العلاقات اليونانية المصرية والجغرافيا السياسية المتوسطية
اليونان ومصر دولتان محوريتان فى شرق البحر الأبيض المتوسط، وفى الفضاء الجيوسياسى الأكبر الذى يوحد جنوب أوروبا وغرب آسيا وشمال إفريقيا. وقد اقتربت اليونان ومصر خلال الفترة الماضية، من خلال سلسلة من المبادرات الدبلوماسية التى تدفع التعاون الثنائى بين البلدين إلى الأمام بما فى ذلك الروابط الدبلوماسية والعسكرية والمالية والثقافية. وقد نمت العلاقات الثنائية اليونانية المصرية بشكل مطرد على مدى السنوات الأخيرة وتطورت إلى شراكة استراتيجية.
هذه التطورات المهمة هى نتيجة للتحضيرات الدبلوماسية الدقيقة والعقلية الاستراتيجية الاستباقية لكل من الحكومة المصرية واليونانية. تشمل العلاقات اليونانية المصرية مجموعة متنوعة من المجالات، الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، مع التركيز على التآزر الدبلوماسى وفى المقام الأول على التعاون الاقتصادى. كما تتمتع اليونان ومصر بتعاون وثيق فى سياق المنظمات الدولية وفى إطار الشراكة الأورومتوسطية.
على المستوى العسكرى، تشارك اليونان وقبرص ومصر إلى جانب دول أخرى فى المنطقة فى مناورات جوية مشتركة فى شرق البحر الأبيض المتوسط، فى محاولة لخلق الاستقرار فى منطقة مضطربة فى كثير من الأحيان. تنظر اليونان ومصر إلى نفسيهما على أنهما وريثتان للثقافات القديمة، وهو جانب لا تفهمه غالبًا الدول الأوروبية الأطلسية ذات العمق التاريخى المحدود.
كان المعلمان الأكثر تميزًا للتعاون اليونانى المصرى إنشاء منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط «EMGF» فى عام ٢٠١٩ «التأسيس الرسمى فى عام ٢٠٢٠»، وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجزئية بين اليونان ومصر لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة فى عام ٢٠٢٠.
الجانب الأكثر ملموسية حتى الآن فى العلاقات اليونانية المصرية هو الجانب الاقتصادى، نظرًا لأن أوروبا الشرقية والبحر الأسود- التى كانت ذات يوم نقاطًا مهمة لممرات الطاقة- أصبحت تدريجيًا على مدار السنوات الأخيرة مناطق عدم استقرار وتوتر متزايد، غالبًا ما يُنظر إلى البحر الأبيض المتوسط على أنه منطقة بديلة محتملة لشراء الطاقة من الاتحاد الأوروبى. وهناك هيئة دولية جديدة ذات أهمية جيوسياسية، منتدى غاز شرق المتوسط الذى تأسس فى عام ٢٠١٩ وتولى السلطة فى عام ٢٠٢٠.
وعلى المستوى الدبلوماسى، كان أبرز ما يميز العلاقات الوثيقة بين اليونان ومصر هو التوقيع فى أغسطس ٢٠٢٠ على صفقة مهمة لترسيم الحدود الجزئية لمنطقتيهما الاقتصادية الخالصة. وقد حددت الصفقة جزئيًا المناطق الاقتصادية الخالصة الوطنية للبلدين جنوب شرق جزيرة كريت اليونانية وشمال شرق محافظة مطروح فى مصر فى أراضيها الشمالية الغربية. كان الهدف المعلن لهذه الصفقة دبلوماسيًا واقتصاديًا، فيما يتمثل الجانب الدبلوماسى فى تعزيز العلاقات الوثيقة بين الدولتين وحماية التوازن الجيوسياسى فى المنطقة. ويتمثل الجانب الاقتصادى البحت فى أن تتحرك الدولتان إلى الأمام لتحقيق أقصى استفادة من الثروات فى مناطقهما الاقتصادية الخالصة.
أصبح البحر الأبيض المتوسط الآن بسرعة بمثابة قلب اقتصادى جديد للمنطقة الكبرى: لمصر والاتحاد الأوروبى والدول الإفريقية وغرب آسيا. كما تنشأ مراكز الاستثمار والطاقة على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط، مما يوفر نقاطًا محورية جديدة للاقتصاد العالمى.
وإذا جمعنا هذا الاتجاه الواضح مع الأهمية الاستراتيجية القصوى لقناة السويس بالنسبة للشحن العالمى وتحول الاقتصاد الأوروبى نحو الطاقة النظيفة، يمكننا أن نرى بوضوح نمطًا ناشئًا.
وفى سياق الدور الجديد لمصر كمزود أساسى للطاقة للاتحاد الأوروبى، فإن أهمية اليونان نفسها آخذة فى الارتفاع، فاليونان هى أقرب دولة فى الاتحاد الأوروبى إلى مصر وشريك دبلوماسى. والتحديات الجديدة التى تواجه البلدين متعددة الأوجه، بعضها إقليمى، وبعضها الآخر هيكلى وتاريخى كبير يؤثر على قارات بأكملها وليس فقط البحر الأبيض المتوسط مثل: الأزمة فى غزة، والوضع فى ليبيا، والتعاون فى البحر الأبيض المتوسط، والتعامل مع تدفقات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبى من منطقة جنوب الصحراء الكبرى فى إفريقيا وغرب آسيا. وبالنسبة لليونان، فإن مصر ضرورية كمنطقة خلفية استراتيجية للسلام والاستقرار فى الشرق الأوسط وللربط بين الاتحاد الأوروبى بأكمله والمنطقة.
وفى هذا السياق، كانت اليونان باعتبارها أول جارة لمصر فى الاتحاد الأوروبى إلى الشمال ضرورية فى تعزيز إطار التعاون فى بيروقراطية الاتحاد الأوروبى لسنوات. كما كانت اليونان أول دولة فى الاتحاد الأوروبى توقع اتفاقية علاقات دولية ثنائية مع مصر فى عام ٢٠٢٠ بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة، واتفاقية الهجرة والتنقل فى عام ٢٠٢٢، وإقامة تعاون عسكرى من خلال التدريبات المشتركة منذ عام ٢٠١٣.
بالنسبة لمصر، أصبح المنفذ الشمالى المتوسطى الذى يربطها باليونان وبقية دول الاتحاد الأوروبى مهمًا بشكل متزايد فى فترة من عدم الاستقرار المتزايد فى الغرب «ليبيا»، والشرق «إسرائيل وفلسطين»، والجنوب «السودان وإثيوبيا». وبهذا المعنى، فإن الطريق الشمالى نحو الاتحاد الأوروبى هو منارة للاستقرار والقوة الاقتصادية المحتملة. وتؤكد التطورات الأخيرة أهمية هذا الطريق الأوروبى الشمالى لمصر. فى مارس ٢٠٢٤، وقع الاتحاد الأوروبى ومصر شراكة استراتيجية مهمة.
وقد تبع هذا الاتفاق إجراءات تنفيذية فى يوليو ٢٠٢٤. ويسعى بلدانا إلى المضى قدمًا فى تعميق علاقاتهما القائمة على الاحترام المتبادل للمصالح الوطنية والتعاون فى الدبلوماسية والاقتصاد والثقافة.
أستاذ الجغرافيا السياسية فى جامعة أثينا