عالم «السنتى مليونير».. كيف تمتلك ١٠٠ مليون دولار؟
الثروة مملكة غامضة بعيدة كل البعد عن حياتنا، وحتى ندخل هذه المملكة علينا أن نتقبل قواعدها الخاصة التى تختلف كليًا عما نألف، هى عالم بحد ذاته، لنستطيع فهم ملامحه، يجب أن نستمع لمن درسوه وعايشوه.
هذا العالم الغريب المبهر بعاداته وتقاليده، يحرك اقتصاد الدول ويؤثر على الأسواق، فهو يمتلك الأعمال والشركات ويوفر فرص العمل، ويعيش به بشر مختلفون ومميزون فى تفكيرهم ونظرتهم للأشياء، هذه النظرة هى مفتاح اللعبة.
حسابات أخرى
لعبة تكوين المال ليست سهلة، تبدأ بالتفكير المختلف ثم الاختيارات المغايرة للتفضيلات المعتادة تمامًا، لذا تغدو كل الكتب التى تقدم نصائح عن تحقيق الثروة كلامًا للبيع والشراء، وأوهامًا تشبه التجارة التى يمارسها رواد التنمية البشرية أحيانًا.
الأثرياء دائمًا ما يؤمنون باستراتيجية تعرف باسم حجب المعلومات، أى أنه لا يجب عليك أن تطلع أحدًا على ما تفكر فيه أو خطوتك المقبلة، حتى لا يتسبب فى إحباطك أو تثبيط همتك أو ينجح فى وضع العراقيل لك، كما أنهم يقدرون الوقت والجهد جيدًا، ويعرفون قيمتهما.
يعمل صاحب الأموال على تطوير إمكاناته ونفسه، لأنه يعلم أن العالم فى حالة تطور سريع، كل يوم يحمل الجديد، لذلك يجب أن يواكب هذا التغير، الأسلوب الذى يتبعه يعرف بالتفكير خارج الصندوق، أو السير عكس ما يفكر فيه الجميع، حتى يتمكن من تحقيق نتائج مميزة.
لكن ما هى الثروة، وهل هى غاية أم وسيلة، كلها أسئلة مشروعة ومفتوحة لا ينتهى الجدل حولها، فكلما زادت الأموال يتغير مفهوم الإنسان عنها، ففى البداية يبحث عن تأمين حياة كريمة لعائلته، ثم فى مرحلة أخرى يبحث عن تحسين مستوى المحيطين به، وأخيرًا يسعى إلى ممارسة الهوايات والاهتمامات.
طبقات الثراء
عالم الثراء الفاحش هو رحلة يصاحبك فيها الانبهار والإبهار، منذ بدايتها حتى نهايتها، فلا تعرف هل هذا العالم جزء من الواقع أم هو مجرد أحلام ونوع من الفانتازيا، هو خيال يعاش فى الحقيقة، بالمعنى الحرفى للكلمة.
وفقًا لتصنيف شركة «هينلى آند بارتنرز» الدولية الرائدة فى مجال الجنسية والإقامة عن طريق الاستثمار، فإن أصحاب الثروات والأغنياء يتدرجون فى طبقات، تبدأ بالمليونير، وهو الذى يمتلك ثروة قيمتها مليون دولار أو أكثر، ثم فى المرتبة الثانية يأتى المالتى مليونير، وهو صاحب ثروة تبلغ ١٠ ملايين دولار أو أكثر.
نمو سريع
أما فى المرتبة الثالثة فتوجد طبقة يطلق عليها السنتى مليونير، وهى التى تمتلك ثروة ١٠٠ مليون دولار أو أكثر، وفى المرتبة الأخيرة يأتى المليارديرات، وهم من تبلغ ثروتهم مليار دولار أو أكثر.
كم من المال تحتاجه لتصبح فاحش الثراء؟ هذا سؤال كان قديمًا حتى عام ٢٠٢٠، عندما ظهرت طبقة جديدة من الأغنياء فى العالم باسم «السنتى مليونير»، بثروة تبدأ من ١٠٠ مليون دولار فما فوق.
هذه الطبقة أفرادها هم عادة مؤسسو شركات ناجحة أو رؤساء تنفيذيون لكبار الشركات والمنظمات متعددة الجنسيات، وبالأرقام يبلغ عددهم فقط ٢٨٤٢٠ مليونيرًا فى العالم «حتى يونيو ٢٠٢٣»، ولذلك فهم ينتمون إلى أعلى الطبقات الراقية.
عديد من هؤلاء المليونيرات لديهم طائرات ويخوت خاصة، وتدار عادة أصولهم وأموالهم من قبل مكاتب خاصة، ولديهم ثلاثة منازل أو أكثر يتنقلون بينها على مدار العام.
لكن رغم ذلك، لا ينتبه أحد إلى النمو السريع لهذه الطبقة صاحبة الثراء الفاحش التى تضاعفت على مدار العشرين عامًا الماضية، وتكون كل محافظها عبارة عن أصول قابلة للاستثمار، فكل التركيز يكون على أصحاب المليارات مثل إيلون ماسك، ووارن بافيت.
وتنقسم مصادر أموال هذا النوع من الأثرياء بشكل عام إلى أربع فئات: الأولى ثروات موروثة، والثانية ثروة مولدة من بيع شركات صغيرة إلى متوسطة الحجم من الجيل الذى يتراوح عمره بين ٦٠ و٧٧ عامًا.
أما المصدر الثالث فهو اللاعبون الأكثر تداولًا فى أسواق المال العالمية والمستثمرون العقاريون، وأخيرًا ثروات للرؤساء التنفيذيين للشركات التكنولوجية العملاقة متعددة الجنسيات.
حركة الأموال
ولفهم هذه التوقعات المستقبلية، علينا معرفة الأسباب التى حفزت أصحاب الثروات على الهجرة على مدى العقد الماضى، والتى تشمل: الرغبة فى خيارات تعليم أفضل، أو مستوى أعلى من المعيشة فى بيئة آمنة، أو مناخ أكثر اعتدالًا أو أقل تلوثًا، وفرص الأعمال، أو الحفاظ على الثروة وحماية الإرث.
وفى الغالب يتم ذلك من خلال الإقامة والمواطنة عن طريق الاستثمار فى بلد ما، ويشير تزايد هذه الهجرة إلى انخفاض الثقة فى البلد الذى تمت المغادرة منه، حيث يؤدى ذلك إلى الإضرار باقتصادات الدول التى يتركونها مع نقل أعمالهم للخارج.
لكن فى المقابل، ساعدت هذه الهجرة فى تعزيز ثروة عدد من الدول على مدار العشرين عامًا الماضية، مثل أستراليا ومالطا وموريشيوس وموناكو والإمارات.
ويتوقع أن يصل العام الحالى إلى أعلى معدل هجرة للأثرياء منذ عشر سنوات، فتشير التنبؤات إلى أن عام ٢٠٢٣ سيشهد هجرة ١٢٥ ألف مليونير، وذلك مقارنة بـ٨٨ ألفًا فى عام ٢٠٢٢، و٢٥ ألفًا عام ٢٠٢١، و١٢ ألفًا عام ٢٠٢٠ خلال عامى جائحة كورونا.
وبلغ عدد المليونيرات المهاجرين حوالى ١١٠ ألاف فى عام ٢٠١٩، و١٠٨ ألاف فى عام ٢٠١٨، و٩٥ ألفًا فى عام ٢٠١٧، و٨٢ ألفًا فى عام ٢٠١٦، و٦٤ ألفًا فى عام ٢٠١٥، و٥٧ ألفًا فى عام ٢٠١٤، و٥١ ألفًا فى عام ٢٠١٣.
تحول جغرافى
يأتى معظم السنتى مليونيرات من الولايات المتحدة وأوروبا، فمعظمهم رجال تزيد أعمارهم على ٥٥ عامًا، ويعيش ٣٨٪ منهم فى أمريكا، والأغلبية فى مناطق نيو إنجلاند أو خليج سان فرانسيسكو، لكن هذه الصورة بدأت تتغير ببطء. فهناك تحول جغرافى يمكن ملاحظته بسهولة، حيث تشير التوقعات إلى أن حوالى ٥٧٪ من نمو هذه الطبقة سيكون فى آسيا، بضعف ما هو عليه فى أوروبا والولايات المتحدة خلال العقد المقبل.
وسيكون ذلك مرتكزًا فى المقام الأول فى الصين والهند، فمن المقرر أن تتفوق هذه الدول فى أعداد السنتى مليونيرات على أقرانهم الأوروبيين والأمريكيين.
عوامل مشجعة
توجد عوامل مهمة تشجع نمو الثروة فى أى دولة، على رأسها السلامة والأمن القوى، حيث تعتبر مستويات الأمان وكفاءة الشرطة أهم عامل يشجع نمو الثروة على المدى الطويل، ولذا فحسب مؤشرات الأمان العالمية، هناك ٥ دول أكثر أمانًا، هى: مالطا، أيسلندا، سويسرا، نيوزلندا، أستراليا.
وينظر لوجود منافسة قوية من القطاع الخاص فى الخدمات الأساسية على أنه من أهم عوامل بناء الثروة، وأيضًا وجود إعلام متطور وحيادى وخاصة بالنسبة للإعلام الاقتصادى لأنه يساعد فى نشر المعلومات للمستثمرين، ومن أقوى الأمثلة على ذلك: أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا والهند وكينيا ونيوزلندا وجنوب إفريقيا.
ومن العوامل التى يهتم بها أصحاب الثروات، هى حقوق الملكية القوية ووجود نظام مصرفى وسوق مال متطور، فهى التى تضمن استثمار وتنمية الثروات، وأخيرًا معدلات الضرائب المنخفضة، وتعد دول موريشيوس وسنغافورة والإمارات، أمثلة على دور ذلك فى تشجيع إطلاق الأعمال.
توازن نوعى
ومن الأشياء التى تتغير سريعًا فيما يخص هذه الطبقة الجديدة، التوازن بين الجنسين، فهناك زيادة فى أعداد النساء من السنتى مليونيرات، وحسب بنك «باركليز»، حوالى ١٥٪ من أصحاب الثروات الضخمة أصبحوا الآن من النساء الأصغر سنًا، واللائى يعود صعودهن بالدرجة الأولى لقدراتهن فى ريادة الأعمال وإدارة المشروعات.
توازن نوعى
ومن الأشياء التى تتغير سريعًا فيما يخص هذه الطبقة الجديدة، التوازن بين الجنسين، فهناك زيادة فى أعداد النساء من السنتى مليونيرات، وحسب بنك «باركليز»، حوالى ١٥٪ من أصحاب الثروات الضخمة أصبحوا الآن من النساء الأصغر سنًا، واللائى يعود صعودهن بالدرجة الأولى لقدراتهن فى ريادة الأعمال وإدارة المشروعات.
رواد التكنولوجيا
تسببت ثورة التقنيات التكنولوجية فى صعود رواد أعمال شباب لديهم شركات ناجحة، ففى خلال آخر ٣٠ عامًا، أصبحت البيانات هى ما يولد الثروة، فمثلًا شركة «جوجل» لا تحقق أرباحًا من خلال الدفع، لكن عن طريق بيع البيانات التى يقدمها عملاؤها عن طيب خاطر.
لذا فنجد أن هذه النوعية من رواد الأعمال صنعت الثروات من خلال الاستعانة بقوى عاملة قليلة مع جذب للعملاء، وهذا يظهر بوضوح فى ابلكيشنز «تطبيقات» المواعدة، والتى تبنى ثروات كبيرة فى وقت قصير.
من ناحية ثانية، فإن التطور التكنولوجى غير من عادات الاستثمار للأجيال الشابة من السنتى مليونيرات، حيث أصبحوا أكثر اعتمادًا على الخوارزميات «تعليمات برمجية آلية» لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية، وأقل تشككًا فى العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال «أصول مشفرة».
خريطة الأسواق
يشكل أصحاب الثروات الفاحشة من السنتى مليونيرات حوالى ٤٪ فقط من مجموع سكان العالم، وبالنظر إلى الخريطة، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية يعيش بها ٩٧٣٠ سنتى مليونير، وتأتى فى المرتبة الأولى لأهم ١٠ دول لهذه الطبقة.
وفى المرتبة الثانية، يعيش فى الصين ٢٠٢١ سنتى مليونير، أما الهند فيوجد بها ١١٣٢ سنتى مليونير، وتضم المملكة المتحدة ٩٦٨ سنتى مليونير، ويعيش فى ألمانيا ٩٦٦ سنتى مليونير، و٨٠٨ فى سويسرا. ويوجد باليابان ٧٦٥ سنتى مليونير، و٥١٤ سنتى مليونير فى كندا، وفى المرتبة التاسعة تأتى أستراليا بعدد ٤٦٣ سنتى مليونير، وأخيرًا روسيا بعدد ٤٣٥ سنتى مليونير، وتغيب فرنسا وإيطاليا عن قائمة المراكز العشرة الأولى، والتى تضم ٣٨٠ و٢٩٨ سنتى مليونير على التوالى.
وفى إفريقيا تحتل دولة جنوب إفريقيا المرتبة الأولى، بعدد ٩٢ سنتى مليونير لتحتل المركز الـ٢٧ عالميًا.
مخاوف الدولار
عندما تمتلك ١٠٠ مليون دولار أو أكثر يستحيل أن تفكر فى تكلفة أى شىء، لكن سيكون أكبر همومك هو أن تضمن أن هذه الأموال تدار بشكل صحيح من أجل اليوم والمستقبل، وهو ما يخيف ويقلق السنتى مليونيرات فى العالم، فالإدارة هى سر الثروة الضخمة. ولأن حوالى ٤٠٪ من السنتى مليونيرات يعيشون فى الولايات المتحدة الأمريكية، فمعظمهم إن لم يكن كلهم، حياتهم المالية مرتبطة بالدولار والحكومة الأمريكية والنظام المالى هناك وقرارات الفيدرالى «البنك المركزى الأمريكى». ولذا فهذه الفترة التى يمر بها الاقتصاد الأمريكى بحالة عدم استقرار، أصبح السنتى مليونيرات فى حالة انتباه للخطر الذى يحيط بهم، خاصة مع ارتفاع سقف الدين الأمريكى، الأمر الذى يقوض هيمنة الدولار التاريخية. وهو ما معناه أن الأصول المقومة بالدولار سوف تنهار فى هذه اللحظة، وهو ما ستكون نتيجته ضياع مبالغ طائلة من الثروات، وهو سيناريو فطن له السنتى مليونيرات، ليتحركوا لنقل جزء من ثرواتهم إلى عملات أخرى، كشكل من أشكال التأمين المالى. وهنا القصة ليست فقط فى تنويع المحفظة الاستثمارية، بل فى التحرر من سيطرة حكومة واحدة ونظام مالى واحد وقوانين واحدة، حيث اتجهوا إلى عملات مثل الفرنك السويسرى، والكرونة النرويجية، والدولار السنغافورى، والتى تعتبر من بين أفضل عملات مدارة فى العالم لحماية الثروة.
مدن مستضيفة
تستضيف عدة مدن سنتى مليونيرات العالم، على رأسها ١٥ مدينة تعتبر الأعلى، وتتصدرها مدينة نيويورك بعدد ٧٧٥ سنتى مليونير، فهى المركز المالى للولايات المتحدة الأمريكية وموطن لأكبر بورصتين فى العالم، هما بورصة نيويورك وناسداك.
وفى المركز الثانى تأتى منطقة خليج سان فرانسيسكو الأمريكية، والتى تشمل فرانسيسكو وسيليكون فالى، وذلك بعدد ٦٩٢ سنتى مليونير، ومن المتوقع أن تتجاوز مدينة نيويورك فى وقت ما قبل عام ٢٠٤٠. وتوجد فى المرتبة الثالثة لندن بعدد ٣٨٨ سنتى مليونير، ولوس أنجلوس الأمريكية بعدد ٥٠٤ سنتى مليونيرات، ثم بكين بعدد ٣٦٥ سنتى مليونير، وشنغهاى الصينية بعدد ٣٣٢ سنتى مليونير، ثم جنيف السويسرية بـ٣٤٥ سنتى مليونير التى تعد موطنًا للبنوك الخاصة ومديرى الثروات والمكاتب التى يثق بها أغنى العائلات الثرية، ثم شيكاغو بعدد ٢٨٦ سنتى مليونير.
وفى المرتبة التاسعة تأتى سنغافورة بعدد ٣٣٠ سنتى مليونير، ثم هيوستن الأمريكية بعدد ٣١٤ سنتى مليونير، وهونج كونج بعدد ٣٠٥ سنتى مليونير، ثم موسكو بعدد ٢٦٩ سنتى مليونير، وطوكيو بعدد ٢٦٣ سنتى مليونير، وزيورخ السويسرية بعدد ٢٥٨ سنتى مليونير، وأخيرًا مومباى الهندية بعدد ٢٤٣ سنتى مليونير.
ورغم الفارق الضئيل، إلا أن مدينة دبى فارقت قائمة المدن الـ١٥ الأكثر استضافة للسنتى مليونيرات فى العالم، حيث يوجد بها ٢٠٢ سنتى مليونير، وتحتل المرتبة الـ١٨ عالميًا.