2 نوفمبر.. ذكرى المأساة الكبرى عام 1994!
اليوم هو 2 نوفمبر، ذكرى مرور 30 عامًا على سيول 1994 التى ضربت صعيد مصر وصنفت كأسوأ حادث فى تاريخ مصر، بعدما جرفت مياه السيول عشرات القرى وتسببت فى مقتل حوالى 600 شخص وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين.
تجربتى الخاصة مع هذا الحدث المهم تعطينى الحق فى الكتابة عن هذا الحدث باعتبارى الصحافة، وما تسجله الأقلام يعد جزءًا من التاريخ بالعودة إليه نعيد تقييم الأحداث وتسجيل أحداثها.
ودون الاتهام باستغلال هذه المساحة فى الحديث عن سيرة ذاتيه، فإن تداعات سيول 94 وموقف الدولة وما ترتب عليها من أضرار، لا يقتصر عن الأضرار المباشرة من هدم للبيوت أو جرف للقرى، وإنما امتد تأثيرها إلى أبعد من ذلك بكثير سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
مأساة سيول 94 كان يمكن تفاديها أو على الأقل التقليل من أضرارها لو كانت الدولة حاضرة تقدم خدماتها كما ينبغى، لكن للأسف ورغم وقوع الكارثة ظل الوضع كما هو إلى أن بدأت الدولة تستعيد دورها خلال السنوات العشر الأخيرة، ووضعت خطة تتضمن إقامة 1631 منشأ للحماية من أخطار السيول وحصاد مياه الأمطار بتكلفة 6.70 مليار جنيه خلال الأعوام العشرة الماضية، بالإضافة لتطهير مخرات السيول سنويًا قبل موسم السيول وغيرها من الإجراءات الاحترازية التى نجنى ثمارها الآن.
ففى يوم 2 نوفمبر عام 1994 استيقظت مصر على خبر مفزع بهطول أمطار غزيرة على محافظات الصعيد وجنوب سيناء، وصلت إلى حد السيول التى جرفت فى طريقها عددًا كبيرًا من القرى الواقعة أسفل الهضبتين الشرقية والغربية، والممتدة بطول محافظات الصعيد المسمى بالوادى الضيق على جانبى نهر النيل.
حجم الكارثة تضاعف بانفجار خزانات البترول فى قرية درنكة بمحافظة أسيوط نتيجة ضرب الصواعق مع قوة اندفاع المياه ما تسبب فى انفجار خزانات البترول، واشتعال النيران فى بيوت القرية بأكملها، فكانت الكارثة مضاعفة فى قرية درنكة، التى جذبت أنظار العالم إليها، بينما تراجع الاهتمام الإعلامى بباقى القرى المنكوبة.
تدفقت المساعدات على مصر من بطاطين ووسائل الإنقاذ والأغذية، لكن ما كان يصلنا من أخبار نحن محررى الصحف فى القاهرة كان يشير إلى تضاعف المأساة نتيجة الإهمال والنقص فى المساعدات التى كشفت عنها الأيام فيما بعد بسيطرة فساد الحزب الوطنى مع الأجهزة المحلية على توزيع المساعدات، وما تردد بعد ذلك من سرقة معظمها وبدء بيع بعضها على الأرصفة، لدرجة أن بعض الدول طلبت أن تشرف بنفسها على تقديم المساعدات، وقوبل هذا الطلب بالرفض.
ولأن صلتنا بالأهل فى الصعيد لم تنقطع رغم الاستقرار فى القاهرة، فكانت الأخبار تتدفق عن حجم المآسى التى يعيشونها، وحجم الخراب الذى حل بالناس فى القرى التى جرفتها السيول، وبدأت المؤسسات والأحزاب التحرك لتقديم المساعدات، إلا أن معظمها كان يقابل بالرفض من الدولة، وكانت المحافظات تشترط على من يريد تقديم المساعدات أن يقدمها أولًا فى دواوين المحافظات، وبدء توزيعها بحضور الأجهزة المحلية، ومن بين من بادر بتجهيز قافلة مساعدات من الأحزاب كان الأستاذ ضياء الدين داود أمين عام الحزب الناصرى الذى قرر أنه يذهب بنفسه مباشرة للقرى دون المرور على الوحدات المحلية، وحين سألته عن تجربته قال بانفعال: «اتبهدلنا من كل ناحية من الناس ومن الأجهزة المحلية والمساعدات اتسرقت وياريتنا ما روحنا».
فى هذه الأثناء فكرت فى تجهيز قافلة بمفردى مستغلًا علاقاتى المحدودة كونى محررًا مبتدئًا فى صفحة الخدمات بجريدة الأحرار، وكونى أيضًا أحد العاملين فى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
ولأن الفضيلة تأمرنا بإرجاع الفضل لأهله، فوجب أن أشير إلى دور الأستاذ نجاد البرعى المحامى والحقوقى الكبير، حين عرضت عليه نيتى فى جمع تبرعات لمتضررى السيول، وطلبت منه مساهمة منظمة حقوق الإنسان المصرية فيها، وبرغم عدم ارتباط نشاط عمل حقوق الإنسان بتقديم المساعدات المادية أو العينية فإنه وبصفته أمين صندوق المنظمة فى هذا الوقت طلب أن أقوم بجولة بصفتى أحد العاملين فى المنظمة على لجان المحافظات، وأمر بصرف مبلغ ألفى جنيه كبدل انتقال وإقامة لى على مسئوليته الشخصية، على أن أقوم بتسوية المبلغ بعد عودتى بما لدى من فواتير.
وكان مبلغ ألفى جنيه كبيرًا فى ذلك الوقت، فبدأت على الفور بالتحرك عند تجار الجملة بشارع الأزهر لشراء البطاطين، وكانت الصيغة التى أرددها خلال لقائى بأى تاجر بأننى صحفى وأقوم بجمع التبرعات لصالح منكوبى السيول، فإما كنت أحصل على خصومات مقابل شراء البطاطين تصل إلى نصف الثمن، أو أحصل عليها مجانًا كتبرع من التاجر لصالح المنكوبين، وهذا الموقف تكرر كثيرًا، ولم أكن أحتاج لتقديم ما يثبت صدق ما أقول لكسب ثقة التجار، فحالة التعاطف كبيرة بحجم المأساة.
نفس الأمر تكرر مع عدد من شركات الأدوية التى أجرينا معها اتصالات، ومعى زملاء من محررى صفحة الخدمات بجريدة الأحرار اليومية، فحصلنا على كميات كبيرة من الأدوية التى يحتاجها المتضررون فى هذه الظروف، خاصة أدوية البرد والمضادات.
وتبقى بعد شراء البطاطين والأدوية مبلغ من المال استطعنا جمعه وتوفيره نتيجة مساهمات التجار والشركات ساعدنا فى شراء كميات كبيرة من الأغذية لتبدأ رحلة السفر فى قلب المأساة وتوزيع المساعدات والاحتكاك المباشر مع الأجهزة المحلية والجماعات الإرهابية نرويها بتفاصيلها ومخاطرها فى الجزء التالى من هذا المقال.