأحداث المحلية، حيث أساءوا تقدير تفويضهم ومزاج البلاد.. ويقول أيضًا، إن بايدن كان يراقب عن كثب مقاضاة الحكومة لابنه هانتر بتهم تتعلق بالضرائب والأسلحة.. وبحسب ما ورد، قال بايدن لأبى لويل، محامى هانتر: «أنا أحب ما تفعله.. استمر فى القيام بذلك».. ومنذ ذلك الحين، أدين هانتر.. كما يُظهر وودوورد بايدن وهو يندب اختيار ميريك جارلاند، الرجل الذى يشرف على مثل هذه الملاحقات القضائية، كمدع عام.. لكن فى نظر وودوورد، ترامب هو «الرجل الخطأ للرئاسة.. غير لائق لقيادة البلاد»، وهو أسوأ بكثير من نيكسون، «الرئيس الأكثر تهورًا واندفاعًا فى تاريخ أمريكا».. وفى الوقت نفسه، يواصل ترامب غضبه أثناء حملته الانتخابية.. ويقول لأنصاره: «أنا محاربكم.. أنا عدالتكم.. بالنسبة لأولئك الذين ظُلِموا وخُدِعوا، فأنا انتقامكم».. ويقول مارك ميلى، رئيس هيئة الأركان المشتركة فى عهد ترامب وبايدن، والذى تقاعد الآن، لوودوورد، إنه يخشى محاكمته عسكريًا إذا عاد ترامب إلى السلطة، «إنه إعلان متحرك، يتحدث عما سيحاول القيام به»، يحذر ميلى.. «إنه يقول ذلك وليس هو فقط، بل الناس من حوله». ويقتبس وودوورد من بانون، «سنحاسبه».
●●●
يبقى أن نقول، إن الكتاب الذى نُشِر فى الولايات المتحدة بواسطة دار نشر سايمون وشوستر، ويقع فى 448 صفحة من القطع المتوسط، ويتناول إجمالًا ثلاثة مواضيع رئيسية، هي: الحرب الأوكرانية، وحرب غزة، وكذلك حرب سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أثار ضجّة لدى صدوره فى الخامس عشر من أكتوبر الماضى؛ إذ وصفه الكاتب الأمريكى الشهير، لورنس أودونيل، بأنه «صادم، وبأنه أهمّ كشوفات أكتوبر فى القرن الواحد العشرين حتى الآن».. وكتب سايمون هندرسون، زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، «إذا كانت الجرائد هى المسودة الأولى للتاريخ، فإن كتابات بوب وودوورد هى المسودة الثانية».. وأضاف هندرسون، الصحفى السابق فى الفايننشال تايمز، «يحلم مراسلو الصحف بتصريحات ولو مقتضبة من المسئولين الكبار، أما كتاب الحرب لوودوورد، فهو من دهاليز البيت الأبيض».. وفى ظل هذه التغطية للأحداث الثلاثة، رأى سايمون هندرسون أنه كان يجدُر بوودوورد أن يُسمّى كتابه «الحروب»، بصيغة الجمع.
ونظرًا لأن الكتاب يتناول حرب غزة؛ كاشفًا عن محادثات، يقول وودوورد، إنها جرت بين مسئولين أمريكيين من جهة، وآخرين فى المنطقة العربية من جهة أخرى، فقد أثار اهتمام الناشطين العرب على وسائل التواصل الاجتماعي.. وأعرب البعض عن صدمته مما قال إنه «مواقف حكومات عربية من حرب غزة».. واتهم البعض الكاتب وودوورد، بأنه «أداة.. يستخدمها صُنّاع القرار الأمريكى لابتزاز الآخرين، وفضْح مواقفهم السريّة التى تخالف مواقفهم العلنية»، على حدّ تعبيرهم..
ورأى مؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعى، أن الصحفى الأمريكى المخضرم فى كتابه «الحرب»، تجاوز دوره كصحفى وتعدّى وجهات النظر، مدّعيًا الوقوف على أدق التفاصيل التى يصعب عليه كصحفى البتّ فيها.. ولم يقتصر اهتمام الناشطين العرب على حديث وودوورد عن حرب غزة، وإنما اهتموا كذلك بحديث السباق الأمريكى المشتعل حاليًا، ولا سيما ما يتعلق بالرئيس السابق، دونالد ترامب.. وفى مقدمة الكتاب، أورد وودوورد وصفًا للرئيس ترامب، الذى التقاه فى إحدى الحفلات بينما كان الأخير فى الأربعينيات من عمره، قائلًا إنه «رجل أعمال محتال، شخصيته مميزة، يجيد التلاعب بالآخرين فى شىء من القسوة».. وليس (الحرب) هو أول كتاب لبوب وودوورد يتعرّض فيه لترامب؛ فقد ألّف عنه خصيصًا كتابين سابقين، هما: «الخوف» الصادر فى سبتمبر 2018، ثم كتاب «الغضب» الصادر فى سبتمبر 2020.
ولأن الكتاب مثير للغاية، واستحوذ على اهتمام الكثير حول العالم، وفيه الكثير مما يجب التعرض له، فاعتقد أننا بإزاء قراءة مطولة له فى الأيام المقبلة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.