زيارة مواجهة التحديات
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى إريتريا تاريخية بكل المعانى، لأنها جاءت فى توقيت بالغ الأهمية، فى ظل منطقة مشتعلة بالتحديات والصراعات، وهى ليست عشوائية أو فجائية، إنما مخطط لها وتحمل الكثير من المضامين. هذه عادة مصر أن تتحمل كل التبعات والأزمات، وأن تحمل على عاتقها مسئوليات المنطقة بشكل يؤكد مكانتها العظيمة ودورها الرائد والفاعل فى المنطقة والإقليم بأسره.
كما أن هذه الزيارة تؤكد حرص مصر الشديد على مواجهة التحديات الصعاب التى تحدث فى المنطقة. وتحمل القمة الثلاثية بين الرئيس السيسى والإريترى أسياس أفورقى والصومالى حسن شيخ محمود معانى كثيرة، على رأسها التعاون ومواجهة تحديات القرن الإفريقى. ومعروف أن البلدين إريتريا والصومال يقعان فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر وقرب مضيق باب المندب، الذى بدأ يتأثر بسبب الاضطرابات الواقعة فى المنطقة بشكل واضح وظاهر. زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى سبقتها زيارة للوزير اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، والدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية. وتعنى هذه الزيارة الكثير من الأهداف لمواجهة التحديات الجسام التى تتعرض لها المنطقة بشكل واضح وصريح.
تأتى زيارة الرئيس لتؤكد تعميق العلاقات القوية بين مصر وإريتريا والصومال. والمعروف أنها علاقات قوية ومتينة وتتمتع بترابط وتنامٍ مستمر، وقد ظهر ذلك منذ تولى الرئيس السيسى سدة الحكم واهتمامه بإفريقيا.
القمة التى جمعت بين السيسى وأفورقى وشيخ ناقشت قضية بالغة الأهمية، هى كيفية مواجهة التحديات والمخططات التى تسعى إلى إحداث الاضطراب فى المنطقة، خاصة بعدما تعرضت الملاحة للخطر الشديد فى البحر الأحمر. وكانت له تأثيراته الخطيرة والعنيفة على البلدين الصومال وإريتريا. وبالتالى فإن الرؤية المصرية واضحة وصريحة بشأن التعاون بين البلدين الشقيقين، من أجل مواجهة كل المخاطر التى تتعرض لها منطقة القرن الإفريقى والبحر الأحمر. كما تمت مناقشة كل الرؤى بشأن منع كل المخططات التى تسعى إلى زعزعة الاستقرار وتفكيك دول المنطقة وتقويض الجهود الدءوبة للدول الثلاث التواقة إلى السلام والاستقرار والرخاء. فهذه الدول الثلاث والمنطقة وشواطئها على المدخلين الجنوبى وشمال البحر الأحمر تزخر بالثروات وبالفرص الواعدة للتنمية والازدهار. وفى ذات الوقت تمتلك الدول الثلاث الإرادة والقدرة على اغتنام وتعظيم الاستفادة من تلك الفرص، من خلال التعاون والتكامل والتنسيق الوثيق، كما أعلن عن ذلك الرئيس السيسى. وتم الاتفاق على تقديم كل أشكال الدعم للشمال الشقيق تحقيقًا لرؤية الرئيس حسن شيخ محمود لإعادة الأمن والاستقرار فى الصومال بواسطة جيشه الوطنى. وتناولت أيضًا المباحثات الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وبناء السلام فى الصومال، إضافة إلى مناقشة الكثير من الملفات الإقليمية المهمة فى المنطقة، على رأسها الأوضاع فى السودان الشقيق، وأهمية التوصل لوقف دائم لإطلاق النار فى كل أنحاء السودان فى أسرع وقت ممكن، والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية السودانية.
والحقيقة أن زيارة الرئيس إلى إريتريا تهدف إلى تكريس دبلوماسية القمة التى تم تدشينها تجاه الدول الإفريقية.
وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس مصرى، ما يعنى أنها زيارة نوعية جدًا، كررها الرئيس السيسى لأكثر من دولة إفريقية من قبل، وتأتى فى ظل التحديات الصعبة التى تشهدها منطقة القرن الإفريقى، خاصة البحر الأحمر وباب المندب، والتهديدات التى يواجهها الصومال ما يؤثر على وحدة أراضيه. ولا يخفى على أحد ارتباط مصر وإريتريا بآلية الجوار مع السودان، الذى يشهد حربًا عنيفة واضطرابات تهدد بتقسيمه بشكل بشع، وتسعى القاهرة- بكل السبل- إلى الحفاظ على وحدة الأراضى السودانية وعدم تقسيمها، وضرورة وقف الحرب الدائرة حالًيا. وهذه هى الرؤية المصرية فى كل الأراضى العربية بلا استثناء، وتتمثل فى ضرورة وحدة وسلامة البلاد وعدم التقسيم، حتى لا تنال منها المخططات والمؤامرات. وتسعى القاهرة بكل السبل إلى رفض التدخل الأجنبى فى شئون أى دولة عربية. الرؤية المصرية واضحة وقد أعلن عنها مرارًا وتكرارًا الرئيس عبدالفتاح السيسى.
ولا أحد ينكر على الإطلاق أن مصر تهدف فى المقام الأول إلى عودة الأمن والاستقرار إلى المنطقة بشكل أساسى، فى ظل التحديات التى تتعرض لها، ومنها القرن الإفريقى. كما أن رسالة مصر هى تعزيز التعاون بين الدول من أجل البناء والتنمية، وهذا هو هدف مصر بالدرجة الأولى، خاصة استقرار القرن الإفريقى والبحر الأحمر، لما لذلك من أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر، نظرًا لتأثيره المباشر على أمن البحر الأحمر وحركة الملاحة العالمية.