رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطيران الإسرائيلى قد يضع الخليج فى مأزق


فى اجتماع مجلس الوزراء الأمنى الإسرائيلى الخميس الماضى، ناقش وزراء كبار، بمن فيهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الخطة الشاملة للرد الإسرائيلى على وابل إيرانى من نحو مائتى صاروخ بالستى أرسلت البلاد بأكملها تقريبًا إلى الملاجئ المُحصنة.. وقد طرح المجلس تفويض رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع، يوآف جالانت، ببدء الرد وفقًا لتقديرهما.. بينما قال جالانت إن هجوم إسرائيل على إيران سيكون «مميتًا ودقيقًا»، وقبل كل شىء، مفاجئًا، حتى إن الإيرانيين «لن يفهموا ما حدث وكيف حدث.. سيرون النتائج».. فيما أشار مسئولون إسرائيليون إلى أن الانتقام القادم على وابل الصواريخ سيكون أكثر حدة.. لكن محللين ما زالوا يقولون إن أيًا من الطرفين لا يبدو مهتمًا بحرب شاملة.
فى نفس الوقت، أبلغت طهران دول الخليج العربى، بأنه سيكون «غير مقبول» أن تسمح باستخدام مجالها الجوى أو قواعدها العسكرية ضد إيران، وحذرت من أن أى خطوة من هذا القبيل ستؤدى إلى رد فعل.. هذه التطورات جاءت بعد مناقشات بين إيران وعواصم الخليج العربية الأسبوع قبل الماضى، على هامش مؤتمر آسيا فى قطر، عندما سعت دول الخليج إلى طمأنة إيران، بشأن حيادها فى أى صراع بين طهران وإسرائيل، وقال مسئول إيرانى كبير، إن «إيران أوضحت، أن أى إجراء من جانب أى دولة فى الخليج العربى ضد طهران، سواء من خلال استخدام المجال الجوى أو القواعد العسكرية، ستعتبره طهران عملًا اتخذته المجموعة بأكملها، وسترد طهران وفقًا لذلك».. وقال إن «الرسالة أكدت ضرورة الوحدة الإقليمية ضد إسرائيل، وأهمية تأمين الاستقرار».. وأوضحت الرسالة أيضًا، «أن أى مساعدة لإسرائيل، مثل السماح باستخدام المجال الجوى لدولة إقليمية فى شن عمليات ضد إيران، أمر غير مقبول».
وقد أجرى الرئيس الأمريكى، جو بايدن، مكالمة هاتفية، الأربعاء الماضى، مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، تضمنت مناقشة خطط ضرب إيران.. فى وقت تأمل فيه واشنطن إبداء رأيها بشأن ما إذا كان الرد مناسبًا، بعد أن قال بايدن يوم الجمعة قبل الماضى، إنه سيفكر فى بدائل لضرب حقول النفط الإيرانية إذا كان فى مكان إسرائيل.. وقال أيضًا إنه لن يؤيد قيام إسرائيل بضرب المواقع النووية الإيرانية.
ولم تناقش طهران مسألة زيادة منتجى النفط العرب فى الخليج لإنتاجهم، إذا تعطل الإنتاج الإيرانى خلال أى تصعيد، خصوصًا أن إسرائيل قد تستهدف منشآت إنتاج النفط داخل إيران، ردًا على الهجوم الصاروخى الإيرانى عليها.. وتملك منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، التى تقودها المملكة العربية السعودية بحكم الأمر الواقع، ما يكفى من الطاقة الاحتياطية من النفط، لتعويض أى خسارة فى الإمدادات الإيرانية، إذا أدى رد إسرائيلى إلى تدمير بعض منشآت طهران.. ومع أن القسم الأعظم من الطاقة الفائضة لمنظمة أوبك يقع فى منطقة الخليج فى الشرق الأوسط، فإن إيران لم تهدد بمهاجمة منشآت النفط فى الخليج، ولكنها حذرت فى وقت سابق من أن تدخل «أنصار إسرائيل» بشكل مباشر، من شأنه أن يؤدى إلى استهداف مصالحها فى المنطقة.. وبما أن المملكة العربية السعودية، شهدت تقاربًا سياسيًا مع طهران فى السنوات الأخيرة، فإن ذلك يساعد فى تخفيف التوترات الإقليمية، لكن العلاقات لا تزال صعبة.
فقد كانت السعودية حذرة من ضربة إيرانية على منشآتها النفطية، منذ الهجوم على مصفاتها الرئيسية فى أبقيق عام 2019، الذى أدى إلى توقف أكثر من 5% من إمدادات النفط العالمية لفترة وجيزة. ونفت إيران تورطها فى ذلك.. وقال دبلوماسى غربى فى الخليج، إن إيران أوضحت خلال الاجتماع الخليجى الإيرانى، الذى عقد مؤخرًا فى الدوحة، أن طهران دعت إلى الوحدة الإقليمية فى مواجهة أى هجوم إسرائيلى، وأنها تعتبر حياد دول الخليج هو الحد الأدنى.. وأن إيران أوضحت أن طهران ستراقب عن كثب، كيفية رد كل دولة خليجية فى حالة وقوع هجوم إسرائيلى، وكذلك كيفية استخدام القواعد الأمريكية الموجودة على أراضيها، حيث تستضيف البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منشآت أو قوات عسكرية أمريكية.
●●●
لذلك، بدأت دول الخليج فى الضغط على واشنطن، لمنع إسرائيل من مهاجمة المواقع النفطية الإيرانية، لأنها تشعر بالقلق من أن منشآتها النفطية قد تتعرض لإطلاق نار من وكلاء طهران إذا تصاعد الصراع، كما قالت ثلاثة مصادر خليجية.. وفى إطار محاولاتها لتجنب الوقوع فى مرمى النيران، رفضت دول الخليج، بما فى ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، السماح لإسرائيل بالتحليق فوق مجالها الجوى لأى هجوم على إيران، ونقلت هذا إلى واشنطن، حسب المصادر الثلاثة المقربة من الدوائر الحكومية فى هذه الدول الخليجية، بعد أن تعهدت إسرائيل بأن تدفع إيران ثمن هجومها الصاروخى الأسبوع قبل الماضى، بينما قالت طهران إن أى رد انتقامى سيقابل بدمار واسع النطاق، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب أوسع فى المنطقة، قد تتورط فيها الولايات المتحدة.
وتأتى هذه التحركات من جانب دول الخليج، بعد حملة دبلوماسية من جانب إيران، لإقناع جيرانها فى الخليج، باستخدام نفوذهم لدى واشنطن، وسط مخاوف متزايدة من أن إسرائيل قد تستهدف منشآت إنتاج النفط الإيرانية.. وقد حذرت إيران السعودية، من أنها لا تستطيع ضمان سلامة منشآت النفط بالمملكة، إذا حصلت إسرائيل على أى مساعدة فى تنفيذ هجوم.. وقال على الشهابى، وهو محلل سعودى مقرب من الديوان الملكى، «لقد صرح الإيرانيون بأنه إذا فتحت دول الخليج مجالها الجوى أمام إسرائيل، فسيكون ذلك بمثابة عمل حربى».. لقد أرسلت طهران رسالة واضحة إلى الرياض مفادها، أن حلفاءها فى دول مثل العراق أو اليمن قد يردون، إذا كان هناك أى دعم إقليمى لإسرائيل ضد إيران.
وقالت مصادر خليجية وإيرانية إن الهجوم الإسرائيلى المحتمل، كان محور المحادثات الأخيرة بين ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى، الذى كان فى جولة خليجية لحشد الدعم لبلاده.. وتأتى زيارة الوزير الإيرانى إلى جانب الاتصالات السعودية الأمريكية على مستوى وزارتى الدفاع، فى إطار جهد منسق لمعالجة الأزمة.. وأكد مصدر مطلع على المناقشات فى واشنطن، أن مسئولين خليجيين كانوا على اتصال بنظرائهم الأمريكيين، للتعبير عن قلقهم بشأن النطاق المحتمل للرد الإسرائيلى المتوقع.. ورفض البيت الأبيض التعليق عندما سُئل عما إذا كانت حكومات الخليج طلبت من واشنطن ضمان، أن يكون رد إسرائيل مدروسًا.. كل ما هو معروف، أن تحدث الرئيس الأمريكى، جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء الماضى، عن الرد الإسرائيلى، فى مكالمة هاتفية وصفها الجانبان بالإيجابية.. وقال جوناثان بانيكوف، نائب ضابط الاستخبارات الوطنية الأمريكى السابق لشئون الشرق الأوسط، والذى يعمل الآن فى مركز أبحاث المجلس الأطلسى فى واشنطن، إنه «من المرجح أن يكون قلق دول الخليج نقطة نقاش رئيسية مع الإسرائيليين، فى محاولة لإقناع تل أبيب باتخاذ رد مدروس بعناية»، لأن نفط المنطقة فى خطر!.
●●●
تملك منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، ما يكفى من الطاقة الاحتياطية من النفط لتعويض أى خسارة فى الإمدادات الإيرانية، إذا أدى رد إسرائيلى إلى تدمير بعض منشآت طهران.. ولكن الكثير من هذه الطاقة الفائضة موجود فى منطقة الخليج، لذلك، إذا تم استهداف منشآت النفط فى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، فقد يواجه العالم مشكلة فى إمدادات النفط.. لقد شهدت الرياض تقاربًا مع طهران فى السنوات الأخيرة، لكن الثقة لا تزال تُشكِّل مشكلة.. فالبحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تستضيف منشآت أو قوات عسكرية أمريكية.. وقال مصدر خليجى، إن المخاوف بشأن المنشآت النفطية، واحتمال نشوب صراع إقليمى أوسع نطاقًا، كانت نقطة محورية فى المحادثات بين المسئولين الإماراتيين ونظرائهم الأمريكيين.
فى عام 2022، أطلق الحوثيون المتحالفون مع إيران فى اليمن، صواريخ وطائرات دون طيار على شاحنات للتزود بالوقود، بالقرب من مصفاة نفط مملوكة لشركة بترول أبوظبى الوطنية «أدنوك»، وأعلنوا مسئوليتهم عن الهجوم.. وقال المصدر الخليجى «إن دول الخليج لا تسمح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوى، ولن تسمح للصواريخ الإسرائيلية بالمرور، وهناك أمل أيضًا فى ألا تقوم بضرب المنشآت النفطية الإيرانية.. وأكدت المصادر الخليجية، أن إسرائيل قد توجه ضرباتها عبر الأردن أو العراق، لكن استخدام المجال الجوى السعودى أو الإماراتى أو القطرى غير وارد وغير ضرورى استراتيجيًا.. وأشار المحللون أيضًا إلى أن إسرائيل لديها خيارات أخرى، بما فى ذلك قدرات التزود بالوقود فى الجو، والتى من شأنها أن تُمكن طائراتها من التحليق عبر البحر الأحمر إلى المحيط الهندى، ثم التوجه إلى الخليج ثم العودة.
وحسب مسئولين إسرائيليين كبيرين، فإن إسرائيل ستحدد ردها، وحتى كتابة هذا المقال، لم تقرر بعد، ما إذا كانت ستضرب حقول النفط الإيرانية، إذ إن هذا الخيار كان واحدًا من عدد من الخيارات، التى قدمتها المؤسسة العسكرية للقادة الإسرائيليين.. إلا أن السعودية، باعتبارها مصدرًا رئيسيًا للنفط، إلى جانب جيرانها المنتجين للنفط الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت وعمان والبحرين لديها مصلحة شديدة فى تهدئة الوضع، لكن، «فى خضم حرب صاروخية، هناك قلق جدى فى دول الخليج، خصوصًا إذا استهدفت الضربة الإسرائيلية منشآت النفط الإيرانية»، كما قال المصدر الخليجى، لأن أى ضربة إسرائيلية على البنية التحتية النفطية الإيرانية، سيكون لها تأثير عالمى، وخصوصًا على الصين أكبر مشترٍ للنفط الإيرانى وكذلك على كامالا هاريس، قبل الانتخابات الرئاسية فى الخامس من نوفمبر القادم، والتى تخوضها ضد دونالد ترامب.. فإذا ارتفعت أسعار النفط إلى مائة وعشرين دولارًا للبرميل، فإن هذا من شأنه أن يضر بالاقتصاد الأمريكى وبفرص هاريس فى الانتخابات.. لذا فإنهم الأمريكيين لن يسمحوا لحرب النفط بالتوسع.
ولا تزال حماية جميع المنشآت النفطية الخليجية تشكل تحديًا، على الرغم من وجود أنظمة دفاع صاروخية وباتريوت متقدمة، لذا ظل النهج الأساسى دبلوماسيًا، هو الإشارة إلى إيران، بأن دول الخليج لا تشكل أى تهديد.. خصوصًا، وكما أشار برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، إلى أن الرياض كانت عرضة للخطر «لأن الإيرانيين قادرون على اقتحام تلك المنشآت، نظرًا للمسافة القصيرة من البر الرئيسى لإيران».
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.