ماذا يقصد نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط؟
منذ عام 1982 ظل الإسرائيليون والأمريكيون يحلمون بإعادة بناء المنطقة.. ولكن كل المحاولات التى بُذِلَت حتى الآن كانت لها نتائج معاكسة تمامًا لما كان متوقعًا.. قبل عام من الآن، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملًا خريطة تُظهر «الشرق الأوسط الجديد»، قدمت رؤية للتحول الإقليمى، ترتكز على اتفاقيات إبراهام، التى تعمل من خلالها الدول العربية المجاورة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.. ولكن بدلًا من تحقيق نظام إقليمى جديد من خلال الدبلوماسية والتجارة، شهد العام الماضى حملة إسرائيلية مدمرة من الحرب والإبادة الجماعية.. لقد أدى الهجوم الإسرائيلى المستمر منذ عام على جبهات متعددة إلى تحطيم التقدم المبدئى الذى أحرزته المنطقة نحو السلام، وتعرض الاستقرار النسبى فى الشرق الأوسط فى بداية هذا العقد للدمار، بسبب الهجوم الإبادى الإسرائيلى على غزة، والقصف الجوى فى سوريا واليمن، والآن الغزو البرى للبنان.. نعم، لقد أعادت الحرب على غزة تشكيل المنطقة، لكن من خلال تعزيز الشعور بالوحدة فى جميع أنحاء العالم العربى، فى معارضة الجرائم الإسرائيلية.
فى عام 2003، تصور أصحاب الأيديولوجية، المحافظون الجدد، العراق باعتباره منارة ديمقراطية من شأنها أن تنشر التغيير فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط الجديد.. وبعد مرور عقدين من الزمن، يحدث هذا التحول على أيدى دولة استيطانية متطرفة عرقية، من خلال الإبادة الجماعية والغزو والطرد الجماعى.. لقد وسعت إسرائيل حدود ما هو ممكن ومسموح به فى الصراعات المسلحة الإقليمية، من خلال الانتهاكات الروتينية للقانون الإنسانى الدولى، واختبار مدى إمكانية دفع الدول العربية دون تصعيد كبير.. وقد قوبلت الإبادة الجماعية فى غزة، والتى جعلت المنطقة غير صالحة للسكن إلى حد كبير، بدعوات من الحكومات الإقليمية لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد.. لكن الحرب التى استمرت لمدة عام فى غزة كانت بمثابة إعلان عن تطور «الشرق الأوسط الجديد»، فيما يتصل بعلاقات المنطقة مع الدول الغربية، حيث أصبحت المعايير المزدوجة للدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين مُعلنة على الشاشة بشكل كامل.. ومع تراجع الثقة فى القيادة الغربية، أصبحت المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى الصين للتوسط فى الاتفاقيات السياسية، وكشريك فى التقدم التكنولوجى وجهود إعادة البناء.
فى الخريطة المُعدلة التى أعدها نتنياهو للشرق الأوسط، غابت فلسطين المحتلة بشكل ملحوظ.. وقد أثبت العام الماضى حماقة هذه الرؤية المشوهة.. كان من بين العناصر الأساسية فى الرؤية الإسرائيلية للمنطقة الجديدة إمكانية التطبيع مع المملكة العربية السعودية.. لكن فلسطين تظل عقبة أمام هذا الهدف، حيث تعهد ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، مؤخرًا بأن بلاده لن تطبّع العلاقات مع إسرائيل حتى يتم إنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.. والأمر الحاسم هو أن ولى العهد تأثر فى هذه القضية بالمطالب الشعبية للشباب السعودى، وهو ما يعكس اتجاهًا إقليميًا أوسع نطاقًا للشباب، أصبح منخرطًا فى القضية الفلسطينية لأول مرة، بسبب تعرض الفلسطينيين للإبادة الجماعية التى استمرت لمدة عام.. وبهذا المعنى، نجحت الحرب على غزة فى إعادة تشكيل المنطقة، وعززت الشعور بالوحدة بين «الشارع العربى» فى معارضة الاحتلال الإسرائيلى والتطهير العرقى.
●●●
فى أعقاب اغتيال زعيم «حزب الله»، حسن نصرالله، فى بيروت، قال نتنياهو، فى مؤتمر صحفى: «نحن نغير الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط.. إن التغيير فى ميزان القوى يحمل معه إمكانية إنشاء تحالفات جديدة فى منطقتنا، لأن إسرائيل تنتصر.. لقد عاد أعداؤنا وأصدقاؤنا إلى رؤية إسرائيل كما هى.. دولة قوية وحازمة ومقتدرة».. وتوقع نتنياهو أن يساعد استعراض إسرائيل للقوة فى إقامة علاقات مع حلفاء جدد فى الشرق الأوسط.. أن تتمكن إسرائيل قريبًا من تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لأن «التغيير فى ميزان القوى يحمل معه إمكانية إنشاء تحالفات جديدة فى منطقتنا، لأن إسرائيل هى الفائزة».
وإذا كنا، فى السطور السابقة، عرضنا ما تحقق فعلًا من تغيير فى الشرق الأوسط، جراء الحرب على غزة.. فماذا يقصد نتنياهو عندما تحدث عن تغيير الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط؟، وما هى رؤيته لكيفية إحداث هذا التغيير؟.
عندما يتحدث بنيامين نتنياهو عن هذا التغيير، فإنه يشير إلى أهداف سياسية وعسكرية، تتعلق بتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية، وتغيير موازين القوى فى المنطقة لصالحها.. ويسعى نتنياهو إلى تغيير الواقع الاستراتيجى بما يجعله أكثر أمنًا واستقرارًا بالنسبة لإسرائيل، فى ظل التهديدات المتعددة التى تواجهها، سواء من حركات المقاومة الفلسطينية أو حزب الله فى لبنان أو إيران أو حتى التحولات الجيوسياسية فى المنطقة، من خلال تحقيقه عدة أهداف..
أولًا، القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية، بإزالة تهديد حماس والجهاد الإسلامى، إذ يعتقد نتنياهو أن تغيير الواقع الاستراتيجى يبدأ بإزالة التهديدات العسكرية التى تواجه إسرائيل من غزة والضفة الغربية.. فتكرار العمليات العسكرية فى غزة والأراضى الفلسطينية يهدف إلى الحد من قدرات حماس والجهاد الإسلامى، من خلال تدمير بنيتهما التحتية العسكرية وتجفيف مصادر دعمهما.
ثانيًا، فرض الحلول السياسية التى تناسب إسرائيل، إذ يسعى نتنياهو أيضًا إلى فرض شروط سياسية تعمل على إضعاف أو القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية، أو جعلها ضعيفة ومنزوعة السلاح، ما يمنح إسرائيل حرية الحركة الاستراتيجية فى الأراضى الفلسطينية.
ثالثًا، السيطرة على النفوذ الإيرانى فى المنطقة، بالحد من توسع طهران.. فبالنسبة لنتنياهو، فإن تغيير الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط يعنى كبح النفوذ الإيرانى فى الدول المجاورة، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن.. وتعتبر إيران التهديد الاستراتيجى الأكبر لإسرائيل، من خلال دعمها حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، وكذلك من خلال طموحاتها النووية.
رابعًا، تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية لمواجهة إيران، حيث يسعى نتنياهو إلى بناء تحالفات إقليمية مع الدول العربية، خصوصًا دول الخليج، لمواجهة إيران.. والتطبيع مع دول مثل الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية هو جزء من استراتيجية إسرائيل لتغيير الواقع الإقليمى وإنشاء محور ضد إيران.. ويشمل ذلك توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام، إذ يتضمن تغيير الواقع الاستراتيجى مواصلة العمل على اتفاقيات إبراهام لتوسيع نطاق التطبيع مع الدول العربية.. وتهدف إسرائيل إلى تحسين علاقاتها مع دول عربية جديدة، بما فى ذلك المملكة العربية السعودية، لتشكيل تحالف استراتيجى ضد القوى الإقليمية المعارضة لإسرائيل، مثل إيران وحزب الله.
خامسًا، عزل المقاومة الفلسطينية إقليميًا، فمن خلال تطبيع العلاقات مع الدول العربية، تسعى إسرائيل إلى عزل حركات المقاومة الفلسطينية دبلوماسيًا وجعلها أقل نفوذًا فى المعادلة الإقليمية، مع تعزيز شرعيتها الإقليمية.
سادسًا، التحرك ضد البرنامج النووى الإيرانى، لمنع طهران من امتلاك الأسلحة النووية، من خلال اتخاذ إجراءات سياسية أو عسكرية لمنعها من الوصول إلى القدرة النووية العسكرية.. وقد يشمل هذا استمرار الضغوط الدولية أو حتى العمليات العسكرية، إذا لزم الأمر، بهدف تدمير البرنامج النووى الإيرانى.. وتعتمد إسرائيل على التعاون مع الولايات المتحدة فى هذا السياق، وتسعى إلى بناء تحالف دولى أكبر للضغط على إيران.. ويشكل تحقيق هذا الهدف خطوة كبيرة فى تغيير الواقع الاستراتيجى فى المنطقة لصالح إسرائيل.
سابعًا، ضمان التفوق التكنولوجى والعسكرى الإسرائيلى، إذ تسعى إسرائيل، من خلال العمل الدائم على تطوير قدراتها العسكرية، إلى ضمان بقائها القوة العسكرية المهيمنة فى الشرق الأوسط.. والتفوق العسكرى يُمكِّن إسرائيل من مواجهة أى تهديدات محتملة من دول أو فصائل معادية.. وتعتمد إسرائيل بشكل كبير على الدعم العسكرى والاقتصادى الأمريكى.. والاستمرار فى تلقى هذا الدعم يُمكّنها من الحفاظ على تفوقها فى المنطقة، وهو عنصر مهم فى تحقيق التغيير الاستراتيجى على المدى الطويل.
ثامنًا، إعادة تشكيل الحدود والهيمنة الإقليمية، من خلال إجراءين.. الأول، تقليص التهديدات الحدودية، بإعادة ترسيم الحدود أو تأمينها، بشكل يمنع التهديدات المباشرة لإسرائيل، سواء من غزة أو لبنان أو سوريا.. فالسيطرة على مرتفعات الجولان وزيادة الوجود العسكرى على الحدود مع لبنان وسوريا، جزء من استراتيجية نتنياهو لتعزيز الوضع الأمنى.. والثانى، السيطرة على مناطق فى الضفة الغربية، إذ قد يكون السعى إلى ضم المستوطنات الإسرائيلية الكبرى فى الضفة الغربية جزءًا من تغيير الواقع الاستراتيجى.. فالسيطرة على هذه المناطق تمنح إسرائيل نفوذًا استراتيجيًا فى إدارة الصراع مع الفلسطينيين، وتضعف إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
تاسعًا، التحولات الجيوسياسية فى المنطقة.. فباستغلاله الانقسامات الداخلية فى الدول العربية، سواء فى سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا أو السودان أو الصومال، يسعى نتنياهو إلى ضمان عدم تمكن هذه الدول من تشكيل تهديد استراتيجى لإسرائيل فى المستقبل القريب.. كذلك، استغلال إسرائيل الصراعات الإقليمية لصالحها، مثل الحرب فى سوريا أو اليمن، لتأمين حدودها أو تعزيز تحالفاتها مع القوى الإقليمية ضد عدو مشترك، مثل إيران.
عاشرًا، إضعاف المنظمات المسلحة غير الحكومية.. باستهداف حزب الله وحماس، اللتين تشكلان تهديدًا مباشرًا لإسرائيل.. ويأتى حزب الله فى لبنان وحماس فى غزة، على رأس قائمة الأعداء الذين تسعى إسرائيل إلى تقليص قدراتهم العسكرية والسياسية.. كذلك الهجمات الوقائية والاغتيالات، إذ تعتمد إسرائيل على تكتيكات الاغتيالات والهجمات الوقائية ضد القادة العسكريين لهذه المنظمات، بهدف تقليص قدراتها وخلق توازن رادع على الجبهتين الشمالية والجنوبية، إلى جانب الردع الاستراتيجى، حيث يهدف نتنياهو إلى بناء قدرات ردع قوية، تمنع أعداء إسرائيل من محاولة شن هجمات على أراضيها.. ومن خلال التفوق العسكرى والعمليات الوقائية، تسعى إسرائيل إلى تجنب الدخول فى حروب طويلة الأمد يمكن أن تكون مكلفة وتؤدى إلى خسائر فادحة.. ومن خلال العمليات العسكرية والتدخلات الإقليمية، تسعى إسرائيل إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك مع أعدائها، ما يسمح لها بتوجيه ضربات مؤلمة دون التصعيد إلى حرب شاملة.
وأخيرًا، تعزيز العلاقات مع القوى العالمية، إذ يسعى نتنياهو إلى تعزيز علاقات إسرائيل مع القوى العالمية الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، فضلًا عن توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع القوى الناشئة، مثل الصين والهند.. وهذا التحالف مع القوى العالمية الكبرى يمنح إسرائيل نفوذًا استراتيجيًا عالميًا.
والخلاصة، أنه عندما يتحدث نتنياهو عن «تغيير الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط» فإنه يسعى إلى تأمين مكانة إسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة من خلال إضعاف أعدائها، سواء كانوا دولًا مثل إيران أو جماعات مسلحة مثل حماس وحزب الله.. كما يهدف إلى تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية، وتطبيع العلاقات مع الدول العربية، وضمان التفوق العسكرى الإسرائيلى لعقود قادمة.. لكن السؤال هو: فهل ينجح فى القيام بذلك، فى ظل الصعوبات التى تواجهها إسرائيل والعقبات التى تواجه المشروع الأمريكى الذى تنتمى إليه؟.
●●●
الحقيقة أن إسرائيل ترتكب خطأ أكبر فى الحسابات، عندما ترغب فى ضرب الحديد وهو ساخن.. إن إسرائيل تعمل على إعادة هندسة الشرق الأوسط بأكمله لكى يزداد كرهًا لها، فى حين تظل القضية الفلسطينية دون حل.. إنها تعمل على إعادة هندسة فترة ثلاثة عقود، منذ اتفاقات أوسلو، عندما فقد الصراع الفلسطينى هيمنته ومركزيته فى العالم العربى.. لا شىء يفعل، أكثر من العدوان الإسرائيلى الجامح، فى معالجة الانقسامات العميقة فى العالم العربى.. فعندما تسقط ثمانين طنًا من المتفجرات لقتل حسن نصرالله وتقتل ثلاثمائة آخرين أثناء القيام بذلك، فأنت تحوله من رمز للمقاومة إلى أسطورة.. «لقد رحل الرمز، ووُلِدت الأسطورة، والمقاومة مستمرة»، هكذا قال السياسى اللبنانى، سليمان فرنجية، سليل إحدى أبرز العائلات المارونية فى البلاد.. نتنياهو، أكثر من أى شخص آخر، يقنعهم بأن إسرائيل التى تتصرف على هذا النحو، لا تنتمى إلى هذه المنطقة.
لقد وصل الأمر إلى أن قارن إبراهيم الأمين، رئيس تحرير صحيفة الأخبار، القريبة من حزب الله، حسن نصرالله بالإمام الحسين، حفيد النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، الذى يعتبر الإمام الثالث فى المذهب الشيعى، وكتب: «السيد حسن نصرالله لم يتخيل نفسه فى صورة الحسين حين استشهد، فهو ليس فى مكان الحسين حين خذله العالم، بل هو فى صورة الحسين الذى نهض وقاتل دفاعًا عن حق ثمنه باهظ جدًا.. نصرالله أصبح رمزًا خالدًا لكل ثائر فى وجه الظلم، واستشهد دفاعًا عن القدس وفلسطين».. وقال آخر إن «نصر الله كان يتمتع بجاذبية كاريزمية، باعتباره خطيبًا متمكنًا أمام ناخبيه الشيعة والجماهير المؤيدة للفلسطينيين فى العالم العربى، بنفس الطريقة التى كان بها الرئيس المصرى الراحل، جمال عبدالناصر، يتمتع بجاذبية تجاه الحركة القومية العربية فى عصره».
●●●
إن ما نعترف به تغييرًا فى الشرق الأوسط، هو أن الواقع الجديد الذى تعيشه إسرائيل فرض على نتنياهو التحول من زعيم سياسى إلى قائد حرب.. فهو يعتقد أنه القائد الأكثر حسمًا، ناسبًا الفضل لنفسه فى توجيه الضربات «القاتلة» على جبهتى غزة ولبنان، ويؤكد ضرورة الظهور بحزم، حتى فى التعامل مع الحلفاء، مثلما رد بإدانة غير معتادة على الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، عندما أعلن عن حظر تصدير أسلحة لإسرائيل، حين تخلى عن بروتوكولات الدبلوماسية التقليدية، مستنكرًا الحظر الذى فرضته فرنسا، ومعتبرًا القرار عارًا، إذ قال لماكرون: «سننتصر من دونكم، لكن عاركم سيستمر طويلًا».. ولا ندرى، ما إذا كان هذا التوجه يمثل تغييرًا حقيقيًا فى نهج نتنياهو، أم أنه مجرد رد فعل مؤقت بسبب حالة الطوارئ الحالية.. لكن ما هو معلوم بالضرورة أن نتنياهو يعتبر دعوات الداخل الإسرائيلى المتزايدة لتشكيل حكومة وحدة فى ظل الظروف الراهنة ليست سوى محاولة للإطاحة بحكومته، وأن هناك من يسعى لإقصاء وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير من أجل «طعن حكومته فى الظهر لاحقًا».
يركز نتنياهو، حاليًا، على ترسيخ قناعته بصواب استراتيجيته، مشددًا على أن هذه المرحلة ليست مجرد اختبار للقوة العسكرية، بل هى أيضًا «امتحان لقيادة إسرائيل»، فى واحدة من أكثر فتراتها تعقيدًا.. ويؤكد أن القرارات التى يعتزم اتخاذها الأشهر المقبلة «قد تكون حاسمة فى إعادة تشكيل المنطقة بأكملها».. ومقارنة برؤساء الوزراء السابقين، يعتبر نتنياهو أن أسلافه فشلوا فى الاستمرار فى مواقعهم لفترات طويلة، بما فى ذلك نفتالى بينيت ويائير لابيد وإيهود باراك، قائلًا إنهم لم يتمكنوا من تحمل الضغوط السياسية، فقد استقال إيهود أولمرت بعد فشله فى حرب لبنان الثانية 2006، كذلك مناحيم بيجين، الذى أقر فى لحظة ضعف بعجزه عن مواجهة نتائج حرب لبنان الأولى عام 1982.
إن نتنياهو فى وضع سياسى حرج، إذ يتعين عليه تحقيق توازن بين البقاء فى منصبه والوفاء بوعوده، ورغم الانتقادات التى يتعرض لها، فإنه لا يزال فى موقع القيادة.. يتبنى نهجًا جديدًا، يعتبر فيه القوة هى مفتاح البقاء فى «غابة الشرق الأوسط»، مُظهرًا التزامه بالدفاع عن إسرائيل فى «معركتها الوجودية»، معتمدًا وصايا الحاخامات، ومصورًا نفسه ربانًا لسفينة تتلاطمها الأمواج، لا يكترث بالمخاطر التى قد تؤدى إلى فوضى عارمة فى الشرق الأوسط، وربما فى العالم.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.