من هنا يبدأ بناء المواطن
فى قضية بناء المواطن المصرى التى يطالب بها الرئيس عبدالفتاح السيسى ووجه الحكومة بضرورة ذلك، هناك جانب بالغ الأهمية وهو الجانب الثقافى وتأهيل المواطنين ثقافيًا وفكريًا.
وهنا يستوجب توجيه هذه الرسالة إلى الحكومة وتحديدًا إلى الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، بأن المتمعن للأحوال الاجتماعية لجميع الدول يتأكد أن لكل مجتمع إنسانى ثقافته التى تميزه عن المجتمعات الأخرى من خلال ما تحوزه هذه المجتمعات من مكونات ثقافية، ومن عادات قيمية وسلوكية ومعرفية متنوعة، تعكس أنماط العلاقات الاجتماعية لكل مجتمع. حيث يكتسب الفرد هذه السلوكيات كجزء لا يتجزأ من المجتمع، وبالرغم من ذلك فإن الثقافة فى كثير من الأحوال لم تعد ضربًا من ضروب الرفاهية، بل أضحت لها أهمية بالغة فى مسار التفاعلات الإنسانية والاجتماعية.. لذا أصبحت للمحتوى الثقافى ضرورة حتمية فى إعادة النظر فى تصوراتنا الاجتماعية. ويتباين دور الثقافة فى كونها أحد متطلبات الكماليات الاجتماعية نحو بلوغ مزيد من التطور، وأنها ضرورة استراتيجية وحيوية من ضروريات الحياة المعاصرة.
والمتأمل فى ثقافة المجتمع المصرى يلاحظ أنها تفتقد إلى التماسك والقوة، بالإضافة إلى أنها تعانى تلاشى المناعة الثقافية؛ نتيجة العديد من المتغيرات، ما أدى إلى ضعف هذه الثقافة وتقاعسها عن القيام بدورها فى ضبط التكامل والتفاعل الاجتماعى وفى توجيه السلوك البشرى إلى الأفضل والأحسن.
بعض هذه المتغيرات يرجع إلى مواقف كثيرة، بعضها إلى طبيعة التحولات الاجتماعية، والقوى الفاعلة فى إطارها، ويرجع بعضها الآخر إلى أوضاع القوى الاجتماعية، وحالتى الضعف والانهيار اللذين أصابا الطبقة المتوسطة. ولا يمكن أن نتغافل الضعف الذى أصاب مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتآكل الذى أصابها بشكل واضح وظاهر.
وشهدت مصر العديد من التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وتمثلت هذه التحولات فى تغلب القيم الفردية والكسب السريع وطغيان المادة على القيم الجماعية، رغم تعزيز جهود الإصلاح. كما ترسخت القيم الفردية بديلًا عن القيم الجماعية، وسادت القيم المادية التى باتت تعلى من قيمة المكسب السريع على حساب العمل والإنتاج. وتأكدت القيم الاستهلاكية بديلًا عن القيم الإنتاجية. وفى ظل تلك التغيرات المتسارعة فى المجتمع المصرى تزداد أهمية الثقافة ويقع على عاتقها دور كبير فى التغيير الذى طال المجتمع؛ لما لها من قدرة هائلة على التأثير فى سلوك الجمهور، ولما لها من مسئولية مجتمعية فى التوعية والإرشاد للمواطنين.
وقد كان للتغيير الثقافى تأثير قوى فى طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فكانت، ولا تزال، الثقافة هى التى تسيطر على طريقة التفكير. ولا يخفى على أحد التغييرات السياسية التى حدثت عقب أحداث عام ٢٠١١ من إيقاع تأثير مهم فى المجتمع المصرى الذى شهد حالة اضطراب وفوضى لم تسبق لها مثيل، كل ذلك تسبب فى تأثير ثقافى بالغ. وهناك ارتباط وثيق بين القيم والتقاليد الثقافية والدينية والجغرافية، فالتقاليد الثقافية ذات القيمة لها دورها فى تطوير المواهب والمهارات فى مجالات كثيرة فى المجتمع.
إن الثقافة بهذا المعنى، بما فى ذلك لغاتنا ومعتقداتنا وتصوراتنا وأنظمتنا المعرفية الاجتماعية، تمهد الطريق لحل الكثير من المشكلات وتصنيفها والحكم عليها.
كما أن المفاهيم الثقافية تتحدد وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعملية الإبداعية، بل إن التطور الثقافى مرهون بالإبداع. وهناك علاقة وطيدة بين المفاهيم الثقافية والمنتج الإبداعى. وقد ظهر ذلك بشكل واضح من خلال مبدعى ونقاد هذه المرحلة.
خلاصة القول إن الأحداث التى مرت بها مصر منذ ٢٠١١، ومرورًا بثورة ٣٠ يونيو وحتى هذه التحديات البشعة الحالية التى تواجهها مصر حاليًا، وقبلها الحرب على الإرهاب وخلافه- كل هذه الأمور تحتاج إلى تغيير جذرى فى الثقافة المصرية المرتبطة بحركة الإبداع المعبرة عن ذلك. صحيح أن هناك الكثير من الأعمال التى ظهرت مؤخرًا سواء فى السينما أو الروايات أو الأغانى، إلا أنها لم ترق إلى الوصول إلى ما حققته هذه المرحلة من ازدهار فى تاريخ البلاد. ولذلك جاء حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحًا أن هناك ضرورة ملحة فى بناء الإنسان المصرى ثقافيًا. ولن يأتى إلا بتطوير الفكر والثقافة.
وللحديث بقية.