على أبواب المدينة
أقتبس هذا العنوان من اسم المسلسل المصرى القديم للمبدع أسامة أنور عكاشة، وهو ذات الاسم لمجموعة قصصية أقدم كتبها الكاتب السورى الراحل الشيخ على الطنطاوى المتوفى قبل نحو ربع قرن مضى. ورغم شهرة العملين وعبقرية كاتبيهما إلا أننى لن أتحدث عن أى منهما فى مقالى هذا، ولكننى استدعيت هذا العنوان وأنا بصدد الحديث عن المنتدى الحضرى العالمى والذى تستضيفه مصر اعتبارًا من اليوم الإثنين وتستمر جلساته حتى نهاية الأسبوع الجارى.
ففى عالم يعيش نحو نصف سكانه فى المدن ومتوقع أن يزيد هذا العدد إلى نحو 70% عند انتصاف القرن الحالى، يترك هذا التحول الحضرى آثارًا كبيرة على المجتمعات وسكانها. ومن هنا تأتى أهمية هذا المنتدى العالمى المعنى بكفالة حياة أكثر آدمية لسكان المدن. يدرس المنتدى تأثير هذا التحضر السريع وانعكاساته على السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية فى المجتمعات والمدن والبلدات. لا أرى عيبًا فى سعى البشر نحو حياة أكثر تمدينًا وتحضرًا، ولكن على البشرية أن توفر لسكان تلك المدن الحى الأدنى من الحياة الآدمية التى يستحقها البشر، كل البشر، أيًا كان لونهم أو دينهم أو عرقهم أو لغتهم. وهذا فى ظنى الهدف السامى الذى يستهدف المنتدى تحقيقه فى كل دورة انعقاد.
تأسس هذا المنتدى العالمى منذ عام 2001 وتنظمه وكالة الأمم المتحدة للبلدات والمدن المستدامة، واستهدف المنتدى منذ دورته الأولى إيجاد حلول لأزمة الإسكان العالمية، وغيرها من المشكلات والأزمات الإنسانية الكبرى مثل تغير المناخ والصراعات والفقر. هذه هى المرة الثانية التى تستضيف فيها دولة عربية جلسات المنتدى والذى ينعقد مرة كل عامين، حيث استضافت أبوظبى دورة المنتدى عام 2020، وفى دورة المنتدى لهذا العام يسعى المدعوون إلى معالجة أزمة الإسكان العالمية، والتى تتفاقم بسبب تغير المناخ وتزايد عدم المساواة، وذلك عن طريق التركيز على الإجراءات المحلية التى تتخذها الدول للتخلص من تلك المشكلات.
«كل شىء يبدأ فى المنزل» هذا هو شعار الدورة الحالية للمنتدى، إذ يرى المنظمون أن حلول كل المشكلات يجب أن تبدأ حيث يعيش الناس ويبنون حياتهم. ويعتبر المنتدى فرصة عالمية مهمة لمناقشة المبادرات المحلية الناجحة من كل دول العالم. وخلال جلساته سيسعى ضيوف المنتدى إلى البحث عما يجعل المدن أكثر استدامة مثل زيادة المساحات الخضراء كالحدائق والمتنزهات، الأمر الذى يخفف من التأثيرات السلبية لارتفاع درجة حرارة الكون وتحسين جودة الهواء، وكذلك تعزيز التنوع البيولوجى. وكلها مشكلات لم يعد الحديث فيها ترفًا- كما كنا نظن قبل أعوام قليلة مضت- إذ بدأنا نستشعر أهميتها الحقيقية فى حياتنا.
وحتى نقرّب هدف هذا المؤتمر للقارئ العزيز يكفى أن نذّكر بما أنجزته مصر فى حى الأسمرات، إذ أصبح ما تم إنجازه فى هذا الحى هو «معرض حى للعمران المستدام»، وهذا بالمناسبة ليس توصيفى الشخصى، ولكنه الوصف الذى ورد على الموقع الرسمى للأمم المتحدة لمشروع تطوير الأسمرات كواحد من المشروعات الحضرية التى اهتمت بها الدولة لتطوير العشوائيات، فضلًا على تأسيسها جهاز التنسيق الحضارى والذى لا يمكن إغفال جهوده التى تشهد بها إنجازات حقيقية تنطق بها شوارع وسط القاهرة.
ومن باب الإنصاف أن نشيد بجهود الدولة المصرية المبذولة لتحقيق الاستدامة فى عدد من المدن القائمة أو حتى إنشاء مدن جديدة وفق استراتيجيات الاستدامة، إذ تسعى الدولة إلى جعل مدننا أكثر قدرة على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية. هذا بالفعل هو ما يمكن تسميته بمصطلح «العدالة الحضرية» أو ما يمكن ترجمته بأنه الحق المكفول لكل المواطنين فى بيئة صحية ومزدهرة عن طريق تقديم خدمات صحية وتعليمية وسكنية للجميع. و بالمناسبة، فإن كل تلك تحديات تنتظر مصر مناقشتها خلال جلسات المنتدى.
حضور مميز لعدد ضخم من كبار الشخصيات والمسئولين العالميين بإجمالى عدد ضيوف يقدر بنحو 30 ألف مشارك يمثلون نحو 180 دولة، ما يعد تمثيلًا يليق بقدر مصر الدولة المستضيفة للحدث، وهو أمر يعكس قدراتها التنظيمية، كما يؤكد الثقة العالمية فى امتلاك مصر بنية تحتية وتجهيزات لوجستية تكفل نجاح تنظيم مؤتمر بهذا الحجم وبهذا المستوى من المشاركات، وليس هذا بغريب على مصر التى استضافت وبنجاح مشهود قبل نحو عامين قمة المناخ، وهو ما ننتظر أن يتكرر وبنجاح تنظيمى أكبر اعتبارًا من اليوم وحتى نهاية الأسبوع إن شاء الله.