دعوة فرنسية متأخرة
دعوة مقدَّرة، وإن كانت متأخرة، لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، أطلقها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، على خلفية الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، التى ارتكبها الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة ولبنان، والتى أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، فى تحدٍ واضح للمجتمع الدولى.
الدعوة المقدرة، والمتأخرة، أطلقها الرئيس الفرنسى، فى حوار لإذاعة «فرانس إنتر»، جرى تسجيله الثلاثاء الماضى، وتزامنت إذاعتها أمس الأول، السبت، مع ختام القمة التاسعة عشرة للمنظمة الدولية للفرانكفونية، التى استضافتها العاصمة الفرنسية، باريس، ومع تجمع مئات المتظاهرين فى ساحة الجمهورية، للتعبير عن «تضامنهم مع الفلسطينيين واللبنانيين». كما تزامنت إذاعة الحوار، أيضًا، مع قيام جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسى، بجولة فى منطقة الشرق الأوسط، يختتمها اليوم، الإثنين، بزيارة إسرائيل، وتهدف إلى تجنب المزيد من التصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
فى حواره مع الإذاعة الفرنسية، أعرب الرئيس ماكرون عن أسفه لعدم تغير الوضع فى غزة، برغم كل الجهود الدبلوماسية المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، خاصة مع إسرائيل، كما أعرب عن أسفه أيضًا، خلال المؤتمر الصحفى الختامى للقمة، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلى قام بخيار آخر، هو تنفيذ عمليات برية على الأراضى اللبنانية، بدلًا من وقف إطلاق النار، الذى اقترحته فرنسا والولايات المتحدة، فى إشارة إلى الخطة أو المبادرة الفرنسية الأمريكية، التى كانت تستهدف وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، لمدة ثلاثة أسابيع، تتخللها عملية تفاوض، للتوصل إلى اتفاق بين «حزب الله» وإسرائيل.
المهم، هو أن دعوة الرئيس الفرنسى، لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، التى تستند، أيضًا، إلى قواعد «لاهاى» الخاصة بقانون وأعراف الحرب والمبادئ التى تحكم مشروعية استخدام القوة، تأتى بعد سنة من العدوان أو الإرهاب الإسرائيلى، الذى لا يزال مستمرًا، والذى أودى، إلى الآن، بحياة أكثر من ٥٠ ألف فلسطينى ولبنانى، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين. ومع ذلك، قوبلت الدعوة بتنديد شديد من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى كتب فى حسابه على شبكة «إكس» أن الرئيس ماكرون، وغيره من القادة الأوروبيين، الذين يتبنون الدعوة نفسها، «يجب أن يشعروا بالعار»، وطالب «كل الدول المتحضرة» بأن «تقف بحزم» إلى جانب إسرائيل!.
ربما لهذا السبب، تراجع الرئيس الفرنسى خطوة إلى الوراء، وأكد خلال المؤتمر الصحفى الختامى لقمة المنظمة الدولية للفرانكفونية، أن بلاده تدعم «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، وأشار إلى أنه سيستقبل، اليوم، الإثنين، عائلات الضحايا الفرنسيين الإسرائيليين، الذين سقطوا فى هجوم ٧ أكتوبر الماضى. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى المنظمة، التى أسستها فرنسا سنة ١٩٧٠، وتضم الدول الناطقة بالفرنسية، أو التى تنتشر فيها تلك اللغة، وعددها ٨٨ دولة، وكلها طالبت «بالإجماع»، خلال القمة، بوقف «فورى ودائم» لإطلاق النار فى لبنان، العضو فى المنظمة، وأدانت استمرار الغارات الإسرائيلية الكثيفة على مناطق لبنانية عديدة، وأكدت التزامها باحتواء التوترات فى المنطقة. كما وافقت الدول الأعضاء فى المنظمة على مقترح فرنسى بعقد مؤتمر دولى لدعم لبنان، فى باريس، خلال شهر أكتوبر الجارى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر رحبت بدعوة الرئيس الفرنسى، لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، وأكدت أنها تتماشى، تمامًا، مع احترام مبادئ وقواعد القانون الدولى الإنسانى، وتعكس الاستياء العارم والمتزايد على المستوى الدولى من العدوان الغاشم الإسرائيلى على قطاع غزة ولبنان. وفى بيان أصدرته وزارة الخارجية، صباح أمس، طالبت مصر المجتمع الدولى بوضع الدعوة محل التنفيذ، وكررت مطالبتها بالوقف الفورى والدائم لإطلاق للنار فى قطاع غزة ولبنان. كما ثمّنت الخارجية المصرية الموقف الفرنسى الداعم للحقوق الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، متصلة الأراضى، والقابلة للحياة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لحل الدولتين والقرارات الدولية ذات الصلة.