هكذا انتصرت مصر فى حرب أكتوبر المجيدة
فى يوم السبت ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ميلاديًا وفى يوم مبارك من أيام شهر رمضان الكريم، يوم العاشر من شهر رمضان سنة ١٣٩٣ هجريًا، وفى الساعة الثانية ظهرًا تمامًا استطاع الجيش المصرى أن يفاجئ العالم كله بانتصار عظيم ومُدوٍ لقواته المسلحة، وأن يحقق ما كانت تقول عنه إسرائيل إنه الأمر المستحيل حدوثه، وتحققت المعجزة التى لا تزال توثق انتصارًا للجيش المصرى فى تاريخنا الحديث، والتى لا تزال تدرّس فى الجامعات العالمية.
واستطاعت مصر بقدراتها الاستراتيجية والفكرية والتخطيطية، وبقواها العسكرية، وبحركة رئيسها، ودعم شعبها، أن تحقق التفوق بعبور خط بارليف المنيع، وبعنصر المفاجأة استطاعت القوات المسلحة المصرية أن تباغت فى يوم السبت القوات الإسرائيلية فى مخابئها المدججة بالأسلحة والعتاد الحديث المتعدد الأنواع، والذى شهدته بعينى فى زيارة ميدانية أثناء حفر قناة السويس الجديدة، حيث أعطى إشارة البدء الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ٥ أغسطس ٢٠١٤ بعد انتخابه رئيسًا للبلاد، لحفر مجرى ملاحى، وتعميق مجرى قناة السويس، بهدف إقامة مركز لوجستى وصناعى عالمى متكامل للخدمات، من أجل زيادة الموارد لمصر. ففى ٦ أكتوبر استطاعت الإرادة المصرية أن تحقق المستحيل، وتمكن أبطالنا فى بضع ساعات من عبور خط بارليف المنيع الذى كانت إسرائيل تقول إنه من المستحيل عبوره، هذه الروح القوية التى كانت بداخل قلوب أبطالنا من الجنود المصريين هى التى حققت المستحيل، وهى التى مكنتهم من اختراق هذا الحاجز الترابى المنيع، وهى التى استعدنا بها الكرامة والعزة لكل الشعب المصرى، الذى وقف جميعه يهلل من الفرحة والفخر بالقوات المسلحة المصرية التى اجتازت كل الصعاب والعوائق.
وحينما جاءنا البيان الأول فى الإذاعة الذى يؤكد لنا عبور قواتنا المصرية خط بارليف فى ٦ ساعات، انطلقت الزغاريد، واجتاحت الفرحة كل البيوت فى بلدنا، وأتذكر فرحتى أنا وأسرتى بهذا العبور، ورغم أننى كنت فى سن صغيرة فإننى كنت أنتظر لحظة الانتصار لنا كمصريين على الجيش الإسرائيلى الذى قالت عنه إسرائيل إنه جيش لا يقهر.
وكنت أزهو من الفخر والفرحة العارمة، حيث إننى نشأت فى بيت وطنى، فأمى رجاء حجاج- رحمها الله- هى رائدة فى العمل الاجتماعى والخيرى، هى سيدة مصرية حتى النخاع، وأصيلة ووطنية من الطراز الأول، تربت ونشأت وطنية مثل خاليها اللواء والوزير الأسبق لوزارة الشئون الاجتماعية محمد توفيق عبدالفتاح، وشقيقه الوزير الأسبق بوزارة التجارة زكريا توفيق عبدالفتاح، حيث كان خالها الوزير محمد توفيق عبدالفتاح من الضباط الأحرار، وكان وزير الشئون الاجتماعية، ثم سفيرًا فى سويسرا فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كما أن شقيقها اللواء المرحوم محمد فريد حجاج أى خالى، فقد كان من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وكنت قريبة الصلة به، وكثيرًا ما كان يحدثنى عن قيم التضحية والفداء من أجل الوطن، إلا أنه أبدًا لم يبُح بموعد حرب أكتوبر التى شارك فيها، والحمد لله عاد سالمًا منها، كما شارك فى كل حروب مصر، بما فيها حرب اليمن.
وكنت دائمًا وأنا صغيرة أحب الإنصات لحكاياته عن الوطنية وروح الفداء التى يتمتع بها، ومن هنا جاء يقينى بقدرات الجيش المصرى حتى اليوم، لأننى أفخر بجيشنا الذى به رجال يتحلون بالشجاعة وروح الفداء للوطن الغالى، فهم الذين حموا أرض الوطن، واستعادوا الكرامة لها فى حرب العبور، وهم الذين يحمون أرض مصر وحدود مصر الآن، وهم الذين وقفوا لحمايتنا فى ثورة الشعب المصرى ضد الظلاميين فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
أما عنصر المفاجأة، فاعتمد على خدعة استطاع أن يقوم بها الرئيس محمد أنور السادات صاحب قرار الحرب، وصاحب قرار السلام أيضًا، فبعد ٦سنوات من الاستعداد لإعادة بناء الجيش المصرى، وذلك بعد نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ قام الرئيس محمد أنور السادات بخدعه تكتيكية فى استراتيجية العبور، حيث نشرت جريدة الأهرام اليومية فى صفحتها الأولى أن عددًا من قادة الجيش المصرى سيسافرون خلال الشهر الكريم قبل موعد الحرب لأداء مناسك العمرة، وهكذا جاء عيد الغفران يوم السبت والجيش الإسرائيلى فى إجازة.
وتفاجأ العالم بأن القوات المسلحة المصرية تعبر قناة السويس، وتسترد جزءًا من أرض سيناء المصرية، وهذه المفاجأة اعترفت بها جولدا مائير فى فيلم «جولدا» عن سيرتها الذاتية، حيث كانت رئيس وزراء إسرائيل وقت الحرب، والفيلم عرض على العالم فى ٢٠٢٣، وهو من إنتاج بريطانى أمريكى، ويقدم أحداث الحرب فى ٧٣ من منظور إسرائيلى، إلا أن به اعترافًا بالمفاجأة التى حدثت لقادة إسرائيل بعبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس والوصول إلى الضفة الغربية للقناة.. وهكذا نحتفل غدًا الأحد بمرور ٥١ عامًا على تلك اللحظات المجيدة فى تاريخنا بكل الفخر والاعتزاز بأبطالنا من القوات المسلحة المصرية الذين حققوا المعجزة العسكرية.
وقد كانت المرأة المصرية أسهمت بدور كبير فى إعادة بناء الجيش المصرى، وأتذكر أن والدتى كانت تشارك مع السيدة العظيمة الراحلة جيهان السادات فى جمع مصوغات السيدات المصريات اللاتى تبرعن بمصاغهن من أجل المجهود الحربى، وإعادة بناء الجيش المصرى استعدادًا لاسترداد الأرض والكرامة، ولا تزال نبضات الفرحة فى قلبى حية كلما جاء شهر أكتوبر بانتصاراته العظيمة.
فرغم أننى كنت ما زلت فى سن صغيرة فإننى لا أنسى اللحظات العظيمة التى غمرت الشعب المصرى بالفرحة، وفرحة كل أفراد أسرتى، وذلك حينما جاءنا البيان الأول معلنًا عبور قواتنا المسلحة خط بارليف المنيع، وصدحت كل البيوت المصرية بالزغاريد والأغانى الوطنية، وهكذا اتخذ الرئيس محمد أنور السادات قرار الحرب التاريخىّ باسترداد الأرض وعبور القناة بتضحيات وصمود وبطولة الجيش ومعه الشعب، هكذا تحقق الانتصار على الإسرائيليين الذين كانت تدعمهم أمريكا، وتوقفت الحرب فى يوم ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣، وبعدها جاءت زيارة الرئيس السادات المفاجئة إلى القدس، ثم بدأت المفاوضات وتوقيع معاهدة السلام فى واشنطن ١٩٧٩، وبحضور الرئيس السادات والرئيس الأمريكى جيمى كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن، وتمت المفاوضات، وتم استرداد آخر شبر من أرض طابا فى ١٩ مارس ١٩٨٩.
وهكذا كان التلاحم بين القيادة السياسية والجيش والشعب هو سر التفوق المصرى وسر الانتصار فى حرب العبور، واليوم إذ أتوقف عنده، لأننا نواجه أحداثًا خطيرة تحدث فى منطقتنا العربية، منذ طوفان الأقصى فى ٧ أكتوبر من العام الماضى، واندلاع حرب وحشية تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى بدعم أمريكى كامل وتام.. ونحن نواجه تحديات كبيرة وعلينا أن نعبرها، ما يتطلب منا وقفة وطنية وصمودًا، وأن نكون يدًا واحدة كشعب ومثقفين وإعلاميين وفلاحين ومتعلمين وكبار وصغار وشباب، وكل فئات المجتمع يدًا واحدة، كما أطالب المرأة المصرية، خاصة التى وقفت كالوتد مع وطنها فى كل المحن والأوقات الصعبة والأزمات، فعليها الآن أن تقف كالوتد الثابت مع أسرتها حماية ودعمًا لأمان الوطن، والجبهة الداخلية، وأن تكون صمام أمان الوطن الآن مع الجيش والقيادة السياسية، فهناك ضرورة قصوى لاصطفاف الشعب جميعًا يدًا واحدة. وهذه الأحداث الخطيرة وتصاعدها فى الآونة الأخيرة قد جعلت الرئيس عبدالفتاح السيسى يقوم بدور محورى لمحاولة استعادة حقوق الفلسطينيين، والمشاركة فى المفاوضات لاسترداد الرهائن، وأكد الرئيس أن حدود مصر خط أحمر، وأيده الشعب المصرى تأييدًا تامًا فى الحفاظ على سيادة مصر على أراضيها، ويقف الجيش المصرى درعًا وحافظًا لحدودنا.
وعلينا أن ندرك أننا الآن ونحن فى شهر أكتوبر نحتفل بمرور ٥١ عامًا على انتصارات حرب ١٩٧٣، فإننا أحوج ما نكون إلى ضرورة الثقة فى القيادة السياسية، وإحياء مشاعر الولاء والانتماء والوطنية داخل قلوب الشباب والشابات، خاصة أننا فى حاجة إلى تحمّل الصعاب الحالية، وتأجيج روح الصمود، واستلهام روح أكتوبر التى أدت إلى انتصارات على جيش إسرائيل، ودعم أمريكا لها.
وما يجعلنى أتوقف اليوم أمام هذا اللحظات المجيدة من تاريخنا، أننا لا بد أن نتوقف عند موقف مصر الثابت المؤيد والداعم دائمًا لحقوق الشعب الفلسطينى، الذى أعلنه الرئيس السادات فى سنة ١٩٧٧ للعالم فى البرلمان الإسرائيلى فى أثناء زيارته التاريخية لمدينة القدس فى مبادرة للسلام، حيث طالب بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، والآن ومنذ بدء الحرب فى قطاع غزة والجرائم الوحشية التى ترتكبها إسرائيل وقادتها ضد أهل فلسطين منذ ٧ أكتوبر الماضى، يقف الرئيس السيسى داعمًا ومؤيدًا لحقوق الشعب الفلسطينى، وضرورة إعلان دولتين دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية، وتحقيق السلام فى المنطقة، وطالب المجتمع الدولى بأن يتحمل مسئوليته فى وقف الحرب، وأكد ثبات الموقف المصرى فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، وضرورة وقف القتال.
كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، عدة مرات، فى مؤتمر السلام، وفى جميع اللقاءات الدولية مع قادة العالم ومع قادة العرب أن سيادة مصر على أراضيها خط أحمر.. ورفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وطالب بوقف إطلاق النار، والتحرك لإدخال المساعدات الغذائية والمياه والدواء إلى قطاع غزة.
ونحن إذ نحتفل غدًا بمرور ٥١ عامًا على انتصارات مصر فى حرب أكتوبر المجيدة فإننا لا بد أن ندرك أن التفوق المصرى فى حرب ٦ أكتوبر، أو حرب العاشر من رمضان، أو حرب العبور، أو حرب يوم الغفران إنما يعود إلى القدرات المدهشة للقوات المسلحة المصرية، وروح الفداء التى تحلت بها، والإرادة المصرية فى الانتصار التى تحلى بها جميع المصريين رئيسًا وجيشًا وشعبًا، فقوة المصريين تكمن فى اصطفافهم الوطنى وقت الخطر، فلدى المصريين إرادة قوية تجعلهم يقفون صفًا واحدًا وقت الأزمات ووقت الخطر، ولدى الجيش المصرى عقيدة قوية بأنه الدرع الواقية للشعب المصرى، وأنه حامى الأرض والعرض. فكل عام ووطننا الغالى فى أمان واستقرار وسلام وازدهار بإرادتنا جميعًا على الصمود، والوعى بضرورة عبور الأزمات والأخطار المحدقة بنا، وبأن نكون على قلب رجل واحد، وألا تضعفنا الشائعات والمحن، ومن الضرورى أن نعى أهمية اصطفافنا الوطنى معًا جميعًا، رئيسًا وجيشًا وشعبًا.