كيف تستفيد إسرائيل من الصراع فى السودان؟
بعد سقوط الرئيس السودانى السابق، عمر البشير، عام 2019، برزت إسرائيل كلاعب مهم فى المرحلة الانتقالية، فى الدولة الواقعة إلى جنوب مصر.. لأن لإسرائيل مصلحة استراتيجية فى تطبيع العلاقات مع السودان، حيث إن ساحلها على البحر الأحمر، يشكل أهمية أمنية واقتصادية كبيرة.. فالسودان يمثل قلب إفريقيا، وله امتدادات عميقة فى القارة الإفريقية، بفضل موقعه ومساحته الجغرافية الكبيرة وحدوده الواسعة.
وفى الخمسينيات من القرن العشرين، احتلت السودان موقعًا محوريًا فى «عقيدة المحيط»، التى تبنتها إسرائيل، والتى تم تطويرها، كقوة موازنة لمنطقة عربية كانت معادية إلى حد كبير للدولة الإسرائيلية.. وتضمنت العقيدة تشكيل تحالفات وبناء علاقات مع دول إسلامية أخرى.. وكان الدعم الذى قدمته إسرائيل لحركات التمرد فى جنوب السودان ـ قبل انفصاله ـ مثالًا جيدًا على ذلك.. واليوم، جعلت واشنطن من الانفتاح والتطبيع مع إسرائيل، معيارًا لمتانة العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية، خصوصًا فى عهد إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب.. وقد دفعت هذه الأجندة، التى تروج لها بعض الدول الإقليمية، أطرافًا سودانية إلى التحرك نحو بوابة التطبيع مع إسرائيل، من أجل الحصول على الشرعية الدولية.
تجلى هذا بوضوح فى عدد من التطورات، بما فى ذلك زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى إلى الخرطوم فى فبراير 2023، حيث التقى برئيس المجلس الرئاسى السودانى، عبدالفتاح البرهان.. وكان رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، قد قال فى وقت سابق، إن التطبيع مع إسرائيل يتطلب «نقاشًا عميقًا» بين المجتمع السودانى.. ويبدو أن محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتى»، الذى يقود ميليشيا الدعم السريع، كان قادرًا على تقديم تنازلات أكبر، خصوصًا بعد توقيعه صفقة عام 2019، مع شركة ضغط فى الولايات المتحدة، أسسها عميل استخبارات إسرائيلى سابق.. وعقد حميدتى لقاءات مع المخابرات الإسرائيلية، حتى إنه ورد فى مايو 2022، أن وفدًا سريًا سلم زعيم الميليشيا تكنولوجيا مراقبة متقدمة.. كما أعربت ميليشا الدعم السريع عن دعمها عملية التطبيع وتوقيع اتفاقيات إبراهام.. وكل هذه التحركات كانت تهدف إلى تأمين الدعم الأمريكى والدولى، على الرغم من رفض الشعب السودانى هذا النهج.
فى الوقت نفسه، تسعى إسرائيل إلى تعزيز موقعها الاستراتيجى فى السودان، لتعزيز أمنها وتوسيع نفوذها الإقليمى، وخصوصًا فى إفريقيا، وتهدف إلى الاستفادة من ساحل البحر الأحمر الطويل لأغراض التجارة والدفاع والأمن، وخصوصًا كحصن ضد إيران، التى تريد إسرائيل الحد من نفوذها المتوسع فى المنطقة، مع وقف طرق تهريب البشر والأسلحة من السودان إلى غزة.. ومن شأن تحسين العلاقات مع السودان، أن يعزز علاقات إسرائيل مع دول إفريقية أخرى، ويساعدها فى الوصول إلى الأسواق الإفريقية، وخصوصًا بعد تعليق صفة المراقب لإسرائيل فى الاتحاد الإفريقى.. بالإضافة إلى أن تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات الفلسطينية، وغيرها من جماعات المقاومة فى شمال إفريقيا، من شأنه أن يساعد إسرائيل فى سعيها لتقويض هذه المنظمات، وتخفيف التهديدات المتوقعة، وتنفيذ ضربات استباقية.
وتنظر إسرائيل أيضًا إلى التطبيع من خلال عدسة اقتصادية، حيث تسعى إلى فتح الباب للاستثمارات فى الزراعة والتعدين والأمن، مع تعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية فى إثيوبيا، وفى جميع أنحاء منطقة القرن الإفريقي.. ومن المتوقع أن تستفيد إسرائيل من بناء سد النهضة الإثيوبى الكبير، الذى كان وما زال، نقطة خلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا.
ومن بين الأطراف المتحاربة فى السودان، فإن ميليشيا الدعم السريع هى الأكثر انسجامًا مع المصالح الاستراتيجية والأهداف الوطنية لإسرائيل.. وقد تعهدت هذه الميليشيا بمحاربة «الإسلاميين المتطرفين»، وحذفت مؤخرًا كلمة «القدس» من شعارها.. ومن ناحية أخرى، يتمتع السودانيون الوطنيون بنفوذ كبير على الجيش السودانى، وهو ما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية، بعد أن دعم النظام السودانى علنًا حركات المقاومة الفلسطينية فى الماضى.. وفى الوقت نفسه، أثبت نشر ميليشيا الدعم السريع فى العمليات الإقليمية فعاليته، مثل دعمها للجنرال خليفة حفتر فى ليبيا.. وعلاوة على ذلك، فإن تورط ميليشيا الدعم السريع فى تعدين الذهب خارج سيطرة الدولة، يجعل من السهل على القوى الدولية التلاعب بهذه الميليشيا، وتوجيهها لخدمة مصالحها وأهدافها.. وقد أدت الاشتباكات بين ميليشيا الدعم السريع والجيش السودانى إلى انتشار الفوضى فى مختلف أنحاء السودان، مما يجعل من الصعب تقدير طول الطريق نحو الاستقرار.. ومع نزوح مئات الآلاف من الناس، هناك أيضًا خطر زيادة موجات هجرة اللاجئين مع استمرار الصراع.. لكن هذه الفوضى سوف تؤثر إيجابًا على إسرائيل، بمحاولة إضعاف مصر استراتيجيًا وعسكريًا.. أو على الأقل، إشغالها بعيدًا عما يحدث فى غزة.
●●●
لذلك، لم يكن مستغربًا أن ناشد مستشار قائد ميليشيا الدعم السريع، محمد صالح، إسرائيل بالوقوف إلى جانب ميليشياه، فى أبريل الماضى، عبر حديث له فى الإذاعة العبرية العامة، حيث قال إنهم فى السودان يقاتلون نظام «الإخوان المسلمين»!!، المدعوم من إيران، مثله فى ذلك مثل حماس التى وصفها بـ«الإرهابية».. وحاول هذا المستشار، فى حديثه للإذاعة العبرية، حشد الرأى العام الإسرائيلى إلى جانب ميليشياه.. وحسب ما نقلت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية، قال محمد صالح، إن «على إسرائيل أن تفهم أن نظام البرهان الإخوانى، سيبذل قصارى جهده للبقاء فى السلطة، بما فى ذلك التعاون مع الأنظمة الإجرامية والفاشية»، حسب تعبيره.. وشدد على أن النظام لا يهتم إلا بالكرسى، ويتعاون «حتى مع الشيطان للبقاء فى السلطة.. إنه يستخدم إيران للبقاء فى السلطة ولقتال المدنيين، وليس قوات الدعم السريع التى تسيطر على الأرض»، على حد قوله.. مع أن ميليشيا الدعم السريع قامت بارتكاب انتهاكات خطيرة فى حق المدنيين فى السودان، وجرائم حرب ترقى للإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، لا سيما فى إقليم دارفور وولاية غرب دارفور، التى شهدت مقتل أكثر من خمسة عشر ألف من قبيلة «المساليت» على يد الدعم السريع والميليشيا المتحالفة معها.
وطبقًا للإذاعة العبرية، حاول مستشار ميليشيا الدعم السريع، حشد الرأى العام الإسرائيلى إلى جانبه.. قال، «مثلما أنتم الآن تقاتلون حماس التى تدعمها إيران، فإننا نقاتل نظام الإخوان المسلمين، الذى يتلقى الدعم أيضًا من إيران».. وشبه هذا المستشار حربهم ضد الجيش السودانى، بالحرب التى يخوضها الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى، وادعى وجود قواسم مشتركة بين الحربين!!.. وزاد بالقول، «نحن جميعًا نتعامل مع جهات تهدد المنطقة، مصدرها نظام أيديولوجى إسلامى متطرف يتعاون مع إيران».. وأعرب عن أمله فى أن تساعد إسرائيل قوات دقلو ضد البرهان.. وزعمت الإذاعة العبرية أنه «يبدو أن إسرائيل تفضل حاليًا البقاء خارج الحرب فى السودان، لكن التورط الإيرانى المتزايد فى هذا المكان الإستراتيجى، يشكل بالتأكيد مصدرًا للقلق».
●●●
وللمداراة على هزائم ميليشيا الدعم السريع الأخيرة أمام قوات الجيش السودانى الوطنى، الذى أحرز مؤخرًا، تقدمًا فى العاصمة السودانية الخرطوم وولاية سنار الجنوبية الشرقية، زعم حميدتى، أن الغارات المصرية ضد قواته، دفعتهم إلى التراجع عن منطقة جبل موية الاستراتيجية.. متهمًا القاهرة، فى مقطع فيديو مسجل، بشن ضربات جوية على قواته، وقيامها بتدريب الجيش السودانى وإمداده بطائرات مسيرة، فى الحرب المستمرة منذ ثمانية عشر شهرًا تقريبًا فى السودان بين ميليشيا الدعم السريع والجيش السودانى، الذى حقق تقدمًا فى الآونة الأخيرة، «إن مصر استخدمت قنابل أمريكية فى ضرباتها، وسبق واستضافت محادثات بين الفصائل السياسية المتنازعة.. لقد سكتنا كتير كثيرًا جدًا، وقلنا يمكن يصحوا، لكنهم متمادين فى المعركة»!!.
إلا أن وزارة الخارجية المصرية، نفت المزاعم التى جاءت على لسان محمد حمدان دقلو، بشأن اشتراك الطيران المصرى فى المعارك الدائرة بالسودان.. وقالت فى بيان، إن «المزاعم تأتى فى خضم تحركات مصرية حثيثة لوقف الحرب وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية، للمتضررين من الحرب الجارية بالسودان الشقيق».. وأكدت مصر حرصها على «أمن واستقرار ووحدة السودان الشقيق أرضًا وشعبًا»، مشددة على أنها «لن تألو جهدًا لتوفير كل سبل الدعم للأشقاء فى السودان، لمواجهة الأضرار الجسيمة الناتجة عن تلك الحرب الغاشمة»، بعد أن أجبرت الحرب، التى اندلعت فى أبريل من العام الماضى، ما يقارب عشرة ملايين شخص على ترك منازلهم، وأدت إلى تفشى الجوع وانتشار المجاعة على نطاق واسع، كما حدثت فيها موجات من العنف العرقى، التى أُلقى باللوم فيها على قوات الدعم السريع.
صحيح، أن مصر تدعم الجيش السودانى بقيادة عبدالفتاح البرهان، إلا أن وزير الخارجية المصرى، بدر عبدالعاطى، أكد ـ خلال مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذى انعقد فى مصر، يوليو الماضى، لإنهاء الصراع الدامى الممتد منذ أكثر من سنة ـ أن أى حل سياسى «لا بد أن يستند إلى رؤية سودانية خالصة، دون ضغوط خارجية»، مشددًا على أهمية «وحدة الجيش ودوره فى حماية البلاد».. فى وقت نفى فيه الجيش السودانى، فى سبتمبر الماضى، حصوله على طائرات من نوع K-8 من مصر، مؤكدًا امتلاكه أسرابًا من هذا الطراز من الطائرات منذ أكثر من عشرين عامًا.
●●●
مؤخرًا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ألجونى حمدان دقلو موسى، شقيق قائد ميليشيا الدعم السريع، حميدتى، لدوره فى توريد الأسلحة إلى السودان، التى أججت الحرب، وأدت إلى ارتكاب فظائع فى حق المدنيين.. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية،فى بيان لها، إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة، فرض عقوبات على ألجونى «لقيادته الجهود الرامية إلى توريد الأسلحة من أجل مواصلة الحرب فى السودان».. كما قالت وزارة الخارجية الأمريكية، فى بيان آخر، إن ألجونى تورط فى شراء الأسلحة، وغيرها من المعدات العسكرية، التى مكَّنت الميليشا من تنفيذ عملياتها الجارية فى السودان، بما فى ذلك هجومها على الفاشر عاصمة شمال دارفور.. وذكر بيان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، أن «تصرفات ألجونى أدت إلى تأجيج الحرب والفظائع الوحشية التى ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع فى حق المدنيين، التى شملت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي».
و«بدلًا من الاستجابة لتحذيرات الولايات المتحدة وشركاء آخرين، استمرت ميليشيا الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، فى ارتكاب الفظائع، بما فى ذلك تلك التى تنطوى على العنف الجنسى والهجمات التى تستهدف عرقيًا الجماعات غير العربية»، وأشار البيان، إلى أن «الحرب بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع تسببت فى دمار هائل، حيث قُتل عشرات الآلاف وشُرد أكثر من أحد عشر مليون شخص، سواء فى الداخل أو الخارج.. يطالب الشعب السودانى، ويستحق السلام والعدالة والعودة إلى الحكومة المدنية».. وختم البيان بأن «إجراء اليوم يشكل جزءًا من جهودنا المستمرة لتعزيز المساءلة، لأولئك المسئولين عن تأجيج هذا الصراع.. وستواصل الولايات المتحدة استخدام الأدوات المتاحة لها، لدعم عملية السلام وفرض التكاليف على أولئك الذين يطيلون أمد الصراع».
ولمن لا يعرف، فإن ألجونى، هو مدير المشتريات فى ميليشيا الدعم السريع، وأحد الإخوة الأصغر لحميدتى، وكان مقربًا منه، وقد عمل سابقًا سكرتيرًا شخصيًا له.. وهو ضابط مهم فى الدعم السريع، ويكتسب هذه المكانة بالنظر إلى تفضيل حميدتى تعيين أفراد عائلته فى مناصب هامة فى هذه القوات..
وقد سيطر ألجونى على شركات واجهة للدعم السريع، بما فى ذلك شركة «تراديف» للتجارة العامة، التى استوردت المركبات إلى السودان، نيابة عن الدعم السريع.. وتم فرض العقوبات الأمريكية على ألجونى، بموجب الأمر التنفيذى رقم 14098، لكونه شخصًا أجنبيًا يشغل أو كان يشغل منصب فى منظمة، تشارك فى «أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار فى السودان».. وبموجب هذا التصنيف، يتم تجميد كل الممتلكات والمصالح فى الممتلكات التابعة للأشخاص الخاضعين للعقوبات فى الولايات المتحدة، أو الخاضعة لملكية أو سيطرة مواطنين أمريكيين، ويتم حظر أى كيانات يمتلكها واحد أو أكثر من الأفراد المحظورين بنسبة 50% أو أكثر، سواء كانت الملكية مباشرة أو غير مباشرة.. وتحظر تنظيمات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية غالبًا، كل تعاملات المواطنين الأمريكيين، أو التعاملات داخل الولايات المتحدة، «بما فى ذلك العمليات التى تمر عبر الولايات المتحدة، إذا كانت تشتمل على أى ممتلكات أو مصالح، فى ممتلكات أشخاص محظورين أو مدرجين على لوائح العقوبات».
●●●
وبعد أكثر من عام ونصف العام من الحرب، أصبح السودان من بين أعلى أربعة دول فى العالم، من حيث انتشار سوء التغذية الحاد، حسب تقديرات الأمم المتحدة.. كما أن المجاعة بدأت تظهر فى شمال دارفور، إضافة إلى تفشى العديد من الأمراض، مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.. وتشير تقديرات الأمم المتحدة، إلى أن 24.8 مليون شخص فى السودان، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ومنذ الخامس عشر من أبريل الماضى، نزح داخليًا حوالى ثمانية ملايين شخص بسبب النزاع المستمر.. وعلى ضوء هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية، اعتبرت ندى فضل، التى تدير وتشرف على مشاريع فى السودان لتوفير الخدمات الطبية، أن الوضع الإنسانى يفرض تدخلًا خارجيًا.. وقالت إنه «لا يمكن الوثوق فى حماية المدنيين، ومن المهم حماية العاملين أيضًا فى العمل الإنسانى، سواء لجان الطوارئ فى الأحياء أو المنظمات المحلية، التى تعتبر أكثر الفئات التى تقدم الدعم».
لقد تم استهداف العديد من العاملين فى العمل الإنسانى، تحدت ذريعة «التخوين والعمالة، وفى بعض الأحيان سرقة المساعدات، وحتى من يعملون فى المنظمات الأممية والدولية من المهم حمايتهم.. فهناك قتل وسرقات، ودون طرف يحميهم، سيكون من الصعب مساعدة المواطن الذى يحتاج للمساعدة».. وهو الأمر الذى تقول ندى، إنه يتطلب وجود قوة قادرة على حماية المدنيين.. ودخول قوات للسودان يمكن أن يكون له تأثير وضغط، فى زيادة الاهتمام بملف السودان وخصوصًا الوضع الإنسانى المتردي.. «ما نعول عليه كعاملين فى العمل الإنسانى، ليس هو استمرار الحرب، ولكن هو أن نستطيع العمل فى ظروف أفضل فى السودان. وهذا لا يحدث حاليًا».
وهو ما عبر عنه وزير خارجية جيبوتى، محمود على يوسف، الذى تترأس بلاده منظمة «إيجاد»، بقوله، إن الأزمة السودانية تمثل إحدى خيبات الأمل بالنسبة للإيجاد.. ورغم فشل المنظمة فى حل الأزمة، فإنه أشار إلى أن الجهود الإفريقية لا تزال مستمرة، معتبرًا أن إعادة الملف إلى الاتحاد الإفريقى هو السبيل الأمثل لحل الأزمة السودانية، «الأزمات الإفريقية تتطلب حلولًا إفريقية»، منتقدًا تعدد المبادرات الدولية التى لم تساهم فى تهيئة المناخ المناسب لجمع الأطراف السودانية، إذ فى ظل هذه الدعوات والوضع الإنسانى السيئ، تعثر العديد من المفاوضات والمبادرات الدولية الرامية لحل الأزمة، وكانت آخر هذه المبادرات فى أغسطس الماضى، بقيادة الولايات المتحدة فى سويسرا، تحت رعاية مشتركة سعودية وسويسرية، وبمشاركة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقى ومصر والإمارات كمراقبين.. وشاركت ميليشيا الدعم السريع فى المفاوضات، بينما رفض الجيش السودانى المشاركة لأسباب خاصة، كما عبر الجيش عن رفضه مخرجات محادثات جدة، ورفضه استخدام مصطلح «الجيش» من قبل الجانب الأمريكى، للإشارة إلى البرهان، عوضًا عن اعتباره رئيس الحكومة الشرعية للسودان.
●●●
ومع إصرار الطرفين على الحسم العسكرى، ازدادت الأوضاع تعقيدًا فى السودان، حيث أظهرت الحرب بشكل جلى تدفقًا غير مسبوق للأسلحة.. وأكدت منظمة العفو الدولية، فى يوليو الماضى، أن دولًا مثل الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات واليمن، ضخت كميات كبيرة من الأسلحة إلى السودان، مشيرة إلى أن طرفى الصراع يقوما بشراء هذه الأسلحة التى تغذى حرب السودان، وتقلل من فرص الوصول لحل سلمى.
يحدث هذا، فى وقت كشف فيه مكتب المبعوث الأمريكى الخاص للسودان، توم بيرييلو، أن ما نقلته وسائل إعلام على لسانه، بشأن جهود يقوم بها لبحث احتمال نشر قوات سلام إفريقية لحماية المدنيين فى السودان، قد أُخرِج من سياقه، بعد أن نشرت هذه الوسائل، الأسبوع الماضى، أن بيرييلو، قال خلال اجتماع مع مجموعة من الصحفيين فى العاصمة الكينية نيروبى، إنه يعقّد مشاورات مع الاتحاد الإفريقى بشأن إمكانية نشر قوات سلام إفريقية لحماية المدنيين، مع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية، وتزايد الدعوات الدولية للتدخل لحماية المدنيين.. وكان بيرييلو قد كتب، يوم الرابع من أكتوبر الجارى، «لدينا قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الإفريقى حول آلية مراقبة الاتفاقيات الحالية والمستقبلية.. ومن الأفضل دائمًا أن نكون مستعدين، ويجب على المجتمع الدولى أن يُقيَّم الخيارات المتاحة لدعم تنفيذ وقف الأعمال العدائية محليًا أو وطنيًا فى المستقبل».
أما الدعوات بشأن إرسال قوات إفريقية مثل «إيساف» فليست جديدة.. فقد دعت إليها من قبل الهيئة الحكومية للتنمية فى إفريقيا «إيجاد»، خلال اجتماعها فى أديس أبابا فى يوليو من العام الماضى، بعد ثلاثة أشهر من بداية الحرب فى السودان.. وجاءت دعوة «إيجاد» لنشر قوات «إيساف»، التى تعتبر جزءًا من الاحتياطى العسكرى لشرق إفريقيا، لضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من القتال.. لكن الأمر لم يتجاوز مرحلة المشاورات حتى الآن، فهذه القوات تدخلت من قبل فى دول مثل الصومال وجنوب السودان، لدعم عمليات حفظ السلام واستعادة الاستقرار.
وهنا نتساءل: ماذا يعنى إرسال قوات إفريقية إلى السودان؟.
عند الحديث عن إرسال قوات إفريقية للسودان فى ظل هذه التعقيدات وفشل العديد من المبادرات السابقة، يعتبر كاميرون هدسون، مستشار الشئون الإفريقية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن إرسال قوات إفريقية للسودان أمر غير منطقى ولن يحدث، وقد يستغرق إرسالهم، فى حال اتخذ القرار، أشهر أو حتى سنوات، وأشار إلى أن الحكومة فى الخرطوم لن توافق على إدخال هذه القوات.. بينما ترى أمانى الطويل، من مركز الأهرام المصرى، أن التدخلات الخارجية فى الدول الإفريقية، مثل التدخل الفرنسى فى مناطق عدة، غالبًا ما تواجه مقاومة داخلية وتفشل فى تحقيق الاستقرار.. وفى الحالة السودانية، تُحذر من أن تعدد الأطراف العسكرية والتحالفات القبلية، قد يؤدى إلى فوضى أكبر على الصعيد العسكرى، مما يضعف من احتمالية نجاح أى تدخل عسكرى، حتى وإن كان من قبل قوات إفريقية.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول إمكانية نجاح التدخل الإفريقى فى السودان، إذا ما تم إقراره وأصبح هو الحل الأخير لدعم المدنيين، وسط التعقيدات العسكرية والسياسية الحالية، وهل يمكن للقوات الإفريقية الصمود وإحراز تقدم أمام ميليشيا ليس لديها عقيدة واضحة أو مرجعية مُعتمدة؟.. لكنى أرى، أن تدخل أحد الأطراف، ذات الملاءة القانونية، باتفاقية الدفاع المشترك مع السودان، ربما يحسم الصراع لصالح الدولة الوطنية السودانية، وخصوصًا إذا كانت الدولة، طرف اتفاقية الدفاع المشترك مع الخرطوم، من أصحاب القدرة العسكرية الفائقة، التى تستطيع حسم الصراع السودانى، فى غضون أيام.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.