رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختلاف فى الرأى وقضية الود

المشهور أن «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، والمضمون أنه يفسد قضايا الود مجتمعة للأسف، هذه كارثة طبعًا، فالحياة قائمة على الرأى والرأى الآخر، ومعنى أن الرأيين المختلفين يفسدان ود صاحبيهما، أو أصحابهما، هو أن الحياة ستصير دار تباغض وتناحر، وهذاك الحاصل فعلًا، وإن كان الود يفضى إلى التفاهم، ولو بعد حين، فإن التباغض والتناحر لا يفضيان إلى قيمة إيجابية بتة، بل إلى الخراب غالبًا.
شهرة العبارة هكذا، بصورتها الوديعة، مع تناقض ظلالها فى الواقع؛ أمر محير فعلًا، وكأن الذى قالها كان يكتب أمنية خاصة ولا يقر حقيقة، كان يريد التهدئة التى يجرى عكسها عادة مع الخلاف، ولم يكن يقصد أنها حاصلة، كان ينبهنا إلى ضرورة أن نتغاير باحترام وشرف؛ فلسنا نقف من بعضنا موقفًا محترمًا ولا شريفًا عند التغاير مهما أبدت ملامحنا رضاها بحيال ذلك المقام!
من العجيب أن العداوة تنشأ بين الناس لأبسط الأسباب وأتفهها، واحد يرى المانجا سيدة الفاكهة والآخر يرى التين هو السيد، كل منهما يريد من الآخر أن يختار اختياره، وكل منهما لديه حججه المنطقية، ولا يقال بالمرة: إنهما فاكهتان رائعتان، وإن التنوع فى الاختيار ينعش السوق ويمنح الأذواق استقلاليتها، وفى النهاية لا يصح أن ينجم عراك عن شأن صغير كمثل هذا الشأن، لا ضرر فيه على الإطلاق إلا بمقدار ما يوجد مرض، مثلًا، يمنع من المبالغة فى تناوله، ولا يمنع تناوله من الأصل.
لا أفهم أن يقع العداء بين هذين المذكورين آنفًا، لكنه يقع، وقد لا أفهم أن يقع بين حالات أكبر، كشخص يحبذ الحرب، كطريقة لإنهاء صراع ما، وشخص غيره يحبذ السلام، كطريقة لإنهاء نفس الصراع، هنا يبدو الاختلاف فى التوجه شاسعًا، ومع ذلك لا أجده يستوجب إفساد الود، سيحدث على الأرض ما سيحدث عليها أخيرًا، والرأيان لا يحددانه، تحدده إرادة سواهما، ومهما اتفقت هذه الإرادة مع أحد الرأيين فإنها لا تقصده بالاتفاق، وإنما جاءت، بالصدفة، على هواه.
نعم يجب أن نكون على نمط واحد أمام موضوعاتنا الحساسة المؤثرة، ولكن الاختلاف وارد بالرغم من أهمية ذلك، بيد أن العاقبة، عاقبة الاختلاف، يجب ألا تكون تعزيزًا له بحيث يختلف الطرفان كما اختلف الرأيان، ولكنها يجب أن تؤخذ على أنها تنوع طبيعى يلائم تنوع الوجود نفسه وتعدد أشكاله.
لم يكتف المختلفون فى الدنيا بالمقاطعة، لكنهم دخلوا حروبًا ضارية، رام كل منهم فيها الانتصار على حساب الإنسانية والعمران، ولم يكتف المختلفون فى السوشيال ميديا بالحذف و«التبليك»، ولكنهم نشروا فضائح بعضهم على الملأ وتوسعوا فى المعايرة وتبادل السباب، وأوشكت كل جبهة أن تخترق زجاج الشاشات ممسكة بسكاكينها ومدافعها الرشاشة.
لنعد إلى أصل الكلام بلا ازدواجية قد تشير إلى اضطرابنا النفسى، بالأساس، قبل أن تشير إلى أى شىء آخر: «الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية».