رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاذيب حميدتى.. لماذا الآن؟

الأكاذيب التى تضمنها خطاب قائد ميليشيات الدعم السريع فى السودان، محمد حمدان دقلو «حميدتى»، لا تأتى فى هذا التوقيت اعتباطًا وإنما لها أسباب تتعلق بحميدتى نفسه والهزائم التى تلقاها مؤخرًا على يد الجيش السودانى وحولته إلى كلب يعوى بخطاب بائس. الصراع السودانى الحالى بدأ فى أبريل 2023 بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتى، وهو صراع على السلطة والنفوذ فى السودان. يأتى هذا الصراع فى وقت كانت فيه البلاد تعانى من أزمة اقتصادية وسياسية حادة بعد الإطاحة بعمر البشير فى 2019. حميدتى وقواته، التى نمت فى البداية كميليشيا لمكافحة التمرد فى دارفور، أصبحت قوة عسكرية قوية، حيث تشكل تهديدًا كبيرًا للجيش النظامى.
فى خطابه، اتهم حميدتى مصر بتقديم دعم مباشر للجيش السودانى فى عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع. ويأتى هذا الاتهام فى وقت تزداد فيه عزلة حميدتى الدولية والإقليمية، حيث تبدو قوات الدعم السريع فى موقف أضعف مقارنة بالجيش السودانى. على الرغم من العلاقات التقليدية القوية بين مصر والسودان، خصوصًا مع الجيش السودانى الذى يعتبره العديد من المراقبين حليفًا استراتيجيًا لمصر، فإن القاهرة حرصت على الحفاظ على موقف متوازن، معلنة رغبتها فى دعم الحوار والسلام فى السودان، دون التورط فى الصراع الداخلى.
لماذا وجّه حميدتى الاتهام لمصر؟
حميدتى يواجه ضغوطًا متزايدة داخليًا وخارجيًا. فى ظل تراجع الدعم الدولى لقواته، والاتهامات المتزايدة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، يسعى حميدتى إلى تصوير نفسه كضحية لمؤامرة إقليمية. توجيه الاتهام لمصر يمكن أن يكون جزءًا من محاولة لكسب دعم محلى فى السودان، خصوصًا فى أوساط القوى السياسية التى تعارض التدخل الخارجى فى الشئون الداخلية.
وبتوجيه الاتهام لمصر، يحاول حميدتى إضعاف شرعية الجيش السودانى أمام الشعب السودانى، حيث يمكن أن يُفسر ذلك كدليل على أن الجيش لا يعتمد فقط على قوته الداخلية بل يحتاج إلى دعم خارجى. هذا الاتهام قد يستهدف تعزيز روايته بأن قواته تقاتل ضد «تدخلات خارجية» وليس فقط ضد الجيش.
ويمكن أن يُنظر إلى هذا الاتهام على أنه محاولة لتصعيد الضغوط على عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السودانى، الذى يتمتع بعلاقات وثيقة مع مصر. باتهام حميدتى لمصر، ربما يحاول تقويض دعم البرهان إقليميًا ودوليًا أو حتى تحريك الأطراف الدولية للضغط من أجل تسوية سياسية.
لماذا ينهار حميدتى فى هذا التوقيت؟
حميدتى يجد نفسه فى مواجهة عزلة دولية متزايدة. العديد من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، وجهت انتقادات حادة لقواته بسبب التقارير التى تشير إلى ارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال النزاع. هذا العزل الدولى جعل من الصعب عليه تأمين الدعم اللوجستى والعسكرى.
وتواجه قوات الدعم السريع خسائر ميدانية كبيرة أمام الجيش السودانى، الذى يمتلك بنية تنظيمية وتسليحية أفضل. يبدو أن حميدتى فى موقف دفاعى، حيث تراجعت قواته عن العديد من المناطق التى كانت تسيطر عليها فى بداية النزاع، وبالإضافة إلى العزلة الدولية، يواجه حميدتى ضغوطًا داخلية هائلة. السودان يعانى من أزمة اقتصادية خانقة، ونقص فى الخدمات الأساسية مثل الغذاء والدواء. هذا الوضع يزيد من الضغط على قواته التى تعتمد على الدعم الشعبى فى بعض المناطق. تراجع الدعم الشعبى، خاصة فى ظل التقارير التى تتحدث عن الانتهاكات المرتكبة من قبل قوات الدعم السريع، يضعف موقف حميدتى بشكل كبير.
وبالرغم من أن العديد من الدول تتجنب التدخل العلنى فى الصراع السودانى، إلا أن هناك ميلًا عامًا لدعم الجيش السودانى بقيادة البرهان، كونه يمثل الدولة بشكل رسمى. الدول الإقليمية مثل مصر والسعودية تتعامل بحذر مع حميدتى، خوفًا من تصاعد الفوضى فى السودان وتأثيرها على المنطقة.
الخلاصة.. خطاب حميدتى واتهامه لمصر بمساعدة الجيش السودانى يعكس تصاعد الضغوط عليه داخليًا وخارجيًا. يأتى هذا الخطاب فى وقت يواجه فيه انهيارًا فى موقفه العسكرى والسياسى، ويبدو أن حميدتى يحاول إعادة ترتيب أوراقه عبر ترويج رواية التدخل الخارجى لتبرير موقفه أمام الشعب السودانى والمجتمع الدولى. ومع استمرار الصراع، من المتوقع أن تظل الاتهامات المتبادلة والتوترات الإقليمية حاضرة فى المشهد السودانى المعقد.