رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسرحية بالـAI.. هل يغزو الذكاء الاصطناعى «أبوالفنون»؟

جريدة الدستور

مع التطور التكنولوجى الهائل، الذى يتحول يومًا بعد يوم إلى ثورة تؤثر على جميع المجالات فى حياتنا اليومية، ومع تنامى قدرات الآلة إلى الدرجة التى يمكن أن تضاهى العقل البشرى فى المستقبل القريب، لم يكن مستغربًا أن يلجأ بعض الفنانين والكُتّاب حول العالم إلى توظيف الذكاء الاصطناعى واستخدامه فى أعمالهم الفنية، ما يفتح الباب أمام آفاق جديدة للعمل الفنى والإبداعى لم تعرفها الإنسانية من قبل.

وفى المقابل، ينذر استخدام الذكاء الاصطناعى فى العملية الإبداعية بتحول شامل فى تعريف العمل الفنى نفسه، خاصة مع إمكانية توظيفه ليحل محل العنصر البشرى نفسه فى بعض الأدوار الأساسية، مثل الكتابة والتمثيل، الأمر الذى يثير عدة تساؤلات حول الهوية الفنية والأصالة والملكية الفكرية، وغيرها من الإشكاليات التى تطرحها «الدستور» على عدد من النقاد والباحثين المسرحيين لتستطلع آراءهم حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعى على المسرح المصرى والعربى فى المستقبل القريب.

أيمن عبدالرحمن:  يمكن أن يكون قاتلًا للإبداع والمواهب

حذر الدكتور أيمن عبدالرحمن، الكاتب المسرحى، من إمكانية أن يؤدى استخدام الذكاء الاصطناعى إلى تقليص العامل البشرى والإبداع فى المسرح وغيره من الفنون، ليتحول إلى إبداع آلى وأعمال بلا روح، لكن فى المقابل يمكن أن يسهم فى جعل العمل منضبطًا تكنيكيًا ومكتوبًا بحرفية، ما يتطلب التعرف على توجهات الذكاء الاصطناعى أولًا. وأضاف «عبدالرحمن»: «الذكاء الاصطناعى يقدم تطورات هى متاحة بالأساس فى المسرح العالمى، فإذا كنا نسعى لتطوير الأفكار أو التطور البصرى، أو تقديم خدعة جديدة، لا ينبغى أن تكون موجودة وسبق استخدامها». وواصل: «من المهم أخذ أفكار من المسرح العالمى وتطويرها، لكن الأهم ألا نكون مجرد ناقلين، وكأنه الأسهل علينا هو عدم إعمال العقل»، مجددًا تحذيره أنه «بمرور الوقت يحدث قتل للإبداع والمواهب، وعدم التفكير».

 

أحمد زيدان:  المشكلة فى عدم إعلان المبدعين عن استخدامه 

رأى أحمد زيدان، الناقد المسرحى، أنه لا يوجد أى مشكلات فى تدخل التكنولوجيا فى الفن، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعى، طالما هذا التدخل يستهدف تحسين المنتج واختصار زمن البحث، والإعداد فى طور التجريب على المشاهد، وإعلامه بمصدر هذا الإبداع، ومن دون خروج ناشره أو من يقدمه عن كونه مستخدمًا للتكنولوجيا، مضيفًا: «هذا ما يتم عالميًا، لكن بالنسبة لنا الخطر كبير جدًا، خاصة فيما يتعلق بأصالة الأعمال، والاعتراف باستخدام الذكاء الاصطناعى بها». 

وأضاف «زيدان»: «أثيرت الإشكاليات القانونية حول الملكية الفكرية للذكاء الاصطناعى عام ١٩٨٥، من خلال باميلا سامويلسون، التى اقترحت ٣ حلول قانونية، منها أن يحمل العمل اسم الذكاء الاصطناعى الذى استخدم لتوليده». 

وواصل: «الإشكالية فى مصر هى عدم إعلان المبدعين عن مدى استخدامهم الذكاء الاصطناعى فى أعمالهم الإبداعية إلا على استحياء، أو ينكشف الأمر صدفة، مع تمسك مستخدم تلك البرامج بحقه الأصيل فى ملكية هذا الإبداع، ونحن بالأساس لدينا إبداعات يفترض أنها محلية، لا يذكر مبدعوها مصدرها الأصلى، لا فى وثائق هذا الإبداع ولا فى الإعلان عنه».

 

محمود عثمان:  نحتاج إلى إطار قانونى للملكية الفكرية

أكد محمود عثمان، محامٍ، وجود إشكاليات عديدة متعلقة بحقوق الملكية الفكرية للأعمال التى ينتجها الذكاء الاصطناعى، على رأسها مسألة حقوق الملكية الأدبية والمالية، متسائلًا: «إذا تم إنتاج عمل بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعى دون تدخل بشرى، فمن يمتلك هذه الحقوق؟ وإذا كان هناك تدخل بشرى للتطوير أو التوجيه، فهل يكون ذلك كافيًا لمنح هذا الشخص حقوق الملكية؟».

وأضاف «عثمان»: «رغم أن الإجابة قد تبدو بديهية للوهلة الأولى، وهى الاعتقاد بأن من أدخل المعلومات إلى الذكاء الاصطناعى هو صاحب الحقوق، يكشف الواقع العملى عن تعقيدات وفقًا لاتفاقية برن، فالعمل المحمى بحقوق الملكية يجب أن يكون أصليًا ومبتكرًا، بحيث ينشئه المؤلف أو الفنان نفسه، وليس مجرد تطوير أو تعديل قائم على ناتج الذكاء الاصطناعى».

وواصل: «أرى أن العقود التى تُنظم استخدام الذكاء الاصطناعى هى التى تقود المشهد فى الوقت الحالى، وليس التشريعات.

العالم لا يزال فى بداية الطريق نحو وضع إطار قانونى عادل لتحديد أبعاد الذكاء الاصطناعى». وأكمل: «من جانب آخر، يجب تبنى فلسفة الإتاحة، التى تمنح وتدعم سياسة الاستخدام العادل والمصادر المفتوحة، وفى نفس الوقت حماية الملكية الفكرية للأعمال الناشئة من الذكاء الاصطناعى، دون أن تكون عائقًا أمام الإبداع».

 

نوران مهدى: يجب التعامل معه كعنصر مساعد حتى لا يتخلى الإنسان عن إبداعه الفطرى

قالت الباحثة والناقدة نوران مهدى إن الابداع البشرى يواجه العديد من التحديات فى مواجهة تطبيقات الذكاء الاصطناعى المختلفة، بعد أن أصبحت تشكل واحدًا من أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، التى تنمو بشكل سريع، لدرجة تنافس بها العنصر البشرى.

وأضاف «فى ظل الذكاء الاصطناعى، يكمن التحدى فى التعامل مع العديد من المفاهيم مثل: الأصالة والإبداع والخيال وحقوق الملكية الفكرية بشكل عصرى يوائم التغييرات التكنولوجية، فهى فى الأساس مفاهيم بشرية خالصة، تسعى التطورات التكنولوجية إلى دمجها فى التطبيقات والآلات الحديثة، فالآلات قادرة على التعلم والقيام بمهام صعبة وتوليد ملايين الأفكار فى دقائق معدودة بشكل سريع ومنجز ومنضبط يفوق فى بعض الأحيان القدرات البشرية، إلا أنها خالية من الإبداع والروح والعاطفة».

وواصلت: «يعتقد العديد من الباحثين أنه بحلول عام ٢٠٤٠ يمكن أن يصل الذكاء الاصطناعى إلى نصف قدرة العقل البشرى، إلا أن الإنسان يظل هو المحرك الرئيسى فى العملية الإبداعية، بدرجة يتفوق بها على الآلات، على الأقل حتى الآن».

وعن تأثير ذلك على لغة المسرح والصورة والنقد، قالت: «الذكاء الاصطناعى فتح آفاق التجريب، فنجد أنه قد تم استبدال بعض العناصر المسرحية الأساسية مثل الممثل، وظهر العديد من التجارب المسرحية فى أوروبا، وقبل ذلك فى كوريا واليابان، التى تعتمد على توظيف الروبوت كبديل للممثل البشرى، أو تستبدل الراقص البشرى براقص آلى».

وأكملت: «حتى على مستوى الكتابة الأدبية، يمكن للذكاء الاصطناعى التوليدى GenerativeAI توليد أو إنشاء محتوى على هيئة نص مكتوب كالقصة القصيرة ليبدو وكأنه من صنع البشر، وكذلك فى مجال النقد يستطيع أن يحلل ولو بشكل محدود عناصر العمل الفنى، لذا علينا أن نتعامل معه كعنصر مساعد، وهو الهدف الأساسى من وجوده، وإلا سيتخلى الفرد حينها عن خياله وإبداعه الفطرى». 

وأشارت إلى أن الصورة المسرحية تحولت فى ظل الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعى إلى صورة معقدة ومتشعبة بها العديد من المستويات، وكأنها صورة هجينة تمزج الصورة المسرحية التقليدية والصورة الصناعية، وهو ما يشكل صعوبة فى عملية التلقى وفك شفرات العمل الفنى.

وتابعت: «المتفرج على سبيل المثال أصبح فى بعض العروض يتعامل مع الممثل الرقمى والافتراضى وليس الممثل البشرى، أو من خلال فضاءات الأون لاين وليس داخل الفضاء التقليدى الذى يجمعه بشكل مباشر مع جميع عناصر العمل، وفى بعض الأحيان عليه أن يرتدى بعض الأدوات التكنولوجية، مثل نظارات الواقع الافتراضى المعزز، لرؤية الصورة المسرحية بشكل كامل، لذا أصبح من الضرورى تطوير القدرات البشرية وتدريبها على كيفية التعامل مع التطبيقات المختلفة للذكاء الاصطناعى لمواكبة التطورات لحظة بلحظة».

 

باسم عادل:  علينا هضم التكنولوجيا الحديثة وإلا سنصبح خارج الزمن

 

رأى الناقد المسرحى باسم عادل أن التكنولوجيا المتمثلة فى الذكاء الاصطناعى أو غيره من وسائل التطور المختلفة ستغزو المسرح شئنا أم أبينا، وقال: «إن لم يهضمها المسرحيون العرب ويتماهوا معها، عبر توظيفها بما يتوافق مع هويتنا ورؤيتنا لواقعنا، وبدون أى أحكام مسبقة على مسألة الإبداع البشرى الخالص فى مقابل غزو الآلة المسرح والحياة بشكل عام، سنتحول بشكل أو بآخر إلى الحالة المتخفية الراكدة التى سيتجاوزها الزمن».

وأضاف: «ربما يجرنا هذا الحديث لوضع مفهوم الهوية فى مقابل مفهوم الأصالة؛ فالهوية سطح مائع لا يعرف ثباتًا، أشبه فى حالته بالماء الذى يتشكل حسب شكل الوعاء الذى يحويه، فكل جيل يشكل هويته الخاصة الخالصة عبر صياغة مجموعة قيم ومفاهيم وعادات ومعتقدات تُشكل وتُسيّر حياته بما يتوافق مع واقعه الآنى، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع منظومة القيم هذه إلا أنها تظل راسخة فى كيان هذا الجيل وتُحركه».

وواصل: «بينما الأصالة هنا تمثل محلية وخصوصية التجارب، والتى لا تتشابه مع مثيلتها فى القطر الواحد أو القارة الواحدة أو حتى العالم أجمع، فالأصالة هنا قرينة الذاكرة التى تحفظ السجلات وترصد التجارب، وتوثق كل ما هو فريد فى هذه البقعة من الأرض عن غيرها، والحفاظ على تلك الذاكرة هو مطلب شعبى وقومى ووطنى ضرورى للثبت التاريخى لكل الأجيال الحالية والقادمة، كدليل دامغ على أننا كنا هنا يومًا ما».

واستكمل: «الذكاء الاصطناعى تقوم آلية عمله عبر التغذية التى يقدمها البشر للآلة، وعبر هذه التغذية، ومن خلال شبكة حسابات هندسية ورياضية معقدة، تبدأ الآلة عملها فى الحساب والربط بين الأشياء، بحيث تعطى نتائج منطقية أو معقولة لمن يقومون بعمليات البحث فى مجال ما، وبما أننا فى مسرحنا المصرى لا نملك تلك الذاكرة الوافية التى يجب أن نغذى بها الآلة ستصبح النتائج فى كل مرة منقوصة وغير وافية وأيضًا غير دقيقة، لذا علينا كما نحاول بناء جناح المستقبل ومواكبته أن نعيد ترميم جناح الماضى».

أحمد مجدى:  أداة مساعدة لصُناع الأعمال الفنية فى الوصول إلى نتيجة أفضل 

 

اعتبر الدكتور أحمد مجدى، الأستاذ فى قسم الدراما والنقد المسرحى بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن الذكاء الاصطناعى هو مجرد أداة من الأدوات الحديثة التى من شأنها مساعدة صُناع الأعمال الفنية على الوصول إلى نتيجة أفضل للعمل الفنى فى وقت أقصر وبمجهود أقل.

وأضاف «مجدى»: «هناك تطبيقات قد تساعد فى وضع خطة شاملة للعمل، أو اقتراح عناوين رئيسية للحبكة أو السيناريو فى السينما على سبيل المثال، أو حتى ترشيح الممثلين بناء على دراسة تفضيلات الجمهور على الإنترنت بوسائل وتقنيات حديثة».

وواصل: «كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعى فى توليد بيئات خيالية فى بعض أفلام الخيال العلمى أو الفانتازيا التى تستلزم ذلك»، مشيرًا إلى أن «كل هذا مجرد عوامل مساعدة، ولن تحقق أغراضها المرجوة إلا عن طريق إدارتها من البشر».

ورأى أن التحديات تكمن فى مدى الاعتماد على هذه التقنيات، أو عدم الإفصاح عن استخدام تلك التطبيقات فى العمل الفنى، وهو ما يضعنا فى مشكلة أخرى، تتمثل فى تحويل مجال التقييم والتنافس بين الأعمال الفنية إلى منافسات غير عادلة.

وأكمل الناقد المسرحى: «لذلك من الأفضل أن تكون هناك قوانين منظمة لعملية الاستعانة بالذكاء الاصطناعى فى حدود ومجالات معينة، بحيث لا يتم الاعتماد عليها بشكل مفرط يؤثر على الهوية والبصمة المميزة للإبداع البشرى، أو يؤثر على بعض وظائف العاملين فى الصناعة، أو يؤثر على مدى تطور المخ البشرى نفسه، والذى قد يفقد الكثير من محفزات التطوير فى ثنايا الاعتماد الكلى على التقنيات».