يوم العبور من الانكسار إلى العزة
اليوم هو الذكرى الـ٥١ لنصر أكتوبر المجيد. هذا اليوم هو يوم العزة والكرامة الذى رفع فيه المصريون رءوسهم إلى عنان السماء، فرحين بما أغدق الله عليهم من نصر مبين على العدو الصهيونى الغاشم. وقبل الدخول فى أهمية هذا اليوم فى تاريخ الأمة المصرية والعربية، لا بد أن أشير ومن واقع تجربة مريرة إلى ما قبل يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣.
فى يوم العبور كان عمرى ١٢ عامًا، وقد تأهبت للالتحاق بالصف الأول الإعدادى. قبل هذا اليوم كانت الأحزان والانكسارات تسود الأرجاء. الجميع فى حالة خزى وعار لما لحق بنا من هزيمة فى ٥ يونيو ١٩٦٧. التحقت بعده بأربعة أشهر لأكون تلميذًا بالصف الأول الابتدائى فى مدرسة الجمهورية الابتدائية بالزرقا بمحافظة دمياط. تلك المدرسة بجدرانها وفصولها كان يكسوها الحزن، فنوافذ الفصول كلها مغطاة بلواصق وألوان زرقاء، وهى مقامة فوق ملجأ كبير لأن حرب الاستنزاف كانت قد اشتعلت بشكل بشع، وكانت الغارات تحيط بنا، وكانت قواتنا المسلحة الباسلة تقوم بعمليات واسعة خلف خطوط العدو وحققت فيها انتصارات أكثر من رائعة، ما يعد تمهيدًا لنصر أكتوبر العظيم. فى تلك الأيام السوداء كان المعلمون داخل الفصول يشرحون لنا كيف أن مصر ستنهض من كبوتها، وكيف أن قواتنا المسلحة ستثأر لكرامتنا وعزتنا. وكنا صغارًا نسمع فى المدرسة كل هذه العبارات الرنانة، وفى منازلنا نسمع حكايات الأجداد والآباء والأمهات حول ضرورة أن تثأر مصر لكرامة أبنائها بسبب الخزى والعار اللذين لحقا بنا. ثم يأتى يوم السادس من أكتوبر العظيم، وهذه اللحظة الفجائية التى فوجئ بها جميع المصريين. بل العالم بأسره، ليسمع أن القوات المسلحة المصرية الباسلة استطاعت أن تعبر قناة السويس وتحطم خط بارليف المنيع، وتصل إلى الضفة الشرقية من القناة. هذه اللحظة كنا نتغير ونتبدل من حالة الحزن والانكسار إلى لحظة العزة والكرامة للجميع.
حالة الفرح الشديدة عمت الأرجاء المصرية بهذا الانتصار العظيم الذى لم يأتِ من فراغ ولم يأتِ من عشوائية، وإنما أتى من خلال عمليات استراتيجية واسعة وعمليات تمويه أكثر من رائعة تدرسها جميع الأكاديميات العسكرية حتى كتابة هذه السطور. لكن الذى يعنينى فى هذا المقام هو أن جموع المصريين منذ ١٩٦٧ مرورًا بحرب الاستنزاف حتى تحقيق ساعة النصر، كانوا جميعًا على قلب رجل واحد، ويلتفون حول أمر واحد، ويلتقون عند بؤرة واحدة، وهى ضرورة الثأر والأخذ بكل الأسباب حتى يتحقق النصر العظيم.
التكاتف والالتفاف حول القيادة السياسية من أجل استرداد الأرض الغالية سيناء الحبيبة. وقد تحقق هذا الأمر بفضل تكاتف الشعب مع قواته المسلحة المصرية العظيمة وبقدرتهم وبشدتهم القوية من أجل تحقيق هذا النصر العظيم، سيظل يوم السادس من أكتوبر علامة فارقة فى تاريخ الأمة المصرية بما قامت به من عودة الحق إلى أصحابه، ومن رفع راية المصريين والأمة العربية عالية خفاقة فى عنان السماء، ومن أجل العزة والكرامة.. هذه هى عادة المصريين عندما يرون الخطر يحدق بهم وبدولتهم، نجدهم كتلة واحدة واصطفافًا واحدًا ورؤية واحدة.. الكل يتناسى كل شىء ما عدا الحفاظ على الأرض بكل ما أوتوا من قوة. وهذا هو سر العظمة فى هذا الشعب المصرى وسر العظمة فى قواته المسلحة، جيش مصر الوطنى الذى هو ملك لكل أبناء مصر بلا استثناء.
فى يوم العزة والكرامة لنا أن نفتخر ونرفع رءوسنا إلى عنان السماء، لأن مصر دولة عظيمة وقوية وقادرة على صنع المعجزات.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فمصر الآن تواجه كل التحديات الجسام وكل الساعات العصيبة فى منطقة يسودها التوتر الشديد وعلى حافة الهاوية. لكن شعب مصر دائمًا وكعادته يقف إلى جوار قواته المسلحة، يشد من أزرها ويقف إلى جوارها، فهى الدرع الحامية لأمن مصر القومى، وهى الدرع الواقية لكل ذرة تراب من أرض هذا الوطن، وهى القوية القادرة على فعل المستحيل من أجل أن يعيش المواطن المصرى فى أمن وأمان واستقرار. هذا هو سر عظمة مصر، وهذا هو سر قول رسول الله إن قواتنا المسلحة خير أجناد الأرض قاطبة. وكل عام والقوات المسلحة المصرية أشد صلابة على كل من يريد النيل من الوطن الغالى.