القوات الأمريكية فى المنطقة.. احتواء للصراع أم لإشعاله؟
مع توسع الهجوم الإسرائيلى على لبنان، ليشمل التوغلات البرية وتكثيف الغارات الجوية، ووقوع المزيد من الاغتيالات التى تقوم بها إسرائيل لتصفية قادة حزب الله، وتدمير الضاحية الجنوبية لبيروت، الحاضنة الشعبية للحزب.. يناقش كبار المسئولين فى البنتاجون الأمريكى، ما إذا كان الوجود العسكرى المُعزز للولايات المتحدة فى المنطقة، جاء ليمنع اندلاع حرب موَّسعة فى الشرق الأوسط، كما كانوا يأملون، أم أنه يساعد على اشتعالها؟.
على مدى الاثنى عشر شهرًا الماضية، منذ أن هاجمت حماس إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع صراع، يشمل اليمن وإيران ولبنان، أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية مجموعة ضخمة من الأسلحة إلى المنطقة، بما فى ذلك حاملات الطائرات، ومدمرات الصواريخ الموجهة، وسفن الهجوم البرمائية، وأسراب المقاتلات.. وأعلن البنتاجون مؤخرًا، عن أنه سيضيف «بضعة آلاف» من القوات الإضافية إلى الأربعين ألفًا الموجودة بالفعل لمساندة القوات الإسرائيلية، وضاعف قواته الجوية فى المنطقة بشكل أساسى، بإرسال ثلاثة أسراب من الطائرات المقاتلة، إضافة إلى ما هو موجود على ظهر الحاملات وفى جزيرة قبرص.. وأعلن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، عن أن المعدات العسكرية الأمريكية والقوات الإضافية موجودة هناك، للمساعدة فى الدفاع عن إسرائيل وحماية القوات الأمريكية الأخرى، فى القواعد المنتشرة فى جميع أنحاء المنطقة.
وفى حين قالت نائبة المتحدثة باسم البنتاجون، سابرينا سينج، إن قيادة وزارة الدفاع ظلت «تركز على حماية المواطنين والقوات الأمريكية فى المنطقة، والدفاع عن إسرائيل وتهدئة الوضع، من خلال الردع والدبلوماسية».. وإن الوجود الأمريكى الأكبر يهدف إلى «ردع العدوان وتقليل خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقًا».. إلا أن العديد من المسئولين فى البنتاجون أعربوا عن قلقهم من أن تشن إسرائيل حملة عدوانية متزايدة ضد حزب الله فى لبنان، أقوى وكلاء إيران، مع العلم أن أسطولًا من السفن الحربية الأمريكية وعشرات الطائرات الهجومية، على أهبة الاستعداد للمساعدة فى صد أى رد إيرانى، حيث قالت دانا سترول، المسئولة العليا فى البنتاجون عن سياسة الشرق الأوسط، حتى العام الماضى، «فى الوقت الحالى.. هناك من الموقف فى المنطقة، ما يبرر وجودنا، بحيث إذا تدخل الإيرانيون، فإننا قادرون على دعم دفاع إسرائيل، وسوف نفعل ذلك».. وردًا على الحملة الإسرائيلية العدوانية المتزايدة ضد حزب الله، قالت، «إذا كنت إسرائيليًا، وكنت مخططًا عسكريًا، فأنت تريد أن تفعل كل ذلك، استغلالًا لوجود هذا الحشد العسكرى الأمريكى فى المنطقة، وليس بعد رحيله».
وقد شكك الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الذى أثار هذه القضية فى اجتماعات البنتاجون وفى البيت الأبيض وهو طيار سابق لطائرات إف 16، وقاد القوات الجوية الأمريكية فى الشرق الأوسط فى تأثير الوجود الأمريكى الموسع فى المنطقة على «الاستعداد القتالى» الشامل، وقدرة الجيش الأمريكى على الاستجابة بسرعة للصراعات، بما فى ذلك مع الصين وروسيا.. وأكد مسئول عسكرى أمريكى كبير، أن الجنرال براون ووزير الدفاع، لويد أوستن، ومسئولين آخرين، حاولوا تحقيق التوازن بين احتواء الصراع وتشجيع إسرائيل.. ومع ذلك، ترى إسرائيل، أنه من الأسهل عليها أن تهاجم من تشاء، وبأى قدر من القوة، عندما تعرف أن «الأخ الأكبر» يساندها، ويقف فى ظهرها.
هذه الوضعية من العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، جعلت التعامل مع الإسرائيليين أكثر صعوبة بالنسبة للبنتاجون، حيث أوضحت هيلين كوبراريك شميت، فى صحيفة «نيويورك تايمز»، أن إسرائيل لم تُطلع الولايات المتحدة، قبل أن تتخذ العديد من الإجراءات، ضد ما تعتبره تهديدات وجودية لها.. مثلًا، قال مسئولو إدارة بايدن، إنهم تحدثوا إلى الإسرائيليين، واعتقدوا أنهم وافقوا على توغل برى محدود فى لبنان، لكن الغارات الإسرائيلية الجارية على الأرض، تبدو أشبه بعملية واسعة النطاق حتى الآن.. ثم كانت هناك خطة إسرائيل لاغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، الأسبوع قبل الماضى. ولم يبلغ وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، نظيره الأمريكى، لويد أوستن، إلا من خلال مكالمة هاتفية، بينما كانت العملية الإسرائيلية جارية بالفعل!.. وكل ما فعله أوستن، أن كان غاضبًا من أن «الإسرائيليين لم يعطوا المزيد من التنبيه، للسماح للقوات الأمريكية فى المنطقة بزيادة الإجراءات الدفاعية ضد الانتقام الإيرانى المحتمل»!!.. وعندما سُئلت نائبة المتحدثة باسم البنتاجون، عن رد فعل أوستن، قالت سينج للصحفيين، إنه «أُخِذ على حين غرة»!.
لكن فى اليوم نفسه، قرر البنتاجون أنه سينشر «بضعة آلاف» إضافية من القوات الأمريكية فى المنطقة، وقال مسئول فى وزارة الدفاع، إن العدد سيتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف، ويشمل أطقم طائرات مع أسراب المقاتلات الثلاثة الإضافية، بالإضافة إلى أفراد لصيانتها وإمدادها وحمايتها، فى وقت لم تهاجم فيه إيران القوات الأمريكية فى المنطقة مباشرة، بل تركت ذلك لمجموعاتها بالوكالة.. إذ فى فبراير الماضى، شنت الولايات المتحدة ضربات انتقامية، بعد هجوم شنته ميليشيا مدعومة من إيران، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين فى الأردن وإصابة أربعين آخرين.. وطلب الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكى، القوات الإضافية، لحماية القوات الأمريكية فى المنطقة، والمساعدة فى الدفاع عن إسرائيل، عندما جاء الانتقام الإيرانى الذى كان متوقعًا.. وعندما ردت إيران على إسرائيل يوم الثلاثاء الماضى، أطلقت مدمرتان تابعتان للبحرية الأمريكية بولكلى وكول معًا عشرات الصواريخ الاعتراضية ضد الصواريخ الإيرانية، مما أدى إلى إسقاط عدد منها.. وقال مسئولون إن السفن الحربية أطلقت أكثر من صاروخ اعتراضى على كل صاروخ قادم، على الرغم من أن إسرائيل تعاملت مع الجزء الأكبر من هذه الصواريخ، من دفاعاتها بنفسها، باستخدام أنظمة الدفاع الجوى الخاصة بها.
حاولت إدارة بايدن منع الصراع فى الشرق الأوسط من التصاعد.. كان البنتاجون يساعد أوكرانيا بالفعل فى الدفاع ضد روسيا، ويحاول التركيز على استراتيجية الأمن القومى، التى تقول إن وزارة الدفاع يجب أن تركز على ما يسمى بصراعات القوى العظمى مع روسيا والصين.. والأهم من ذلك، أن مسئولى وزارة الدفاع قلقون من أن الصراع فى الشرق الأوسط سيسحب طاقات الولايات المتحدة، بعيدًا عن منطقة المحيط الهادئ، حيث يحاول الجيش تحويل المزيد من اهتمامه، فى حالة غزو الصين لتايوان، أو نشوب صراع على الأراضى المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبى، إلى شىء أكبر.. وفى مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، الأسبوع الماضى، أوضح الجنرال براون، أن «ما يحدث فى جزء من العالم، يؤثر على أجزاء أخرى من العالم.. لذلك، فإن علينا أن نتأكد من أننا قادرون على تمام استعداداتنا، حتى لا نتفاجأ فى وقت لاحق، لأننا نركز فقط على منطقة واحدة».
لقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إخراج الجيش الأمريكى من الشرق الأوسط، منذ ما يقرب من عقد من الزمان.. لكن المنطقة تستضيف مرة أخرى، مجموعة متنامية من القوة العسكرية الأمريكية.. فلدى الولايات المتحدة سفينة هجومية برمائية وثلاث مدمرات صواريخ موجهة فى شرق البحر الأبيض المتوسط.. غادرت حاملة الطائرات «هارى. إس. ترومان»، فرجينيا أواخر سبتمبر، لإجراء تمرين مقرر مسبقًا فى أوروبا، لكنها قد تحتاج إلى تحويل مسارها إلى شرق البحر المتوسط، إذا اشتد القتال فى المنطقة.. وفى البحر الأحمر، تمتلك البحرية العديد من مدمرات الصواريخ الموجهة، وفقًا للمعهد البحرى الأمريكى.. وفى خليج عمان، تراقب حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن»، مع مجموعتها الضاربة من مدمرات الصواريخ الموجهة وأسراب المقاتلة، إيران منذ أغسطس.. وهذا الأسبوع، أمر لويد أوستن بالبقاء هناك، وتمديد انتشارها لمدة شهرين.
■■ وبعد..
يرى مسئولون أمريكيون وإسرائيليون أن البيت الأبيض يسير على خط رفيع.. تريد إدارة بايدن دعم إجراءات إسرائيل ضد جماعة صنفتها الولايات المتحدة إرهابية، والتى قتلت أمريكيين من قبل، وترى أنها تهدد المنطقة.. لكن الإدارة الأمريكية لا تشعر بالارتياح لتأييد حملة إسرائيل بشكل كامل أو علنًا لأنها قلقة من أنها ستتسلل إلى عمق الأراضى اللبنانية، مما قد يؤدى إلى اندلاع حرب شاملة.. وتظل الرسالة العامة التى وجهتها الإدارة الأمريكية إلى إسرائيل، هى، تجنب التصعيد ومواصلة السعى إلى الدبلوماسية مع حزب الله.. لكن هذا لم يحدث، على خلفية التطورات التى شهدتها العمليات الإسرائيلية.. فقد شملت هذه التطورات هجمات على آلاف من عناصر حزب الله باستخدام أجهزة النداء المتفجرة وأجهزة الاتصال اللاسلكى، وتدمير صفوف حزب الله العليا، بما فى ذلك الضربة التى قتلت زعيمه حسن نصر الله، وتلك التى يُقال إنها استهدفت خليفته، هاشم صفى الدين، فى تفجير مقر استخبارات حزب الله، فى الضاحية الجنوبية لبيروت.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.