مُلهم الأوسكار.. شمس "التعامد" تغيب عن "رب العالم السفلى" بمعبد أبوسمبل
يتزامن اليوم 22 أكتوبر مع الوقت الذي تأتي فيه أفواج كثيرة من شتى دول العالم إلى مصر وتحديدًا إلى معبد أبوسمبل للاحتفال بـتعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني، حيث يحدث هذا التعامد مرتين كل عام الأولى في 22 فبراير والثانية يوم 22 من شهر أكتوبر.
ولعل واحدًا من غرائب وروعة التصميم الفرعوني التي تظهر ليس فقط الإعجاز والدقة في الإنشاء الفرعوني، بل تعكس الدلالة الخاصة التي أراد الفراعنة التعبير عنها من خلال كل عمل، وجود تمثال رابع داخل معبد أبوسمبل لا تشرق عليه الشمس نهائيًا وهو الإله بتاح، أو ما يعرف عنه اسم "إله الظلام".
يعتبر التمثال المحروم من الشمس إلى الأبد تجسيدًا للجانب المظلم من الوجود، وهو ما يفسر مكانته في المعتقدات الدينية، حيث إنه في الثقافات القديمة، كان ينظر إلى الظلام كقوة تحمل الخوف، الجهل، والفوضى، ولكن في الوقت نفسه، كان ضرورة، حيث لا يمكن وجود النور دون الظلام، كذلك يرمز هذا التمثال إلى التوازن المطلوب في الكون، فهو لا يُعبر فقط عن الفوضى بل أيضًا عن حماية الأسرار والمجهول.
قصة بتاح
يُعتبر بتاح أو ما عرف عنه إله الظلام المعبود الخالق لدى المصريين القدماء، حيث يُعتقد أنه وُجد قبل جميع الأشياء، وبإرادته خلق العالم من خلال التفكير فيه، إذ تصور الكون بأفكاره وأعطى الحياة لكل ما خلقه من خلال كلمته.
تُعبر الأسطورة عن ذلك بقولها: "بتاح يتصور الكون بأفكار قلبه ويبث الحياة فيه بسحر كلمته". لذا، يُعتبر بتاح ليس فقط خالقًا، بل أيضًا محافظًا على بقاء العالم ودوام الحكم الملكي".
في فترة السلالة الخامسة والعشرين، قام الفرعون النوبي "شباكة" بنسخ وثيقة لاهوتية معروفة باسم حجر شباكة، التي وُجدت في مكتبة معبد بتاح، وتُظهر هذه الوثيقة أهمية بتاح كمعبود مسئول عن خلق الكون من خلال الفكر والكلمة.
كان بتاح أيضًا راعيًا للحرفية، ويُعتبر إله العمل بالمعادن، النجارة، بناء السفن، والنحت، ويحمل بتاح العديد من الألقاب التي تعكس دوره في الدين المصري القديم، منها:
- بتاح الوجه الجميل
- بتاح سيد الحقيقة
- بتاح سيد العدالة
- بتاح الذي يستمع إلى الدعاء
- بتاح سيد الاحتفالات
- بتاح سيد الأبدية
- بتاح مزدوج الوجود
- بتاح واجد أول بداية
تصوير بتاح
في الفنون، يُصوّر بتاح كرجل ملتحٍ مُكفّن، وغالبًا ما يرتدي طاقية، ويداه مُمسكتان برمز "العنخ" الذي يمثل الحياة، ورمز "الأوز" الذي يرمز للبقاء، ويعتقد بعض المؤرخين أن بتاح قد تجسد في العجل أبيس.
بتاح - سوكر
مع مرور الزمن، أصبح بتاح وسوكر مرتبطين معًا، ليصبحا معًا "بتاح - سوكر"، تعبر هذه الشخصية عن الشمس أثناء الليل، حيث تُعتبر الشمس وكأنها تُبعث كل ليلة، بتاح كإله للربوة المقدسة، يُعتبر مُقيمًا في العالم السفلي، وبذلك، في زمن الدولة الوسطى، تم دمج بتاح مع أوزيريس، إله العالم السفلي، ليصبحوا معًا يُعرفون باسم "بتاح - سوكر - أوزيريس".
بهذا الشكل، يُظهر بتاح مكانته المحورية في الأساطير المصرية، إذ يجمع بين الخلق والحرفية، ويعتبر رمزًا للحياة والبعث.
ليس إلهًا للظلام
بينما في حديث إعلامي سابق نفى الدكتور أحمد بردان، أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، الشائعات التي تُشير إلى أن الإله بتاح هو إله الظلام، موضحًا أنه في الحقيقة إله للفن والصناعة والحرفيين، وأشار إلى أن تصميم تمثال جائزة أوسكار مستوحى منه، ما يؤكد عدم ارتباطه بالظلام على الإطلاق.
كما ذكر أن معبد بتاح في منف هو مكان يُظهر أقدم النظريات حول نشأة الوجود، ما يعكس التحضر والرقي في الحضارة المصرية القديمة.
تغير موعد تعامد الشمس
جدير بالذكر أنه قد كانت ظاهرة تعامد الشمس تحدث على وجه رمسيس الثاني يومي 21 فبراير و21 أكتوبر، ولكن بعد نقل معبد أبوسمبل في عام 1964 ميلاديًا على يد منظمة اليونسكو بالتعاون مع الجمهورية مصر العربية لإنقاذه من الغرق، تم تغيير موعد تعامد الشمس ليصبح يومي 22 فبراير و22 أكتوبر من كل عام.
أسباب تعامد الشمس
أما عن أسباب تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني في غرفة قدس الأقداس في هذه الأيام من كل عام توجد روايتين وهما:
الرواية الأولى: تقول إنه اليوم الأول يوم ميلاده واليوم جلوسه على العرش.
أما الرواية الثانية فهي بدء الموسم الزراعي في يوم وبدء يوم تخصيبه في يوم آخر.
غرفة قدس الأقداس
وتقع غرفة قدس الأقداس هي غرفة تقع في قاعدة معبد أبوسمبل، ويطلق اسم قدس الأقداس على عرش الملك الذي يعد أهم أجزاء المعبد، وهو عبارة عن مقصورة المعبود الذي يعني العرش الكبير أو عرش الملك، ويتم تقديم القرابين وشعائر التعبد للمعبود، وتضم غرفة قدس الأقداس في معبد أبوسمبل 4 تماثيل وهم:
تمثال الملك رمسيس الثاني.
تمثال الإله رع حور.
تمثال الإله آمون.
تمثال الإله بتاح.