غيّرت حياة "مكتشفها".. شفرة جندى "دوّخت" إسرائيل فى حرب أكتوبر
على الطريق يقف الجندي بقوات حرس الحدود أحمد إدريس، ينتظر سيارة عابرة يقطع بها طريقه الطويل إلى وحدته العسكرية، ويحمل القدر إليه ما "يغير مصيره تماما"، وتتوقف مركبة عسكرية أمامه يستقلها قائد اللواء التابع له، ورئيس أركانه.
حديث القائدين جذب انتباه الجندي القادم من النوبة في أسوان، والتقط مخاوفهما من قدرة العدو على فك شفرات الجيش المصري، وعلى الرغم من خطورة ما يفكر به، قرر إدريس قطع النقاش والتدخل باقتراحه، "أنا عندي فكرة يا أفندم، السر في الشفرة، اللغة النوبية".
واحد وخمسون عامًا مرت على حرب 6 أكتوبر 1973، التي لم يترك قادتها وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، شيئا للصدفة، واستخدموا شفرات لاستقبال وإرسال المعلومات لا تستطيع أحدث أجهزة العالم فكها، كونها كانت "بلغة لا تٌكتب".
استخدام اللغة النوبية كشفرات سرية
بعدما استمع الجندي أحمد إدريس إلى الحوار الدائر بين القائدين، قرر أن يجمع شجاعته ويقدم مقتراحا بشأن ما سمعه، مضمونه استخدام اللغة النوبية، مقدما مبرراته بأنها لغة لا تقرأ، ولن تتمكن كل أجهزة الاستخبارات بما فيها الإسرائيلية فكها، وهنا ترك فكرته ونزل من السيارة بعد الوصول إلى وجهته.
أيام معدودة فصلت إدريس عن أهم لقاء في حياته، إدريس مكبل اليدين، تصحبه سيارة عسكرية من مكان خدمته إلى القاهرة، وألف سؤالا يدور في رأسه، يبحث بداخلها عن الجرم الذي ارتكبه حتى يقبض عليه بهذا الشكل، وما العقاب الذي ينظره.
المفاجأة أنه لا عقاب، وأن هذه الطريقة ما هي إلا وسيلة تمويه حتى لا يعرف أحد بأمر إدريس وفكرته التي هو بصدد عرضها على القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية، محمد أنور السادت، حالة من الذهول والصدمة أصابت الجندي الشاب، فلم يكن يتخيل يومًا أن تصل فكرته التي ألقاها في طريق عابر إلى الرئيس مباشرة؛ ليكشف عن تفاصيلها.
بدأ إدريس في سرد فكرته التي تتمثل في استخدام اللغة النوبية بين القادة والجنود، الجميع يتلقى الأوامر والتعليمات من خلالها، هنا سأله السادات عن إمكانية تنفيذ هذه الفكرة، فأخبره بوجود عدد كبير من الجنود النوبين بين قوات حرس الحدود، مع تأكيده أن يكونوا جميعًا من بين أبناء النوبة القدامى وليسوا الجدد الذين استقروا بعد بناء السد العالي؛ ذلك لأنهم حديثو عهد بالنوبة وغير مدقنين للغة الأم.
انتقل أحمد إدريس بعدها برفقة القادة إلى أرض القتال، وذهب في مهمة برفقة جنود من النوبة لاختبار استخدام اللغة الجديدة، ونزلوا في مياه القناة ويموهون رءوسهم بثمار "بطيخ" مفرغة من الداخل، حتى إذا ما رأهم العدو اعتقد أنهم مجرد بطيخ، وفعلا تمكنوا من الحصول على المعلومات وتوصليها باستخدام "الشفرة النوبية"، وعندما نجحت التجربة اعتمدت اللغة وسيلة للتواصل وإرسال المعلومات حتى حرب السادس من أكتوبر وما بعدها، ومنها كانت كلمة سر النصر "أوشريا ساع واي"، أي إضرب الساعة 2.
الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من فك شفرات ورسائل المصريين طوال حرب أكتوبر، ما شكل عنصرا مهما في المفاجأة التي دوخت إسرائيل، واعتبرت واحدة من أهم خطط الخداع في الحروب.
سر أكتوبر العظيم
حمل الجندي أحمد إدريس في صدره مهمة الحفاظ على سرية هذه المعلومة التي هو مصدرها، وبفرمان مباشر من رئيس الجمهورية حينها محمد أنور السادات، أمر ألا يفشي سر الشفرة سواء كان بقصد أو بغيره، وظل محافظًا على هذا السر حتى عام 1993، آخر استخدام للغة النوبية في شفرات الجيش المصري.
أقرأ أيضًا: