زيارة الرئيس الجزائرى
الشهر الماضى، أُعيد انتخاب الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون لولاية ثانية، وأمس الأول، الأحد، وصل القاهرة، فى «زيارة عمل وأخوة»، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأجرى الرئيسان «مباحثات معمقة»، عكست تطابق الرؤى المصرية والجزائرية بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وتضمنت تأكيد عمق ومتانة العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، وما يجمعهما من أواصر أخوة شعبية متجذرة فى التاريخ، وأكدا حرصهما على مواصلة مسيرة التعاون المشترك، ودفعها إلى آفاق أرحب.
تناول الرئيسان الأوضاع فى ليبيا والسودان ومجمل القارة الإفريقية، وأشارا إلى أهمية التنسيق المشترك، بما يضمن مصالح القارة ويدعم جهودها التنموية، كما شدّدا على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة ولبنان، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، وجددا رفضهما تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مؤكدين مسئولية المجتمع الدولى عن حماية المدنيين من الاعتداءات الجسيمة، التى يتعرضون لها، وأكدا، كذلك، ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية. وخلال المؤتمر الصحفى المشترك، تحدَّث الرئيس السيسى عن مبادرة مصرية، أيدها الرئيس تبون، لهدنة قصيرة الأمد، تبدأ بيومين، ثم ١٠ أيام، تتخللها مفاوضات لتبادل عدد من الأسرى والمحتجزين، غير أن ذلك الإرهابى، الذى يترأس حكومة دولة الاحتلال، حسب وسائل إعلام عبرية، رفض هذه المبادرة!
فى مثل هذا الشهر، منذ سبعين سنة، تحديدًا فى يومى ١٠ و١٤ أكتوبر ١٩٥٤، جرى التحضير للثورة الجزائرية، التى انطلقت فى أول نوفمبر التالى، خلال اجتماعين عقدتهما القيادة المصرية، هنا، فى القاهرة، مع قادة مناطق الثورة الجزائرية الست. وعليه، حرص الرئيس السيسى على تهنئة الدولة الشقيقة، بالذكرى السبعين لانطلاق ثورتها، التى قال الرئيس تبون، مشكورًا، إنه لا يمكن ذكرها، دون ذكر المساندة المصرية، مذكّرًا بأن مصر حملت شعلة القومية العربية، ودعمت كل الشعوب فى مواجهة الاستعمار.
تأسيسًا على الإرث، والقواسم المشتركة، كانت الجزائر هى أول دولة يزورها الرئيس السيسى بعد توليه الرئاسة، فى ٢٠١٤، وتعززت قنوات التواصل، خلال السنوات العشر الماضية، ولم تنقطع اللقاءات بين رئيسى ومسئولى البلدين، وصولًا إلى زيارة الرئيس تبون، التى قال خلال المؤتمر الصحفى المشترك، إنها «أخوية فى المقام الأول»، و«تنسيقية وتشاورية مع الرئيس السيسى فى عدة نقاط تهم الأمة العربية والمنطقة بشكل كامل»، وكذا بشأن العلاقات الثنائية، التى أكد أنها على أحسن ما يُرام، وأن هناك تفاهمًا تامًا، ورغبة متبادلة، فى العمل سويًّا، عبر ضخ استثمارات كبيرة، لافتًا إلى أن مصر تأتى فى صدارة الدول التى تستورد منها الجزائر احتياجاتها، بقيمة تصل إلى مليار دولار، وأن بلاده تطمح فى المزيد.
أسعدتنا، طبعًا، إشارة الرئيس تبون إلى أن الشركات المصرية «المعروفة بقدرتها على الإنجاز»، حسب وصفه، شاركت فى تنفيذ الكثير من المشروعات بالدولة الشقيقة. وأسعدنا، كذلك، تأكيده أن بلاده تفتح أبوابها أمام الشركات المتخصصة فى البناء والتعمير وإقامة المدن الجديدة، وإشارته إلى أن «مصر لديها تجربة تتحدث عن نفسها» فى هذا المجال، وتشديده على استقرار استثمارات المصريين فى الجزائر. وهو ما أكده الرئيس السيسى، بحديثه عن «المعاملة الكريمة للشركات المصرية» هناك، وإشارته إلى أن مصر لديها أكثر من خمسة آلاف شركة يمكنها أن تعمل فى مختلف المجالات، وفى أى مشروعات تخص البنية الأساسية، قبل أن يؤكد، أيضًا، أن هناك فرصًا للاستثمارات الجزائرية، وأننا نرحب بذلك.
.. وتبقى الإشارة إلى أن القاهرة ستستضيف، قريبًا، كما أكد الرئيسان، الدورة التاسعة للجنة المشتركة بين البلدين، التى كانت الجزائر قد استضافت دورتها الثامنة، فى منتصف ٢٠٢٢، تحت شعار «مصر والجزائر: تاريخ وقواسم مشتركة فى خدمة الشراكة الاقتصادية الواعدة»، وانتهت بتوقيع اتفاقات وتفاهمات، أضيفت إلى الإطار القانونى الثرى، المنظم للعلاقات الثنائية، الذى يضم ثمانية وخمسين اتفاقًا ومذكرة تفاهم وبروتوكولات تعاون وبرامج تنفيذية، تؤصّل لتعاون اقتصادى، يقوم على التكامل، ويضيف ركائز قوية إلى علاقات التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة وفى جميع المجالات.