خيرى عبدالجواد فى عيون أبناء جيله: "عاشق للحياة"
احتفي ملتقى موقع صدى ذاكرة القصة المصرية في مؤتمره الثالث، الذي جاء بعنوان " التراث في القصة القصيرة " وانعقد بمركز" سيا" ليحتفي باسم القاص الراحل خيري عبد الجواد، في التقرير التالي تعرف على خيري عبد الجواد في عيون أبناء جيله.
لم تتحقق أمنيته
وقال سعد القرش، إن خيري عبد الجواد (يوليو 1960 ـ يناير 2008) هو الأبرز في جيله، قاصًّا وروائيا وباحثا في التراث الشعبي.
وتوفي قبل أن يتم عامه الثامن والأربعين، وآثاره تفوق رفاق جيله بعد تجاوزهم سن الستين، عشق الحياة كأي ابن موت يتوقع قرب النهاية، ومنذ قصصه الأولى يحضُر الموت أليفا مستأنسا، حتى إنه سألنا ضاحكا عن مصائر مكتباتنا بعد وفاتنا؟ قلت إننا سنعيش حتى تتحقق أمنيته، ويرى بائع كُتب في مدخل بولاق الدكرور، ينادي على كتاب «حارة علي أبو حمد»، والحارة يعرفها أبناء بولاق، يحثّهم على قراءته، كما يفعل بائعو الصحف؛ لإغراء الناس بواقعة شائقة أو فاجعة ليشتروا الصحيفة.
وأشار القرش الى الى ان مات خيري عبد الجواد ولم تتحقق أمنيته، كما مات عبد الحكيم قاسم وهو يتمنى رؤية إحدى رواياته في يد قارئ بحافلة أو قطار. أحلام الموهوبين متواضعة، ومستحقة، وتميل دائما إلى الاستحالة من فرط رومانسيتها. حتى فان جوخ مات فقيرا يعجز عن بيع لوحة من أعماله. والأيدي وأندية القراءة تتداول كتبا خفيفة لفقراء الموهبة. يحظون بالكثير، والبعض يعميه غبار النجاح المؤقت؛ ويصدق نفسه. ثم يرى نهايته في حياته، ويعيش عقدين مقهورا لا يصدق عدم اهتمام الناس بالسؤال عنه: أهو حي؟ فالجيل الجديد يختلق أوهامه، ويزهد زبَدا استنفد الآباء أغراضه، وأخذ حظه من الطفو والزهو والاستعلاء. خيري كسب الرهان حيا، وإلى اليوم.
وختم القرش في بدايات عملي بالصحافة، أتيح لي أن أختبر نفسي كبار الأدباء أصدقائي منذ كنت طالبا في كلية الإعلام. صداقة جنّـبتني الدهشة، وعصمتني من اصطناع آلهة يطوف البعض حولها، للقسَم بحياتها وإبداعها. قدّرتُ أن الأصغر سنًا يستطيع الإتيان بما يعجز عنه كبير اكتسب مكانته بالتقادم. في صحيفة «الأهرام المسائي»، اقترحتُ نشر قصص وروايات مسلسلة لكتاب شبان، بدلا من أعمال لكتاب فقدت كتابتهم طزاجتها. في رهاني على أعمال جاذبة، استشهدت برواية أولى عنوانها «كتاب التوهمات» للكاتب الشاب خيري عبد الجواد.
ربابة حقيقية
قال الكاتب القاص يوسف فاخوري أتذكر حين كنت فى زيارة لأسوان، وأنت تصر على شراء ربابة حقيقية. ورفضت الربابات الزائفة المصنوعة للسائحين. يومها عثرنا بعد جهد على ربابة قديمة، لكنك حملتها بفرح طفولى وكأنك عثرت على كنزك. وأنت الآن هناك إرفع ربابتك بيد وقلبك بالأخرى، فحولك الآن أبطالك الحقيقيون ينشدون سيرهم التى عشقت. فأى فرح يقهر روح العدم أعددته قيد حياة لتقابله فى المنتهى.
وأضاف “ فاخوري” ونحن نقع على حروفنا الأولى. أنت وإبراهيم فهمى وأنا وكأننا نكتشف ثروتنا. وهج الكلمات حين تتحقق على الورق، وخوف الصمت أن يبوح بالكلمات، وكل يحاول لغته بحس حداد يطرق بأقصى طاقته قطعة حديد تتوهج ليصل إلى شفرتها. غاص إبراهيم فهمى فى نوستالجيا أرض الأجداد، وسبحت أنت فى بحار المأثور والحكى، وكنت أطل عليكما بدهشتى.
وأكد فاخوري كنت مفتونًا بحس الجمال فى الكلمات. تأخذك الدهشة تتلاعب بك أم تتلاعب بها.ليس من يقين أو إجابة حقيقية فكلاهما مراوغ، خائف أحدكما من الآخر. والحد الفاصل من يقدر على اقتحام الآخر. من منكما يقدر على خيانة الآخر وانتهاكه كى يتحقق. فإن تحققت الكلمات على الورق أصبحت نصًا. وإن راوغت خفت من لحظتك وانطوت الحروف داخلك لروعة حكى قادم.
وتابع: كنت تهرب من أوجاع الحياة إلى كتابة الموت عبر الورق. فهل تواصل اللعب من الأبد إلى الوقائع الأرضية. أنت البواح بالحكى أدركت معنى الصمت قبل أن ندركه. تركت لنا طريقًا عليه أن يتفرع إلى عشرات الطرق كى يتسع الحكى على ورق لا يحتمل ثقل الحكايات. كنت خيانتنا المعلنة لأشكال التعبير، وكفرنا المبين بمقدسات الكتابة. كتابة بلا صلاة معلنة. ومن قال إن الصلاة على الملأ ـ صلاة. هذا ما لم يدركه زماننا الشبيه بالزمان ـ لكن دوران الساعة فارغ من الوقت
استعادة حياة الآخرين
قال الناقد شوقي عبد الحميد: لم يكتف خيرى باستعارة حياة الآخرين، بل كان هو ذاته محل كتابة القصة، فنقرأ فى قصة "حكاية المرأة التى ولدت تحت الجمل" قصته التى شاعت عنه وأمه، حتى قيل أنه سُمى ب"جمال" لهذه الواقعة، حيث يبين تلك العلاقة القوية، والاتباط بينه وبين أمه. كما أنها تكشف عن عناصر الكتابة عنده منذ البداية المبكرة.
وأكد عبد الحميد على لم يكن مولد خيرى يوم 24 يوليو عام 1960 ليمر مرورا عابرا. فكان في كل عام يكتب شيئا يربط فيه بين مولده وذلك التاريخ، وكانت آخر هذه المحاولات هي قصته القصيرة الرائعة "العشة" التي تصدرت آخر، التى ربط فيها بين الإحباط الشخصي، والاحباط الذي زعزع إيمان المؤمنين بيوليو ١٩٥٢وبخر أحلامهم.