غنّوا كمان وكمان
وسط أجواء قاهرية رائعة وعلى مسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية انطلقت مساء أمس فعاليات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية والمقرر استمرارها حتى 24 من الشهر الجارى فى دورة تحمل اسم فنان الشعب «سيد درويش». اختيار اسم «سيد درويش» لهذه الدورة من المهرجان يعكس عبقرية من المنظمين، إذ يقول دون تشنج إن دولة تحتفل بمئوية رحيل موسيقار رائد من أبنائها هى بالمنطق دولة رائدة بالفعل فى مجال الطرب والموسيقى. فالشيخ سيد درويش الذى رحل فى ريعان شبابه ترك إرثًا موسيقيًا ضخمًا من حيث الكم والجودة يحمل اسمه، ومنجز درويش الموسيقى يكاد يوازى، بل يزيد على، كل المنجز الفنى لدول بأكملها.
شهد حفل الافتتاح حضورًا جماهيريًا كبيرًا ورائعًا وراقيًا تقدمه وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، الذى قام بتكريم كوكبة من نجوم مصر والوطن العربى من بينهم المؤلف الموسيقى اللبنانى زياد رحبانى الذى منعته ظروف الحرب على لبنان من حضور تكريمه، ومن تونس الفنان العروبى لطفى بوشناق الذى شدا ثم ألقى شعرًا مناصرًا للقضية الفلسطينية ومتغنيًا بحب مصر، والمطرب المغربى فؤاد زبادى، والعمانى خالد بن حمد البوسعيدى، والموسيقار السعودى ممدوح سيف، كما تم تكريم عدد من رموز الطرب والموسيقى فى مصر ليصل إجمالى عدد من تم تكريمهم إلى 19 اسمًا.
الغريب فى الأمر أن البعض تحدث عن أن كثرة الأسماء المكرمة شىء يأخذ من نجاح الافتتاح، وتلك واحدة من الانتقادات غير المنطقية، فما الذى يمنع من تكريم نجومنا مهما كثر عددهم؟ ولمن يتجاهل الحقائق أو يجهلها نؤكد أنه مهرجان تنظمه دولة لديها ثراء واضح فى المشهد الفنى يكاد ينافس أعرق المدارس الموسيقية على مستوى العالم. كما أنه مهرجان إقليمى معنى بالموسيقى والغناء فى المنطقة العربية كلها وليس فقط فى مصر الدولة المنظمة للفعالية. فضلًا عن كونه مهرجانًا فنيًا، وهو أيضًا مؤتمر علمى فى ذات الوقت بحيث ينبغى ألا يحظى نجوم الغناء بالتكريم وحدهم فى حين يتم تجاهل الملحنين كالراحل الراقى أحمد الحجار، أو الأكاديميين كالدكتور محمد شبانة، أو كبار العازفين مثل عازفة الفلوت العالمية إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة السابقة، وعازف الكولة عبدالله حلمى، أو الشعراء كالراحلين الكبيرين مأمون الشناوى وحسين السيد، والرائع إبراهيم عبدالفتاح، كل هؤلاء النجوم الذين صنعوا لنا أجمل الأغنيات والمقطوعات الموسيقية الخالدة.
يجدر بنا التأكيد على عراقة هذا المهرجان الكبير والقديم، نعم هو كبير من حيث أعداد النجوم المشاركين وجنسياتهم وكذلك العدد الكبير من الجمهور الذى يتسابق لحجز مقعده فى حفلات المهرجان ولياليه ويسعى حثيثًا لحجز تذاكر الحضور أو المتابعة عبر شاشات المتحدة التى تمتلك حقوق البث التليفزيونى حصريًا. أما فيما يتعلق بأقدمية هذا المهرجان وبلغة معلقى كرة القدم يجدر بنا القول إن لغة الأرقام التى لا تكذب تؤكد حقيقة ريادة هذا المهرجان، فالرقم «32» ليس رقمًا هينًا أو بسيطًا. وفى هذا أؤكد على أهمية انتظام هذا المهرجان لما له من أهمية كبيرة جدًا فى تعزيز الهوية والحفاظ على تراثنا الموسيقى وتعريف أجيال الشباب على الأصوات الراقية والمثقفة لنحارب بهم كل الظواهر الغنائية العشوائية التى فرضتها على الآذان العربية عوامل إنتاجية تتحكم فيها لغة الأرقام وأذواق دخيلة فرضت نفسها على سوق الإنتاج الفنى عمومًا والغنائى على وجه الخصوص.
يُحسب لإدارة المهرجان كذلك حسن التصرف وتعديل أجندة الحفلات بمجرد اعتذار النجمين اللبنانيين نتيجة ظروف العدوان الذى تتعرض له لبنان هذه الأيام، وهو أمر يشى باحترافية اللجنة المنظمة وقدرتها على تجاوز أى طارئ. ويبقى النغم الرقيق والصوت الجميل أمل من لا صوت له فى أن يسمع العالم كله صوت صرخاته أو يشعر بابتساماته، ويظل أملنا أن نستمر فى الغناء فنغنى حتى ترتوى أرواحنا بالجمال والرقة والمعانى السامية.