المقتلة لن تتوقف.. خطة إسرائيل للتعامل مع غزة ولبنان فى الأسابيع المقبلة
كان مقتل زعيم «حماس» يحيى السنوار، العقل المدبر لهجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، الذى أشعل فتيل الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، بمنزلة انتصار كبير لإسرائيل، يضاهى، وربما يفوق اغتيال حسن نصرالله، زعيم «حزب الله»، لكنه فى الوقت ذاته فتح الباب أمام آمال كثيرين داخل إسرائيل وخارجها بإنهاء الحرب فى غزة ووقف التصعيد الخطير فى المنطقة.
ومع ذلك، يبدو أن القادة فى إسرائيل لديهم خطط أخرى، بعد مقتل «السنوار»، فى ظل سعيهم لتحقيق مكاسب استراتيجية تتجاوز الانتصارات العسكرية، مع إعادة تشكيل المشهد الإقليمى لصالح إسرائيل، وفرض أمر واقع جديد على الأرض قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة فى نوفمير المقبل.
استغلال فراغ القيادة فى «حماس» لتحقيق إنجازات وفرض الأمر الواقع قبل الانتخابات الأمريكية
مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل، تسارع إسرائيل إلى إلحاق أقصى قدر من الضرر بحركة حماس فى غزة وجماعة حزب الله فى لبنان، مع محاولة استغلال الفرصة لإنشاء مناطق عازلة وخلق واقع لا رجعة فيه، قبل تولى الرئيس الأمريكى الجديد منصبه فى يناير المقبل، حسبما قالت مصادر لوكالة «رويترز».
وتريد إسرائيل من خلال تكثيف عملياتها العسكرية ضد حزب الله وحماس تقويض بنيتهما التحتية، حتى لا يتمكنا من شن هجوم على إسرائيل مرة أخرى.
ومن المتوقع أن يستخدم الرئيس الأمريكى جو بايدن مقتل السنوار للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب فى غزة، لكن الأخير سيفضل الانتظار حتى نهاية ولاية بايدن وانتخاب الرئيس الجديد، سواء فازت المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس، أو منافسها الجمهورى دونالد ترامب، الذى تربطه علاقات وثيقة بنتنياهو.
فى الوقت نفسه، تريد إسرائيل تسريع حملتها العسكرية لدفع حزب الله بعيدًا عن الحدود الشمالية، بينما تتوغل فى مخيم جباليا للاجئين المكتظ فى غزة، فيما يخشى الفلسطينيون ووكالات الأمم المتحدة أن يكون هذا محاولة لعزل شمال غزة عن بقية القطاع، قبل النظر فى أى اتفاقات لوقف إطلاق النار.
وتخطط إسرائيل، أيضًا، للرد على هجوم الصواريخ الباليستية الذى نفذته إيران فى الأول من أكتوبر الجارى، الذى كان ثانى هجوم مباشر لها على إسرائيل فى ستة أشهر.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تعيش فيه حماس حالة من الصدمة والفراغ فى القيادة، مشابهة لما عاشه حزب الله، الشهر الماضى، بعد اغتيال حسن نصر الله.
ووفقًا للمراقبين، فإن السيناريو الأقل احتمالًا للتحقق هو أن يؤدى مقتل السنوار إلى انهيار شامل لهيكل حماس، أو هروب جماعى، أو استسلام واسع، وربما حتى انتفاضة شعبية ضد «حماس»، لأنه من المتوقع أن يظل أعضاء حماس مخلصين لفكرهم حتى بعد مقتل قائدهم، تمامًا كما كان الحال بعد اغتيال عدد من القادة التاريخيين للحركة، مثل الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى وأحمد الجعبرى.
ومع ذلك، فقد ترك السنوار خلفه فراغًا كبيرًا فى القيادة الميدانية، ومن المحتمل أن يحدث نوع من تقاسُم الصلاحيات، ومن المرجح أن تتولى شخصيات بارزة كانت قريبة من السنوار، مثل أخيه محمد، مسئولية مواصلة القتال والحفاظ على سيطرة حماس على غزة، أو ربما تفعل ذلك شخصيات بارزة فى الجناح العسكرى، مثل رائد سعد وعزالدين حداد، على الرغم من أنهما يفتقران إلى المهارات السياسية، أو الدعم الشعبى الواسع.
فى المقابل، يبدو أن قيادة حماس فى الخارج ستضطر إلى التدخل بصورة أعمق لملء الفراغ الذى نشأ، وبصورة خاصة، فى إدارة الجانب السياسى، وأهم ما فيه المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار فى غزة، وقد يصبح أشخاص، مثل خليل الحية، نائب السنوار السابق، أو القادة القدامى، مثل خالد مشعل وموسى أبومرزوق، أكثر قوة من ذى قبل، لكن مع حقيقة أن مهاراتهم تقل عن السنوار، وأنهم مقيمون بقطر، ويخضعون لضغوط الدوحة، وبطريقة غير مباشرة من الولايات المتحدة، وهو ما يوفر فرصة لتقدّم المفاوضات بشكل أكثر راحة لإسرائيل.
استمرار الحرب لهدم «وحدة الساحات» وتحرير المحتجزين وإخلاء الجوار من التنظيمات المسلحة
مع حقيقة أن مقتل يحيى السنوار لا يعنى انتهاء حركة حماس، فإنه من المحتمل أن تواصل حماس السيطرة على المجال العام فى غزة، وتحتفظ بقدرات عسكرية فى المستقبل القريب، حتى لو كانت أقل كثيرًا مما كانت عليه قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
ولهذا، تريد إسرائيل خلال الفترة المقبلة القضاء على القدرات الحكومية والعسكرية لحركة حماس، ما يعنى عمليًا العودة إلى المعضلة ذاتها، وهى هل تقوم إسرائيل بالسيطرة على القطاع بكامله والبقاء فيه لفترة طويلة؟، خاصة إذا كانت تريد خلق ظروف لإنشاء بديل عن حركة حماس.
أما فى الجبهة الشمالية، وفى ظل استمرار إسرائيل فى حرب استنزاف شرسة فى مواجهة حزب الله، وفى ظل الحاجة إلى التحرك ضد إيران، يبدو أن فكرة احتلال غزة ليست واردة الآن، خاصة أن مقتل السنوار يوفر فرصة لقبول صفقة وقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين، ما يمنح إسرائيل صورة المنتصر، الذى يتفاوض بعد تحقيق ضربة قوية، وأنها قادرة على ضمان حريتها فى التحرك لتنفيذ خطوة استراتيجية ضد حماس فى أى لحظة، وهى الظروف التى لم تكن متوفرة منذ أشهر.
ويضغط كثيرون فى أروقة القيادة فى تل أبيب لتكون الخطوة المقبلة لإسرائيل هى استغلال الفراغ فى حماس وضعف حزب الله لإطلاق سراح المحتجزين، مع توقع أن تعلن تل أبيب عن استعدادها لوقف إطلاق النار، وأن تعلن أيضًا وقف إطلاق النار من جانب واحد، بشروط طبعًا، منها إطلاق سراح المحتجزين ونزع سلاح قطاع غزة، وتنفيذ القرارين «١٧٠١ و١٥٥٩» ضد حزب الله، وإذا قالت حماس وحزب الله «لا»، فسيكون لدى إسرائيل المبرر الجديد لمواصلة الهجوم.
من جانبه، رأى الرئيس السابق لمعهد الأمن القومى الإسرائيلى عاموس يادلين، فى مقاله بموقع «القناة الثانية» العبرية، أنه على إسرائيل أن توقف وبأى شكل رؤية السنوار بشأن وحدة الساحات، مشددًا على أنه يجب على إسرائيل ألا تشعر بالنشوة، لأن كل زعيم يتم اغتياله يوجد مَن يخلفه.
وأضاف: «نحن ما زلنا فى خضم أطول حرب عرفناها فى تاريخ إسرائيل منذ قيامها»، مؤكدًا أن الهدف الأساسى لإسرائيل يجب أن يتركز على الساحة الإيرانية، التى تشكل تهديدًا مباشرًا يجب مواجهته، وأنه لا يزال مطلوبًا من إسرائيل الرد على الهجوم الصاروخى الإيرانى بقوة، و«بصورة تجمع بين الحاجة إلى تعزيز الردع وبين إغلاق الحادث».
وأشار إلى أن «إسرائيل لا تزال فى خضم مواجهة تدور على ٧ جبهات مختلفة»، خاصة بعد «محاولة اغتيال نتنياهو عبر مسيرة من حزب الله»، موضحًا أن إسرائيل لن تتراجع عن الهجوم على إيران، ومن المتوقع أن تبدأ بعدها مرحلة إنهاء الحرب فى الساحات التى تقبل مطالبها.
ومن المتوقع أن تتضمن الشروط التى ستضعها إسرائيل فى خطتها لما بعد الحرب فى كل الساحات شروطًا مثل عدم وجود تنظيمات بالقرب من حدودها، ومطالبة الدولة فى لبنان بالسيطرة على الحدود، مع تشكيل لجنة عربية فى غزة، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وإجراء عملية إعادة الإعمار فقط بعد نزع السلاح.