أمارات المحبة
هناك أماراتٌ للمحبة تظهر بين البشر والعائلات والكيانات وأيضًا الدول. أبرز تلك الأمارات هى الفرح لفرحة الطرف الآخر، لكن قمة المحبة تبرز حين تكون سعادتك لفرحة شريكك صادقة وواضحة وحقيقية، حتى لو كانت فرحته تلك على حسابك أنت شخصيًا، أو ما يمكن أن نسميه بالإيثار، وهو درجة من المحبة لا يبلغها إلا الأنقياء. هذا الإيثار هو دليل كمال الأخلاق ورفعتها، والسبيل لترسيخ المحبة بين البشر وبعضهم بعضًا.
قد تجد هذا الإيثار فى علاقة عاطفية، أو مشاعر أبوية، أو حتى فى الممارسات الرياضية. فكم بلغت محبة شعب اليابان لبطلنا الأوليمبى «محمد على رشوان» حين اتصف بالإيثار ولم ينل من خصمه ياماشيتا فى أوليمبياد لوس أنجلوس 1984 بضربه فى قدمه المصابة لينال الميدالية الذهبية فى فرصة لا تتكرر كثيرًا، وآثر بطلنا أن يكتفى بالفضية. ولكنه نال فى مقابل تلك الميدالية الذهبية محبة واحترامًا من شعب اليابان كله، ثم جاء بعد ذلك نسب ومصاهرة حين تزوج من فتاة يابانية أعجبها موقفه.
وفى مجال كرة القدم أيضًا هناك أمثلة - وإن كانت نادرة- لمواقف تعزز المحبة وتعد دليلًا عليها ورسولًا لها بين الأفراد ربما، وربما بين الدول أيضًا. ذلك هو ما فعلته مباراة كرة قدم بين فريقى الأهلى والعين الإماراتى. تلك المباراة التى جاءت عقب احتجاز ثلاثة رياضيين مصريين فى الإمارات على خلفية سلوك وصف بأنه غير رياضى، ما استدعى تدخلًا من مستويات عليا لينتهى الأمر على خير بعفو من سمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات.
ولكن قبيل هذه النهاية وحتى قبل صدور قرار العفو وعودة لاعبى الزمالك إلى مصر، كان هناك من يخشى أن تؤدى الأحكام التى نالها الشباب الثلاثة إلى خروج مباراة الأهلى والعين بشكل غير رياضى أو أن تنتهى إلى تداعيات غير محمودة استغلالًا للشحن الإعلامى من بعض الجهلاء، واستثمارًا للحشد الجماهيرى الذى بلغ نحو ثمانين ألف مشجع مصرى حضروا المباراة فى استاد القاهرة الدولى مقابل عشرات من المشجعين الإماراتيين. لكن من تعاملوا مع الشعب الإماراتى وعرف حسن خلقه، ومن عرف طبيعة الشعب المصرى وخبر طيبته لم يشك للحظة أن هذه المباراة ستمر كغيرها دون أى تأثير.
ذلك هو ما حدث بالفعل، ولكن الأهم من ذلك هو أن تلك المباراة تحولت إلى نقطة قوة لدعم العلاقات الثنائية وفقًا لما قام به بعدها عدد من مشاهير البلوجرز الذين حضروا المباراة من دولة الإمارات، فرأوا بأعينهم شعبًا مصريًا متحضرًا يعشق الرياضة، ويعرف قيمتها ويدرك رسالتها، فالرياضة كانت وستبقى سببًا للتقارب ودعم العلاقات بين الدول والشعوب وليس العكس.
ذلك هو ما فعله البلوجر الإماراتى الأشهر عادل جمال الذى خرجت فيديوهاته ورسائله بعد المباراة ولعدة أيام بمذاق عروبى أصيل، ممتدحًا سلوك المصريين مع الضيوف، سواء كانوا لاعبين أم مشجعين، على عكس ما كان عليه المحتوى الذى قدمه قبل تلك المباراة. وتحول الرجل من الاستفزاز إلى حديث المحبة الخالصة. كما أحسن عدد من البرامج باستضافة الرجل الذى مارس كرة القدم من قبل فى نادى العين الإماراتى، لتأتى تصريحاته كلها فى سياق أخوى ورياضى ليس بغريب على شعب الإمارات وأهلها. وفى هذا رسالة تقول إن الرياضة يمكن أن تكون جسرًا يعزز الأواصر بين الدول إن هى تُركت للعقلاء ليديروا دفتها ويحسنوا توظيفها بما يقرب ولا يفرق.
فمن شأن رسائل عادل جمال وأمثاله كاليوتيوبر عبدالله الأفندى وغيرهما من المؤثرين فى السوشيال ميديا، المليئة بالمحبة بما لهم من جماهيرية فى الإمارات وقوة تأثير فى فئة الشباب على وجه الخصوص- أن تزيد من تدفق السياح الإماراتيين إلى مصر، كما يمكن لها أن تزيد من رغبة المستثمرين الإماراتيين فى ضخ مزيد من استثماراتهم فى السوق المصرية سواء الرياضية أو غير الرياضية. ولعل أبلغ ما قاله جمال إن موقفه هذا ليس إلا تفاعلًا مع ما لقاه من محبة صادقة وغير مفتعلة استقبلته بها الجماهير المصرية. هذه هى الرياضة الحقيقية وتلك هى رسالتها الصادقة.