الحرب التى لن تنتهى!
رجلان، أحدهما إسرائيلى، نزح من منزله فى جنوب إسرائيل، بعد هجمات حماس فى السابع من أكتوبر الماضى على مستعمرات غلاف غزة، يقول، «كنت متأكدًا من أننا سنعود بحلول يناير».. والآخر فلسطينى، خرج بعد أن رد سلاح الجو الإسرائيلى، بقصف مدينته فى شمال غزة، معتقدًا أن المعركة ستنتهى خلال شهرين على الأكثر.. ولكن، وبدلًا من ذلك، استمرت الحرب فى غزة لمدة عام، دون نهاية فى الأفق.. لتكون أطول حرب بين الإسرائيليين والعرب منذ نهاية الصراع، الذى رسم حدود الدولة الإسرائيلية عام 1949.. كما أنها الأكثر دموية إلى حد بعيد.. قُتِل أكثر من ألف وخمسمائة إسرائيلى، معظمهم خلال هجوم حماس فى السابع من أكتوبر، واختُطِف حوالى مائتين وخمسين آخرين.. واستشهد أكثر من اثنين وأربعين ألف فلسطينى فى الهجوم الإسرائيلى المضاد، الذى بدأ بواحدة من أشد عمليات القصف التى سُجلت على الإطلاق فى الحروب الحديثة.
وبد مرور عام.. بدأت تتكشف الآن حرب أوسع ومتعددة الجبهات، بين إسرائيل وحلفاء حماس الإقليميين، كان آخرها مع غزو إسرائيل لبنان وقصف إيران إسرائيل، لكن جوهر الصراع لا يزال المعركة الأصلية بين حماس وإسرائيل، والتحدى «السيزيفى» تقريبًا، المتمثل فى إنهائها، ومعنى «السيزيفى»، هو العمل غير المُجدى، الذى لا يؤدى إلى نتيجة.
داخل إسرائيل التى تعانى من صدمة عميقة، أدى هذا الصراع إلى تضخيم الانقسامات الاجتماعية طويلة الأمد، وأثار جدلًا مريرًا حول ما إذا كان يجب إعطاء الأولوية لتدمير حماس أو صفقة لتحرير الرهائن.. وخارج إسرائيل، أثار ذلك، الرعب من الرد العسكرى الإسرائيلى على هجمات حماس، واتهام تل أبيب بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب، والاحتجاجات الواسعة النطاق فى الولايات المتحدة وخارجها من الدول حول العالم، نصرة لفلسطين.. كما سلطت الحرب فى غزة الضوء على حدود النفوذ الأمريكى، حيث اتضح أن إدارة بايدن غير قادرة، أو غير راغبة فى ممارسة الضغط اللازم للتوسط فى هدنة حقيقية.. وعلى أرض الواقع، أدى ذلك إلى تشريد ملايين الأشخاص، معظمهم فى غزة، وأيضًا فى إسرائيل.. يعيش الرجل الإسرئيلى فى منزل غريب، على بعد مائة ميل من مسقط رأسه، حذرًا من العودة إلى قريته نصف المدمرة.. ويعيش الرجل الفلسطينى فى خيمة وسط غزة، وهى ثالث مأوى مؤقت له، منذ فراره من شقته المدمرة الآن، قبل عام تقريبًا، وهو يقول، «كنا متفائلين بأن تنتهى الحرب بحلول شهر رمضان.. ثم عيد الفطر.. ثم عيد الأضحى»، وبدلًا من ذلك، «مر اثنا عشر شهرًا أمام أعيننا».
وفقًا لبعض المقاييس العسكرية المجردة، أضعفت إسرائيل حماس، وقتلت بعض قياداتها والعديد من مقاتليها، واستولت على قطاع من أراضيها فى مرحلة أو أخرى، واستولت على بعض من ترسانتها أو دمرتها، وأغلقت الطرق التى قد تجلب عبرها أسلحة جديدة.. ومع ذلك، تستمر الحرب.. ربما لعدة أسباب، لكن أهمها: أن الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حددت لنفسها عتبة لا يمكن الوصول إليها تقريبًا لتحقيق النصر، فى حين أن مفهوم حماس للانتصار يدور بشكل أساسى حول البقاء.. تريد إسرائيل تدمير قيادة حماس، وكذلك إطلاق سراح ما يقرب من مائة رهينة، لا يزالون محتجزين لدى الحركة.. الهدف الأول يستبعد الهدف الثانى.. يُعتقد أن قادة حماس الباقين على قيد الحياة فى غزة، بقيادة يحيى السنوار، يختبئون إلى جانب الرهائن، مما يجعل من الصعب على الجنود الإسرائيليين أسرهم أو قتلهم دون إيذاء مواطنيهم.. وهذا اعتقاد قد يجانبه الصواب، لأن نتنياهو لا يلقى بالًا كثيرًا لما قد يؤول إليه مصير المحتجزين لدى حماس، وأن الأصح، هو أن الجيش الإسرائيلى ومخابرات الكيان، لا يستطيعان تحديد أماكن احتجاز هؤلاء الرهائن.. وتسعى حماس بشكل أساسى إلى البقاء على قيد الحياة فى الحرب كحركة، وهو هدف متواضع يسمح لها بالصمود فى وجه مستوى من الدمار، كان من الممكن أن يتسبب فى استسلام الآخرين، ممن جاء ذكرهم فى تاريخ الحروب.. فى الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان بعد أن عانت من دمار واسع النطاق، بينما فعلت فرنسا ذلك؛ لتجنب مثل هذا الضرر.. ولم تفعل حماس مثل أى منهما، فى الوقت الذى يُعرِض قادة الكيان مستقبل إسرائيل للخطر، فى الأمد البعيد.
الحرب مستمرة أيضًا بسبب الطريقة التى يشنها بها كل طرف.. تقاتل حماس كقوة حرب عصابات، مختبئة فى شبكة واسعة من الأنفاق، مما يجعل من الصعب على إسرائيل توجيه الضربة الحاسمة.. وعندما استولت إسرائيل على أجزاء من غزة، تخلت فى معظم الحالات عن تلك المكاسب، ولم تستطع الاحتفاظ بالأرض، لشدة ما يجابهه جنودها من ضربات تأتيهم من تحت أقدامهم.. هذه الديناميات، يقودها رجلان، نتنياهو والسنوار.. فى إسرائيل، تعتمد قبضة نتنياهو على السلطة على العديد من المشرعين اليمينيين المتطرفين، الذين هددوا بانهيار حكومته الائتلافية الهشة، إذا أنهى الحرب دون تدمير حماس، ولو جزئيًا على الأقل.. هذه التبعية منعت نتنياهو من الموافقة على صفقة إطلاق سراح الرهائن.. وفى غزة، كان السنوار هو الذى أشرف على خطط الغارة التى بدأت الحرب.. وهو الذى يستوعب الدمار الذى حدث والخسائر الكبيرة فى عدد الشهداء المدنيين.. هو الذى سمح لحماس بالقتال حتى فى الوقت الذى تحوَّل فيه جزء كبير من غزة إلى أنقاض، ومات كبار قادته العسكريين، وإصراره على وقف دائم لإطلاق النار، بينما يُصر نتنياهو على وقف مؤقت، أو لا هدنة مطلقًا، وهو الذى منع الاتفاق على أى هدنة حتى الآن.
ويبدو أن كلا الجانبين قررا أنهما لن يعودا إلى ما كانت عليه الأمور قبل السابع من أكتوبر.. قال قادة حماس إن ديناميكية الاحتلال الإسرائيلى الذى لا نهاية له قبل الحرب، يجب أن تتعطل بغض النظر عن التكلفة البشرية.. وتشعر إسرائيل بأنها أكثر عرضة للخطر بعد أكثر الأيام دموية فى تاريخها، وقررت أنها لم تعد قادرة على الشعور بالأمان مع الجماعات التى ترى أنها تهدد حدودها.
●●●
«هذه الحرب لن تنتهى، لأنه لا أحد من الطرفين على استعداد لإنهائها»، قال توماس نايدس، سفير الولايات المتحدة فى إسرائيل، الذى أكد أن، «الجميع يخسر.. الرهائن وأسرهم، والفلسطينيون الأبرياء، والإسرائيليون المشردون من شمال إسرائيل، والمدنيون اللبنانيون.. وهذا أمر مأساوى حقًا».. جاءت أول علامة على أن إسرائيل قد تكافح لتحقيق نصر عسكرى تقليدى، فى الساعات التى تلت غزو قواتها غزة فى السابع والعشرين من أكتوبر.. أرسلت أكثر من عشرين ألف جندى للسيطرة على مدينة غزة والمناطق المجاورة، مصحوبة بمئات الدبابات، بعد أن أمضت الطائرات الحربية الإسرائيلية ما يقرب من ثلاثة أسابيع، فى قصف غزة بواحدة من أكثر الحملات الجوية دموية فى القرن الحادى والعشرين، فى مواجهة تقليدية فى ساحة المعركة، كانت قوة الغزو الإسرائيلية تدمر ما يعترض طريقها، من بشر أو حجر.. ولم يكن مقاتلو حماس فى أى مكان يمكن رؤيته، إذ يبدو أن قادتهم اتخذوا قرارًا استراتيجيًا بتجنب إعطاء إسرائيل الفرصة لتوجيه ضربة قاضية.
اعتقد إيتان لاوب، وهو ضابط إسرائيلى مكلف بالاستيلاء على مجموعة من المبانى القريبة من الحدود، أن كتيبته ستواجه مقاومة شرسة.. ولدهشة الجنود، استولوا على الموقع، دون مواجهة مقاتل واحد من حماس.. «نظرت الكتيبة بأكملها إلى تلك المبانى، واتكأت فقط على حقائب الظهر، وسحبت السجائر، ودخنت»، وتصوَّر لاوب أنه لم يتبق أحد، «نحن نعلم أنهم هنا، ولكن أين هم؟».. وتدريجيًا، أصبح المشهد واضحًا.. كان مسلحو حماس يختبئون إلى حد كبير فى شبكة أنفاق، بطول مئات الأميال، كان المقاتلون يرتدون ملابس عادية، تجعل من الصعب تمييزهم عن المدنيين، ويخرجون فجأة من تلك الأنفاق، لإطلاق النار على الجنود الإسرائيليين ووضع الألغام فوق دباباتهم.. وكانت النتيجة، حملة استنزاف.. من خلال الاختباء تحت الأرض، تمكنت حماس من إضعاف الكثير من التفوق التكنولوجى لإسرائيل، مما أجبرها على قضاء وقت طويل فى البحث عن الأبواب المفخخة والشراك الخداعية والأنفاق السرية وتفجيرها.. ونتيجة لذلك، لم يكن الجيش الإسرائيلى قد استولى بعد على مناطق رئيسية فى مدينة غزة، بحلول الوقت الذى اتفق فيه الجانبان على وقف إطلاق نار قصير، وصفقة إطلاق سراح الرهائن، بعد شهر تقريبًا.. فى كل يوم من أيام وقف إطلاق النار، أفرجت إسرائيل عن ما يقرب من عشرة سجناء فلسطينيين، مقابل كل رهينة تطلقها حماس.. وتم تسليم بعض هؤلاء الرهائن فى ساحة فى قلب مدينة غزة.. ومن خلال هذا النهج، أظهرت حماس مدى سيطرتها التى لا تزال تمارسها هناك.
●●●
إذا كانت هناك لحظة أصبح فيها واضحًا أن الحرب لن تنتهى قريبًا، فهى اليوم الذى انهار فيه وقف إطلاق النار أواخر نوفمبر الماضى.. حتى ذلك الحين، لم يكن أحد متأكدًا من مدى تقدم إسرائيل أو إلى متى ستصمد حماس.. افترض الدبلوماسيون والمفاوضون أنه سيكون من الممكن تكرار وقف إطلاق النار القصير، ربما عدة مرات.. وكان الأمل معقودًا على أن تتطور إحدى تلك الهدنات المؤقتة، عاجلًا وليس آجلًا، إلى ترتيب دائم وتنهى الحرب.. وقد ضمن رد فعل السنوار الغاضب على انهيار وقف إطلاق النار الأول، عدم تكراره.. كان السنوار، الذى كان فى مخبئه تحت الأرض، سعيدًا عندما بدأ وقف إطلاق النار، معتقدًا أنه يمثل نهاية الحرب، بعد أقل من شهرين من بدايتها، وفقًا لضباط إسرائيليين يجمعون معلومات استخباراتية عن السنوار، وكبار المسئولين من دولة مشاركة فى المفاوضات، الذين اطلعوا على رد فعله من قبل قادة حماس.
اعتقد أن السنوار بإمكانه الاستمرار فى تأجيل وقف إطلاق النار، من خلال الوعد بإطلاق سراح المزيد من الرهائن، الأمر الذى أعتقد أنه قد يشجع الجمهور الإسرائيلى على الضغط على حكومته للموافقة على التمديد.. وبدلًا من ذلك، انهارت الهدنة، بعد أن قالت حماس إنها لا تستطيع العثور على العديد من المجندات الأسيرات اللواتى وعدت بالإفراج عنهن، وعرضت حفنة من المدنيين المسنين وعدد قليل من جثث القتلى الإسرائيليين، بدلًا من ذلك، وهو ما رفضته إسرائيل، بحجة سوء النية، فانهارت الهدنة، واستؤنف القتال، واندفعت القوات الإسرائيلية جنوبًا نحو خان يونس، مسقط رأس السنوار، حيث يعتقد أنه يختبئ.
هنا، قرر السنوار أنه لن يكون هناك وقف آخر لإطلاق النار «ما لم يكن دائمًا»، وفقًا لدبلوماسيين من ثلاث دول مشاركة فى المفاوضات ومسئولين إسرائيليين، كما يؤكد باتريك كينجسلى، مدير مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» فى القدس.. وبعد يوم واحد، قال نائب السنوار، فى مقابلة، إن حماس لن تتفاوض على إطلاق سراح الرهائن فى المستقبل ما لم تنته الحرب أولًا.. وكان مطلبه يعنى بشكل أساسى، أنه لإنهاء الحرب، سيتعين على إسرائيل إما هزيمة حماس فى ساحة المعركة، أو تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.. وفشلت الولايات المتحدة- المزود الدائم لترسانة إسرائيل العسكرية- فى استخدام نفوذها لإجبار نتنياهو على الموافقة على وقف إطلاق النار، باستثناء تعليق شحنة أسلحة واحدة لمدة شهرين فى مايو الماضى.
ويرى الإسرائيليون أن الولايات المتحدة، من خلال انتقاد نتنياهو فى كثير من الأحيان فى العلن، شجعت حماس- عن غير قصد- على التمسك بمزيد من التنازلات، على افتراض خاطئ بأن إسرائيل فقدت دعم حليفتها.. ووفقًا لمسئول إسرائيلى ودبلوماسى غربى رفيع المستوى، تم إطلاعهما على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، هناك حقيقة فى كلا الادعاءين: فى المراحل الرئيسية من المفاوضات، كما قالوا، دفع استعداد أمريكا لانتقاد نتنياهو علنًا حماس إلى تشديد مواقفها، فى حين أن التردد الأمريكى فى رسم وفرض خطوط حمراء فى السر، يعنى أن نتنياهو لم يشعر بضغط يُذكر لتقديم تنازلات.
●●●
اهتز إطلاق النار فى سماء المنطقة، عندما وصل صحفيون من صحيفة «نيويورك تايمز»، هم، باتريك كينجسلى من القدس، ورونين بيرجمان من تل أبيب، وبلال شبير من قطاع غزة، أواخر مارس، إلى مستشفى الشفاء فى مدينة غزة، أكبر مركز طبى فى القطاع.. وبينما كان الجنود الإسرائيليون يطلقون ذخائرهم من أجل السيطرة على الموقع، كان المستشفى المدمر بمثابة شهادة صادمة على الخسائر المذهلة التى ألحقتها الحرب بحياة المدنيين.. كانت الواجهة محترقة بالسُخام، مثقوبة بعشرات القذائف والرصاص.. لقد تحطمت جدران قسم الجراحة.. وكان ذلك تذكيرًا باستعداد إسرائيل لملاحقة حماس، بغض النظر عن العواقب.. وكان تذكيرًا بخلل فى الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.. وقد تكرر هذا النمط، الذى يأتى بنتائج عكسية، فى عشرات الأماكن فى جميع أنحاء غزة طوال فترة الحرب.. فى مناطق مثل جباليا والشجاعية والزيتون، عاد الجيش الإسرائيلى فى بعض الحالات ثلاث مرات؛ لإعادة مهمة اعتقدوا أنهم أنجزوها بالفعل.
أحد الأسباب، هو أن القيادة الإسرائيلية لا تريد بعد تحمل مسئولية الإدارة المدنية لغزة.. الاحتلال مُكلِف ومُعقَد من الناحية اللوجستية، حتى لو كان نتيجة يسعى إليها الإسرائيليون اليمينيون المتطرفون، الذين يريدون إنشاء مستوطنات صغيرة فى غزة تحت حماية الجيش.. ونتيجة لذلك، قررت القيادة الإسرائيلية، على الأقل فى الوقت الحالى، عدم احتلال الأراضى، باستثناء طريقين استراتيجيين.. أما السبب الثانى، فهو أن إسرائيل رفضت تسهيل ظهور قيادة فلسطينية بديلة، يمكن أن تملأ فراغ السلطة، فى الأحياء التى أطيح فيها مؤقتًا بحماس.
البديل الفلسطينى الواقعى الوحيد لحماس هو السلطة الفلسطينية، التى أدارت غزة حتى أطاحت بها حماس عام 2007، ولا تزال تدير أجزاء من الضفة الغربية، التى تحتلها إسرائيل، ولا تزال السلطة تدفع رواتب الآلاف من موظفى الخدمة المدنية فى غزة، بمن فيهم العاملون فى المجال الطبى، من عوائد الضرائب والجمارك والدعم العربى.. وبدون موافقة رسمية من القيادة السياسية، سمح مسئولون أمنيون إسرائيليون كبار، لمجموعة من نظرائهم فى السلطة الفلسطينية بدخول غزة فى الربيع، فى محاولة لإعادة بناء قدرة السلطة على الأرض، وفقًا لدبلوماسيين غربيين ومسئول إسرائيلى كبير سابق، تم إطلاعه على هذه الخطوة.. لكن المبادرة فشلت جزئيًا، لأن حماس عارضتها، وجزئيًا، لأنها لم يتم تفعيلها على نطاق واسع.. وقد استبعد نتنياهو إعطاء السلطة دورًا رسميًا، متهمًا إياها بالفساد وعدم الكفاءة، وحذر من الإجراءات التى من شأنها أن تجعل قيام دولة فلسطينية أكثر احتمالًا.
●●●
كان السنوار هو أكبر عقبة أمام الهدنة فى ديسمبر الماضى، وبحلول نهاية يوليو كان نتنياهو، هو العقبة الأكبر.. فخلال أشهر من المفاوضات، بدأ الجانبان فى التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا الرئيسية، وبحلول أوائل يوليو، بدا التوصل إلى اتفاق فى متناول اليد.. وكانت حماس قد أشارت إلى استعدادها للتفاوض، فى إطار عمل يمكن أن يسمح بإنهاء وقف إطلاق النار بعد ستة أسابيع، مما قد يرضى هدف إسرائيل، المتمثل فى تجنب التوصل إلى ترتيب دائم.. وكانت إسرائيل قد وافقت على الانسحاب من غزة خلال وقف إطلاق النار، وأظهرت مرونة أكبر بشأن السماح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى ديارهم فى شمال غزة، وهما تنازلان أسعدا حماس.. وسيتم إطلاق سراح ما لا يقل عن ثلاثين رهينة، مقابل مئات السجناء الفلسطينيين، فضلًا عن زيادة المساعدات الإنسانية لملايين سكان غزة.. ثم غير نتنياهو رأيه.. وبينما كان الوسطاء يستعدون للسفر إلى روما، على أمل وضع اللمسات الأخيرة على الصفقة فى قمة الثامن والعشرين من يوليو، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلى تعليمات لفريقه التفاوضى، بتقديم عدة مطالب جديدة فى اللحظة الأخيرة، تنكُث بالتفاهمات السابقة.. أراد نتنياهو أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الحدود الجنوبية لغزة، وفرض شروطًا تجعل من الصعب على الفلسطينيين العودة إلى الشمال.. وعندئذ، رفضت حماس الصفقة التى كانت متوقفة.
كانت أسباب تحول نتنياهو موضوع نزاع مرير فى إسرائيل، إذ قال نتنياهو نفسه، إنه من الضرورى الاحتفاظ بالسيطرة على الحدود الجنوبية لغزة مع مصر، لمنع حماس من تهريب الأسلحة.. وهنا، اتهمه منتقدو نتنياهو بوضع عقبة أمام الصفقة، لضمان بقائه السياسى.. وهدد أعضاء اليمين المتطرف فى ائتلافه بإسقاط الحكومة، إذا وافقت إسرائيل على هدنة تسمح لحماس بالبقاء فى السلطة.. ليبقى نتنياهو فى نظر خصومه، أن رئيس الوزراء، أعطى الأولوية لمصالح اليمين المتطرف، على مصالح الرهائن المقرر إطلاق سراحهم خلال الهدنة.
●●●
وبعد مرور عام.. لا نهاية تلوح فى الأفق.. وأيًا كان سبب الهدنة، فإن الفشل فى التوصل إلى هدنة، كان كارثيًا بالنسبة للمدنيين من جميع الخلفيات.. وبينما واصل الجنود الإسرائيليون تقدمهم، أطلقت حماس النار وقتلت ستة رهائن إسرائيليين، بمن فيهم ثلاثة كان سيتم إطلاق سراحهم خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.. وقُتل آلاف آخرون من سكان غزة، منذ انهيار المفاوضات فى يوليو، وسط أزمة إنسانية متفاقمة.. وكلما طال أمد الحرب، اتسعت الانقسامات الاجتماعية فى إسرائيل- التى ضاقت فى بداية الحرب- مما أدى إلى تسريع الحساب الداخلى، حول نوع الدولة التى تريد إسرائيل أن تكونها.. عاد الجدل المستمر منذ فترة طويلة حول دور القضاء، وطابع الدولة، وأهمية حقوق الأقليات، إلى الظهور تدريجيًا، خصوصًا بعد أن قام الإسرائيليون اليمينيون المتطرفون بأعمال شغب، لدعم الجنود المتهمين باغتصاب معتقل فلسطينى.
والآن.. مع تماسك غزة، حولت إسرائيل انتباهها إلى حلفاء حماس فى جميع أنحاء المنطقة.. فقد غزت لبنان سعيًا وراء حزب الله، بعد اغتيال زعيمه حسن نصر الله، وهددت بمواجهة مدمرة محتملة مع إيران، التى ضربت إسرائيل الأسبوع قبل الماضى، بوابل من الصواريخ الباليستية.. بعد عام، طغى على حرب غزة- فى العناوين الرئيسية- فجأة، الصراع الأوسع، الذى ساعدت إسرائيل فى التعجيل به، والذى اتخذ الآن منطقًا خاصًا به.. ومع تعهد جميع الأطراف بالتصعيد، من غير الواضح متى أو كيف يمكن أن يتوقف أى من هذا.. وفى غضون ذلك، تُرِك ملايين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب منذ السابع من أكتوبر الماضى، فى حالة من النسيان لا تنتهى مصدومين وثكالى.. ولسان حال النازحين، الفلسطينى والإسرائيلى، يقول، «لم أكن أعتقد أن هذا سيستمر كل هذا الوقت.. ولا أعرف متى سينتهى»!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.