رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استثمار فى مستقبل مصر

مصر من أوائل البلدان التى تبنت مشروع رأس المال البشرى الذى أطلقه البنك الدولى بهدف خلق طلب على الاستثمار فى العنصر البشرى، باعتباره مفتاحًا لتحقيق النمو العادل. ويهدف المشروع إلى دعم البلدان فى تقوية استراتيجياتها واستثماراتها لتعزيز رأس المال البشرى من أجل تحقيق نتائج أفضل.

وتشهد مصر إصلاحات اجتماعية واقتصادية كبيرة منذ عام ٢٠١٤. ومن بين الأهداف الرئيسية لهذه الإصلاحات تهيئة البيئة الداعمة لعمل القطاع الخاص، ليصبح قاطرة للنمو وخلق الوظائف، وقد تضمن ذلك العمل على دمج مصر فى الاقتصاد العالمى. وأسفر برنامج الإصلاح عن استقرار أوضاع الاقتصاد الكلى وتعافى معدلات النمو. لكن هذه الإصلاحات تسببت أيضًا فى معاناة الفئات الأشد فقرًا والأولى بالرعاية من السكان، وللحد من الآثار السلبية المصاحبة للإجراءات الإصلاحية على هذه الفئات، ضاعفت الحكومة استثماراتها فى تطوير رأس المال البشرى.

فى قضية بناء الإنسان المصرى، تقوم الدولة، حاليًا، بدور بالغ الأهمية، يتمثل فى استخدام التكنولوجيا فى كل المجالات، من أجل الوصول إلى شخصية مصرية جديدة تتواكب مع العصر الحالى الذى نحياه. وتتمثل فى أمور كثيرة قد تأخذ بعض الوقت، لكنها ستحقق فى النهاية الهدف المنشود، وهو ما جعل القيادة السياسية حريصة على تعيين نائب لرئيس الوزراء للتنمية البشرية. فمصر حاليًا تنتهج سياسة واضحة وصريحة فى عملية الاستثمار فى البشر، وتلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا فى تحويل الاستثمار فى رأس المال البشرى فى مصر، ما يسهم بشكل كبير فى تطوير التعليم، وتحسين جودة التدريب، وزيادة فرص التعلم مدى الحياة. ويتم، حاليًا، دمج التقنيات الرقمية فى العملية التعليمية، ما يوفر تجربة تعليمية أكثر تفاعلية ومرونة للطلاب، وتوفير محتوى تعليمى متنوع وذى جودة عالية عبر الإنترنت، ما يوسع نطاق الوصول إلى المعرفة وتخصيص مسارات التعلم بناء على احتياجات وقدرات كل طالب. وتوفير برامج تدريبية مرنة وسهلة الوصول إليها، ما يتيح للأفراد تطوير مهاراتهم فى أى وقت ومن أى مكان. وتوفير برامج تدريبية تتناسب مع احتياجات سوق العمل.

ويعد الاستثمار فى رأس المال البشرى إحدى ركائز التنمية المستدامة فى أى دولة، ومصر ليست استثناءً. هذا الاستثمار لا يقتصر على التعليم التقليدى فحسب، بل يشمل مجموعة واسعة من الجوانب التى تسهم فى تطوير قدرات الأفراد ومهاراتهم، وبالتالى تعزيز مساهمتهم فى النمو الاقتصادى والاجتماعى للبلاد. فالأفراد المهرة والمتعلمون هم القادرون على ابتكار أفكار جديدة وتطوير التقنيات الحديثة. والدول التى تستثمر فى رأس المال البشرى تكون أكثر قدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويؤدى الاستثمار فى رأس المال البشرى إلى زيادة الدخل الفردى وتحسين نوعية الحياة. وهذا يتطلب بطبيعة الحال تحسين جودة التعليم على جميع المستويات، وتطوير المناهج الدراسية وتدريب المعلمين. وربط التدريب المهنى بسوق العمل، وتوفير برامج تدريبية متخصصة فى المجالات الواعدة، إضافة إلى الاهتمام بصحة الأفراد من خلال توفير الرعاية الصحية الشاملة، ومكافحة الأمراض، ودعم البحث العلمى وتشجيع الابتكار.

وهناك تحديات تواجه الاستثمار فى رأس المال البشرى فى مصر، ولا بد من التغلب عليها، ومنها نقص التمويل، ما يستدعى إيجاد حلول لزيادة الاستثمارات فى التعليم والتدريب. ولا بد من ضرورة الإصلاح الإدارى والتطوير وضرورة ربط التعليم بسوق العمل. إن الاستثمار فى رأس المال البشرى هو استثمار فى مستقبل مصر، ويجب على الدولة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص التعاون فى هذا الشأن.