الحوار الوطنى أكبر حدث سياسى
من أهم الأحداث السياسية التى شهدتها مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو، بخلاف كل الإنجازات والإعجازات وتنفيذ كل الاستحقاقات الدستورية على خير وجه، الحوار الوطنى، والحقيقة أن الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أبريل عام ٢٠٢٢ يعد بمثابة نقطة تحول مهمة فى الحياة السياسية المصرية.
فلأول مرة فى تاريخ البلاد يجتمع كل الأضداد بهذا الشكل الرائع على مائدة واحدة، لمناقشة هذا الكم الهائل من الموضوعات، التى تمثلت فى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولعبت الدولة فى هذا الشأن دورًا كبيرًا ومهمًا فى مناقشة كل القضايا، بشكل ديمقراطى لم يحدث من قبل، حتى الأحزاب السياسية الموجودة حاليًا فشلت فى إدارة حوار مثل ذلك، فلا يوجد حزب واحد دار فيه مثل هذه الديمقراطية، كما نرى فى الحوار الوطنى.
هذه الفكرة رائدة ورائعة، فالكل يدلى بدلوه فيما يريد بشأن القضايا بحرية كاملة، ولا يجد من يمنعه أو يحجر على رأيه فى المجال السياسى أو الاقتصادى أو المجتمعى. وتخرج فى النهاية توصيات بالغة الأهمية، منها ما يتم تنفيذه بقرارات سريعة، ومنها ما يحتاج إلى تشريعات، ويتم رفعها إلى الرئيس، ثم بعد ذلك يوجه بالتنفيذ الفورى.
الحوار الوطنى فى هذا التوقيت تحديدًا، بدأ يستأنف نشاطه من جديد لمناقشة قضايا، كانت من المسكوت عنه تمامًا، ولا يستطيع أحد أن يقترب منها من قريب أو بعيد. وقد أثبت الحوار الوطنى، بما لا يدع أدنى مجال للشك، فشل الأحزاب السياسية القائمة حاليًا فى القيام بهذا الدور المهم، رغم أن المادة ٥ من الدستور تهتم اهتمامًا بالغًا بالأحزاب السياسية، وتؤكد أهمية أن تكون قوية من أجل المنافسة على السلطة، وهذا لم يحدث ولن يحدث فى ظل ما تعانيه الأحزاب من خلافات وانقسامات وخلافه، من أمور كثيرة. إن فكرة الحوار الوطنى فى أساسها تعد من الأفكار السياسية الأكثر من رائعة، لكونها تطرح كل القضايا دون توجيهات أو تعليمات.
وعندما عهد الرئيس السيسى إلى الأكاديمية الوطنية للتدريب لإدارة الحوار الوطنى أوصاها بأمر بالغ الأهمية، هو أن تكون على مسافة واحدة من الجميع فى كل الآراء، وقد نجح الحوار الوطنى فى كل الجلسات التى عقدها منذ دعوته للانعقاد حتى الآن، وخرج بعدة محددات ومخرجات للكثير من القضايا التى كانت تشغل الرأى العام بشكل لم يسبق له مثيل، وتم رفع كل هذه المخرجات والقضايا إلى الرئيس السيسى؛ ليبدأ تنفيذها فى التو والحال دون تأخير، وبالتالى فإن الحوار قد أدى دورًا وطنيًا بالغ الأهمية، فشلت فيه كل الأحزاب السياسية.
من هذا المنطلق فإننا نتوقع أن تشهد جلسات الحوار المقبلة الكثير من الأمور التى تساعد فى علاج كل المشاكل التى استفحلت وتطورت على مدار أكثر من ستة عقود مضت قبل ٣٠ يونيو، وبالتالى الدعوة إلى هذا الحوار تؤكد- دون شك- أن مصر حققت إنجازات سياسية بخلاف الاستحقاقات الدستورية فى هذا الملف بشكل أكثر من رائع؛ يجعل المواطن يطمئن تمامًا. كما أعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد اهتمامًا أكثر بالحوار؛ ليخرج بكل النتائج التى تعود فى نهاية المطاف على الصالح العام؛ من أجل الأمن القومى المصرى، ومن أجل الوطن ومن أجل المزيد من المزايا والحقوق لكل المواطنين.
نعم هناك إرادة سياسية لم تحدث فى تاريخ مصر من أجل لم شمل المصريين حول بؤرة واحدة وفكرة واحدة، رغم اختلاف كل الأيديولوجيات. وقد نجح الحوار فى ذلك، عندما جمع كل الحضور من كل المستويات ومن كل الآراء المتناقضة حول قضية واحدة. وحقق الحوار نجاحًا عندما مزج كل هذه الآراء فى أمر واحد؛ ليخرج بمحدد واحد يعود بالنفع العام على جموع المواطنين.
وبالفعل كما وجه الرئيس السيسى فإن الحوار يهدف إلى مناقشة كل ملفات المستقبل بلا استثناء، وهذا فى حد ذاته يخفف الأعباء الثقال عن الحكومة، فعندما نجد المخرجات والمحددات والتوصيات التى تخرج عن الحوار ويتم تقديمها إلى الحكومة، التى هى بدورها شاركت فيه، تذوب أى مشكلة لوجود الحلول الكثيرة لها. ولا أكون مبالغًا فى الرأى إذا قلت إن الحوار الوطنى يعد بمثابة فرصة ذهبية لكل الأحزاب السياسية، كى تتعلم وتستفيد منه فى إدارة النقاش والبعد عن الخلافات والانقسامات، ورغم كل الآراء غير المتناغمة داخل الحوار، فإننا لم نسمع أبدًا عن مسألة خلافية تسببت فى انقسام أو خلاف يؤدى إلى الفجور، وهذا يدعو إلى أن نقول بوجود شىء خطأ داخل الأحزاب السياسية، ووجب عليها تصحيحه فورًا.