رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناريو الكارثة

لقطة للقصف الإسرائيلى
لقطة للقصف الإسرائيلى على لبنان

تصاعد مستمر فى التوترات السياسية والعسكرية تشهده المنطقة العربية فى العقود الأخيرة، فى ظل استمرار الصراع العربى الصهيونى الذى أفرز من بين ثناياه الجماعات الدينية والميليشيات المسلحة، كمكافئ موضوعى للصهيونية الدينية التى تبرر احتلال أرض فلسطين بذرائع عقائدية. 
هذه التوترات تعود إلى عوامل متعددة تتعلق بالتوازنات الإقليمية، والتدخلات الخارجية، والمصالح الاستراتيجية للطرفين. 
من منظور المقاومة، فإن هذه الصراعات تشكل مرحلة حاسمة فى الصراع ضد الاحتلال ومشاريع الهيمنة الغربية.
أحد الأسباب الأساسية للتوتر هو استمرار الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، فى دعم الكيان الصهيونى لنهب موارد الإقليم واستغلالها لمصالحه الخاصة. 
محاولات التطبيع مع بعض الدول العربية، تزيد من تعقيد الأوضاع. علاقات التطبيع تأتى فى سياق استراتيجية غربية لإعادة تشكيل المنطقة فى إطار ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد والقضاء على أى قوى ممانعة تؤمن بمبدأ المقاومة المسلحة. 
قوى المقاومة، بما فيها «حزب الله» وحركات المقاومة الفلسطينية، تشكل عائقًا أمام المخططات الغربية والصهيونية للسيطرة على المنطقة. 
التحركات العسكرية الأخيرة لإسرائيل ضد المقاومة فى لبنان وسوريا، مثل الهجمات على مواقع «حزب الله» واغتيال قياداته، تشير إلى رغبة إسرائيلية فى كسر شوكة المقاومة. هذه المحاولات لم تنجح حتى الآن فى تحقيق أهدافها نظرًا لثبات المقاومة فى كل الجبهات على مدار عام كامل، وتزايد شعبيتها بين الشعوب العربية والإسلامية كنتيجة طبيعية لاستمرار الجرائم الدموية التى ترتكبها قوات الاحتلال دون سقف أخلاقى، ودون التقيد بقواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.
الدعم الإيرانى المفتوح لفصائل المقاومة يحقق مصلحة مباشرة لإيران بعدم تنصيب إسرائيل كقائد وحيد ومهيمن للشرق الأوسط، إضافة إلى مجموعة أخرى من مصالح استراتيجية واقتصادية تتلاقى كلها مع مصالح فصائل المقاومة.
الاعتراف بإسرائيل وشرعنة وجودها بتوقيع اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول العربية المحورية يؤسس لواقع جديد تخسر فيه فلسطين قضية وجودها للأبد، وتنتهى معه المطالبات بالحقوق العربية المهدورة منذ نكسة 1967، وتشكل عتبة جديدة سيتخطاها كيان الاحتلال إلى نزعة توسعية إضافية.
الهجمات الإسرائيلية الموتورة على غزة ولبنان والانتقال إلى سياسة اغتيال قادة المقاومة، تأتى كرد فعل على تنامى النفوذ الإيرانى، واشتداد عود فصائل المقاومة فى مواجهتها مع كيان الاحتلال لا سيما فى ظل التعاون العسكرى والاستراتيجى المفتوح بين إيران وحركات المقاومة. 
دخول إيران كقوة إقليمية على خط المواجهات يزيد من تعقيد الحسابات الإسرائيلية ويدفع الاحتلال لاستغلال الحرب مع غزة ولبنان لاستدارج إيران إلى حرب مباشرة يتذرع بها نتنياهو للإجهاز على المشروع النووى الإيرانى الذى يقترب أكثر فأكثر من الاكتمال، وتدميره مرة واحدة وللأبد.
الهجمات الإسرائيلية الاستفزازية الأخيرة لسيادة إيران وهيبتها تستهدف جر الأخيرة إلى ساحة القتال قبل أن تصبح قوة نووية وقبل أن يميل ميزان القوى لصالح طهران.

الهجمات الاستفزازية المستمرة قد تؤدى إلى تصعيد عسكرى شامل بين المقاومة فى لبنان وغزة واليمن والعراق وبين الاحتلال الإسرائيلى. فى هذه اللحظة ستتشكل محاور وتحالفات عسكرية واستراتيجية جديدة تلائم طبيعة المرحلة، وستصطف تلقائيًا كل دولة فى المحور الذى يتفق مع موقفها ومصالحها، ما يعنى دخولها فى عداء مباشر مع دول المحور المقابل.
بتعبير مختصر وأكثر وضوحًا، سنصبح أمام خريطة جديدة للتحالفات وكذلك العداءات.
الاستعداد لهذه اللحظة التى يبدو أنها باتت أقرب من أى وقت مضى، واختيار الوقوف فى الجانب الصحيح من التاريخ أضحى حتمية استراتيجية ووطنية واجبة لحماية حدود أمننا القومى والدفاع عنه حين تدخل المنطقة إلى نفق السيناريو الأكثر خطورة.
إشعال الحروب قرار صعب وإنهاؤها أصعب.
هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة على استقرار المنطقة، لكنه قد يكون الفرصة الأخيرة للعرب لتحقيق مكاسب استراتيجية وإعادة صياغة معادلة موازين القوى أمام الاحتلال وداعميه من قدامى المستعمرين، وإعادة إحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى بعد أن كادت تحتضر فى مرحلة ما قبل طوفان الأقصى مباشرة.
فى مواجهة التصعيد الصهيونى، من المتوقع أن تسعى المقاومة إلى تعزيز التحالفات الإقليمية، ليس فقط مع إيران وسوريا، بل أيضًا مع شعوب المنطقة التى ترفض التطبيع وتدعم حق المقاومة فى الرد على العدوان. 
هذه التحالفات يمكن أن تسهم فى تقوية موقف المقاومة على المستويين الدولى والإقليمى، وربما يفتح الباب أمام مبادرات سياسية جديدة ترمى لإيجاد حلول أكثر عدلًا للصراع العربى الصهيونى.
استمرار صمود فصائل المقاومة ضد رغبات إسرائيل التوسعية هو خط الدفاع الأول حاليًا عن الأمن القومى العربى كله، ويصب أول ما يصب فى صالح دول الطوق وبالأخص مصر والأردن الذى يضعهما الاحتلال فى قلب مشروعه الاستيطانى التوسعى كأوطان بديلة للفلسطينيين المخطط اقتلاعهم وتهجيرهم من أراضى فلسطين التاريخية. 
التصعيد الحالى فى الشرق الأوسط هو الحلقة الأخطر فى مسلسل المخططات الغربية والصهيونية الرامية للسيطرة على المنطقة، وصمود المقاومة طوال هذه السنين هو الذى عرقل أو على أقل تقدير «أجّل» تطبيق المشروع الصهيو- أمريكى للهيمنة على الشرق الأوسط وإخضاع دوله والهيمنة عليها وعلى مقدراتها.
السيناريوهات المحتملة لمسار الصراع تتراوح ما بين العودة لطاولة المفاوضات وإفساح المجال للحلول السياسية، وبين تصعيد عسكرى شامل وتشكيل تحالفات عسكرية جديدة وفق معطيات ما يجرى على الأرض، والأيام القليلة القادمة ستحدد إلى حد كبير ملامح الشرق الأوسط فى المرحلة المقبلة.