أبطال عايشين بيننا
شهد استاد العاصمة الإدارية مساء أمس، احتفالًا مهيبًا حضرته حشود غفيرة تمثل محافظات مصر المختلفة، وفى القلب منها القبائل والعائلات المصرية، كما تشرفت الاحتفالية التى تم تنظيمها ضمن الاحتفالات الشعبية بالذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد بحضور السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية. ورغم مرور ما يزيد على نصف قرن على ذكرى يوم العبور العظيم، إلا أن الذاكرة الوطنية المصرية لا تزال قادرة على إبهارنا بشخصيات وطنية كان لها دور فاعل فى صناعة ذلك النصر المبين.
وللحق فإن القوات المسلحة المصرية لا تدخر جهدًا فى الكشف عن أبطال النصر سواء كانوا من العسكريين أو حتى المدنيين، وفى كل احتفالية تجد رمزًا جديدًا يكون هو موضع الحديث ورمز الاحتفال وأهلًا للتكريم من القائد الأعلى رئيس الجمهورية. وبالأمس دخل على ذات النهج اتحاد القبائل العربية الذى نظم احتفالية كبرى تليق بالمناسبة، وتكللت بحضور السيد الرئيس. ورغم كل ما قُدم فى الاحتفالية من فقرات تستحق الإشادة والتنويه إلا أننى أتوقف عند اللقطة الأبرز وهى الأفلام التسجيلية القصيرة «أبطال عايشين بيننا»، وشدت انتباه الجميع قصة المناضلة السيناوية ذات المائة عام من العطاء والوطنية أم داود أو هى الحاجة فرحانة حسين سالم سلامة.
اعتدت فى كتاباتى وعملى الإعلامى أن أشيد بجهد أبناء سيناء حضرًا وبدوًا، وأن أرد بكل قوة ويقين عن أى صوت شاذ يحاول وصمهم بما ليس فيهم، فهم كانوا ولا يزالون وسيبقون طرازًا فريدًا من الوطنية والعطاء والإخلاص للوطن. تشهد بهذا مئات القصص الواقعية التى تروى، ثم يأتى بالأمس احتفال القبائل العربية بتلك المناسبة الوطنية الأعز، لتتأكد ثوابتى تلك بسرد قصة النضال الوطنى لسيدة من مصر. فالحاجة فرحانة نموذج يحتذى من العطاء دون ضجيج، سيدة مصرية تمثل الذكاء الفطرى، إذ نجحت هذه السيدة المصرية الأمية فى تضليل أقوى عقول فى الموساد وإقناعهم بعمالتها رغم كونها فى واقع الأمر هى العين الثاقبة والقلب الأمين التى تحفظ الرموز وتنقل الرسائل والخرائط والمعلومات.
كانت الحاجة فرحانة تقطع الفيافى وعشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام لإيصال الرسائل وأخبار تمركزات قوات العدو بجسارة شديدة وقلب شجاع، حتى كانت الدماء تتجلط فى قدميها من كثرة الكيلومترات التى كانت تداوم على قطعها سيرًا على الأقدام لتنفيذ المهام بنجاح وفى سرية. وعلى الرغم من عظيم ما قدمت وبذلت تقول أم داود وبتواضع العظماء إن سيناء كلها أبطال وإنها مجرد واحدة من بينهم. ولأنها وطنية حتى النخاع واعتادت العطاء دون انتظار مقابل رغم فقرها وحاجتها للمال تتبرع الحاجة فرحانة مؤخرًا بخاتمها، وهو القطعة الذهبية الوحيدة التى تمتلكها، لصالح بناء مستشفى للأورام فى سيناء.
صحيح ليست هذه هى المرة الأولى التى تنال فيها أم داود تكريمًا من الدولة المصرية، ولكنه التكريم الأهم والأبرز، إذ يقرر رئيس الدولة فى احتفال شعبى كبير منحها تكريمًا شعبيًا يليق بقدر ما قدمت، وذلك بإطلاق اسمها على حى فى سيناء وعلى محور جديد من محاور القاهرة. سمعنا كثيرًا عن لقب شيخ المجاهدين، لكننا اليوم نحتفى بشيخة المجاهدين، وفى هذا تكريم مستحق لكل بنات حواء وللمرأة المصرية على وجه التحديد. وعلى هذا فأنا أتمنى أن تكون الحاجة فرحانة هى أيقونة الاحتفال بعيد المرأة المصرية فى مارس المقبل إن شاء الله، كما أرجو أن تستجيب قيادات الشركة المتحدة لرجائى بأن نسارع فى إنتاج سباعية درامية تذاع فى ذات الشهر على كل قنوات المتحدة تخلد لجهدها، وأرشح لبطولتها نجمتنا حنان مطاوع لتقوم بدور الحاجة فرحانة شابة، ووالدتها الفنانة القديرة سهير المرشدى لتقوم بدور أم داود فى سن العطاء جدة وأمًا للسيناويين، بل ولكل المصريين.